محمد عمر كبها
في الهلال الخصيب عرف الإنسان الكتابة، وفيه تأسس المجتمع الحضري، وفيه ورغم التباينات الإثنية والدينية والطائفية، تعايشت الشعوب لآلاف السنين، وأنتجت هذه التعدديّة ثقافات عريقة كان لها المساهمة الكبرى في تطور البشريّة بأكملها.
وكان سعي شعوب الشرق إلى الاستقلال ونيل الحرية هاجساً رافقها منذ أمد طويل، منذ مئات السنين تعاني الشعوب في هذه المنطقة الغارقة الآن بالمآسي، من احتلالات مختلفة.
وقد كان لإتفاقية سايكس بيكو المبرمة عام 1916 نتائج فتّاكة، حيث رسمت من خلالها القوى الإمبريالية حدودًا وهميّة قسّمت المنطقة إلى أشلاء، ونصّبت فيما بعد أنظمة رجعيّة تقمع إرادات الشعوب وتضمن للرأسمالية الغربية مصالحها، ووظفت حارسًا يضرب ويبطش وفقاً لمشيئتها، حيث زرعت في قلب الشرق كيانًا غريبًا غازيًا أُسمي "إسرائيل"، وسلّمت أرض الشعب الفلسطيني الأصيل لحركة الاستعمار الاستيطاني الصهيونيّة، التي تقوم بدورها باستخدام اليهود في فلسطين رأس حربة، فتدفع بهم إلى معاداة شعوب المنطقة، وتعرّضهم بذلك إلى خطر كبير.
وتقيم الصهيونية في فلسطين التاريخية نظام تمييز عنصري من أشرس ما شهدته البشريّة، وتضيّق على الأصلانيّين وتنكّل بهم، استمرارًا لسياسة التطهير العرقي التي تنتهجها حركة الاستعمار الاستيطاني منذ أن بدأت غزوها فلسطين مطلع القرن العشرين.
وأفرزت البنية العنصرية للمنظومة التي تسيطر على فلسطين التاريخية قضايا اجتماعية وطبقية متداخلة بالقضايا القومية.
ويزيد الأمور تعقيداً كون "إسرائيل" دولة دينية، تشرعن تفوّق دين واحد على غيره من الديانات من ناحية، وتضمن سيطرة النظام الديني على المدني من ناحية أخرى.
وبالمقابل ثابر الشعب الفلسطيني، ومازال، من أجل عودة لاجئيه الذين طردتهم الحركة الصهيونية من ديارهم، ومن أجل نيل حريّته، حتّى أصبحت فلسطين رمزًا عالميًا للنضال من أجل الحرية والعدل!
ومن أجل حلّ القضية، فقد طرحت الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة خيار "الدولة الديمقراطية في فلسطين" في سياق تطورات تاريخيّة عالميّة وعربيّة بصيغ مختلفة، وفي فترات زمنيّة متفاوتة، كخيار عادل وأكثر إنصافًا عن غيره من بين الخيارات المطروحة.
فقد طُرحت لأول مرة فكرة حق تقرير المصير وإقامة كيان سياسي ديمقراطي في فلسطين في "المؤتمر الوطني الثالث" الذي عقد في حيفا عام 1920، بعد موجة احتجاجات وأعمال عنف بسبب قرار فصل فلسطين عن سوريّة. بعد ذلك قامت عصبة التحرّر بطرح حل "الدولة الديمقراطية الواحدة" تضمّ العرب واليهود عام 1943، وعلى ضوء هذه الخلفية التاريخيّة لهذا الطرح الإنساني والتقدمي، جاء برنامج منظمة التحرير الفلسطينيّة لعام 1968 لكي يحافظ على هذا الإرث.
وقد نصّ البيان الختامي للدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في دمشق عام 1969 على حل "الدولة الديموقراطية العلمانية".
قبل أن تنحرف بوصلة النضال الفلسطيني لتتبنى "برنامج النقاط العشر" عام 1974، لتنزلق القيادة الفلسطينيّة إلى المفاوضات مع "إسرائيل" وتقع في خطيئة توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، الذي عوّلت عليه القيادة الفلسطينيّة للانتقال الى مرحلة تأسيس "الدولة الفلسطينيّة المستقلّة" في الأراضي المحتلة عام 1967، ولكنّه انتهى بفعل طبيعة "إسرائيل" الكولونياليّة، فكان حصارها الوحشيّ لقطاع غزّة وتمزيق الضفة الغربيّة إلى كانتونات معزولة، وتنفيذ سياسات الاستيطان والتهويد والمصادرة في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس وداخل الخطّ الأخضر، كما نتج عن تلك الاتفاقية المشؤومة تنازل منظمة التحرير عن قضيّة اللاجئين وتخليها عن فلسطينيي الداخل المحتل.
لقد بات واضحًا بعد ذلك كله موت حلّ الدولتين، وهو في الأساس حلّ غير منصفٍ، ولم يكن قابلًا للتطبيق في أي مرحلة من المراحل. وبالنتيجة، غدا الشعب الفلسطينيّ كلّه، الذي يعيش في فلسطين التاريخيّة رازحًا تحت نير نظام قهر واحد، ومازال اللاجئون الفلسطينيوين مشردين في بقاع الأرض بعيدين عن ديارهم، وبات اليهود في فلسطين أداة بيد الصهيونية والامبريالية.
في ظلّ هذه الظروف القاسية، يتأكّد أنّ الطريق الوحيد لتحقيق العدالة والسلام الدائم، وبناء مجتمع ديموقراطي حرّ، متنوع ومتعدد الثقافات، يحفظ حق مُختلف الفئات والمجموعات، ويوفر لها الفرصة والظروف الأمثل لتعيش نمط الحياة الذي تختاره، هو تفكيك نظام الأبارتهايد الكولونيالي في فلسطين التاريخيّة، وإقامة نظام سياسيّ يستمدّ مبادئه من الأخلاق الكونية ويؤسس لتحقيق العدل والمساواة بعد التطبيق الكامل لحقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، ووضع آلية لتصحيح الغبن التاريخي من خلال إعادة توزيع الموارد وسدّ الفجوات الطبقيّة، ومن ثمّ الاندماج في المنطقة والتآخي مع شعوبها في تطلعاتها نحو الحرية والعدالة الاجتماعية.
وعلى خلفيّة ما تقدّم، وتمسّكًا بالقيم الأخلاقيّة والحق بحياة حرة وكريمة لجميع الناس على حد سواء، ومن أجل إنهاء جميع أشكال القهر والاضطهاد والعنصريّة والكراهيّة والاستغلال التي تدمّر الحياة، بادر العديد من الأفراد والمجموعات، عربًا ويهودًا، متديّنين وعلمانيين، إلى إحياء فكرة "الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين" في العقد الأخير بنماذج مختلفة. وقد اجتمع هؤلاء في مبادرة "حملة الدولة الديمقراطية الواحدة" لتكثيف الجهود والعمل سويًا.
ويُجمع الحشد في هذه المبادرة على أهمية النضال الدؤوب في برنامج يوحّد قوى الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده ويقرّب بين العرب واليهود المتحررين من الصهيونية، لخوض النضال المشترك لأجل بناء المستقبل المشترك الخالي من العنصرية والاضطهاد.
تسعى المبادرة لحشد التأييد الشعبي محليًا، ولحشد دعم الشعوب العربية وتلقي الدعم من مناصري الحريّة والعدالة في العالم، حيث يقدّم البرنامج السياسي الذي تطرحه المبادرة الحل الإنساني العادل للجميع، الذي يشكّل قاعدة لتوطيد هذا الحلّ في الوعي العام، من أجل تحقيق هدف واحد، ألا وهو إقامة "الدولة الديمقراطيّة الواحدة" في فلسطين التاريخيّة كبديل عن نظام التمييز العنصري القائم حاليًا. إلّا أن المبادرة لا تتبنى أسلوبًا محددًا في حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتترك هذا الأمر مفتوحًا للنقاش، حيث تحتضن في صفوفها أصحاب التوجهات المختلفة للحل.
للانضمام الينا، ولمتابعة المستجدات حول الحملة يمكنكم زيارة صفحتنا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": https://www.facebook.com/odsc.org/
One Democratic State Campaign - ODSC
في الهلال الخصيب عرف الإنسان الكتابة، وفيه تأسس المجتمع الحضري، وفيه ورغم التباينات الإثنية والدينية والطائفية، تعايشت الشعوب لآلاف السنين، وأنتجت هذه التعدديّة ثقافات عريقة كان لها المساهمة الكبرى في تطور البشريّة بأكملها.
وكان سعي شعوب الشرق إلى الاستقلال ونيل الحرية هاجساً رافقها منذ أمد طويل، منذ مئات السنين تعاني الشعوب في هذه المنطقة الغارقة الآن بالمآسي، من احتلالات مختلفة.
وقد كان لإتفاقية سايكس بيكو المبرمة عام 1916 نتائج فتّاكة، حيث رسمت من خلالها القوى الإمبريالية حدودًا وهميّة قسّمت المنطقة إلى أشلاء، ونصّبت فيما بعد أنظمة رجعيّة تقمع إرادات الشعوب وتضمن للرأسمالية الغربية مصالحها، ووظفت حارسًا يضرب ويبطش وفقاً لمشيئتها، حيث زرعت في قلب الشرق كيانًا غريبًا غازيًا أُسمي "إسرائيل"، وسلّمت أرض الشعب الفلسطيني الأصيل لحركة الاستعمار الاستيطاني الصهيونيّة، التي تقوم بدورها باستخدام اليهود في فلسطين رأس حربة، فتدفع بهم إلى معاداة شعوب المنطقة، وتعرّضهم بذلك إلى خطر كبير.
وتقيم الصهيونية في فلسطين التاريخية نظام تمييز عنصري من أشرس ما شهدته البشريّة، وتضيّق على الأصلانيّين وتنكّل بهم، استمرارًا لسياسة التطهير العرقي التي تنتهجها حركة الاستعمار الاستيطاني منذ أن بدأت غزوها فلسطين مطلع القرن العشرين.
وأفرزت البنية العنصرية للمنظومة التي تسيطر على فلسطين التاريخية قضايا اجتماعية وطبقية متداخلة بالقضايا القومية.
ويزيد الأمور تعقيداً كون "إسرائيل" دولة دينية، تشرعن تفوّق دين واحد على غيره من الديانات من ناحية، وتضمن سيطرة النظام الديني على المدني من ناحية أخرى.
وبالمقابل ثابر الشعب الفلسطيني، ومازال، من أجل عودة لاجئيه الذين طردتهم الحركة الصهيونية من ديارهم، ومن أجل نيل حريّته، حتّى أصبحت فلسطين رمزًا عالميًا للنضال من أجل الحرية والعدل!
ومن أجل حلّ القضية، فقد طرحت الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة خيار "الدولة الديمقراطية في فلسطين" في سياق تطورات تاريخيّة عالميّة وعربيّة بصيغ مختلفة، وفي فترات زمنيّة متفاوتة، كخيار عادل وأكثر إنصافًا عن غيره من بين الخيارات المطروحة.
فقد طُرحت لأول مرة فكرة حق تقرير المصير وإقامة كيان سياسي ديمقراطي في فلسطين في "المؤتمر الوطني الثالث" الذي عقد في حيفا عام 1920، بعد موجة احتجاجات وأعمال عنف بسبب قرار فصل فلسطين عن سوريّة. بعد ذلك قامت عصبة التحرّر بطرح حل "الدولة الديمقراطية الواحدة" تضمّ العرب واليهود عام 1943، وعلى ضوء هذه الخلفية التاريخيّة لهذا الطرح الإنساني والتقدمي، جاء برنامج منظمة التحرير الفلسطينيّة لعام 1968 لكي يحافظ على هذا الإرث.
وقد نصّ البيان الختامي للدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في دمشق عام 1969 على حل "الدولة الديموقراطية العلمانية".
قبل أن تنحرف بوصلة النضال الفلسطيني لتتبنى "برنامج النقاط العشر" عام 1974، لتنزلق القيادة الفلسطينيّة إلى المفاوضات مع "إسرائيل" وتقع في خطيئة توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، الذي عوّلت عليه القيادة الفلسطينيّة للانتقال الى مرحلة تأسيس "الدولة الفلسطينيّة المستقلّة" في الأراضي المحتلة عام 1967، ولكنّه انتهى بفعل طبيعة "إسرائيل" الكولونياليّة، فكان حصارها الوحشيّ لقطاع غزّة وتمزيق الضفة الغربيّة إلى كانتونات معزولة، وتنفيذ سياسات الاستيطان والتهويد والمصادرة في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس وداخل الخطّ الأخضر، كما نتج عن تلك الاتفاقية المشؤومة تنازل منظمة التحرير عن قضيّة اللاجئين وتخليها عن فلسطينيي الداخل المحتل.
لقد بات واضحًا بعد ذلك كله موت حلّ الدولتين، وهو في الأساس حلّ غير منصفٍ، ولم يكن قابلًا للتطبيق في أي مرحلة من المراحل. وبالنتيجة، غدا الشعب الفلسطينيّ كلّه، الذي يعيش في فلسطين التاريخيّة رازحًا تحت نير نظام قهر واحد، ومازال اللاجئون الفلسطينيوين مشردين في بقاع الأرض بعيدين عن ديارهم، وبات اليهود في فلسطين أداة بيد الصهيونية والامبريالية.
في ظلّ هذه الظروف القاسية، يتأكّد أنّ الطريق الوحيد لتحقيق العدالة والسلام الدائم، وبناء مجتمع ديموقراطي حرّ، متنوع ومتعدد الثقافات، يحفظ حق مُختلف الفئات والمجموعات، ويوفر لها الفرصة والظروف الأمثل لتعيش نمط الحياة الذي تختاره، هو تفكيك نظام الأبارتهايد الكولونيالي في فلسطين التاريخيّة، وإقامة نظام سياسيّ يستمدّ مبادئه من الأخلاق الكونية ويؤسس لتحقيق العدل والمساواة بعد التطبيق الكامل لحقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، ووضع آلية لتصحيح الغبن التاريخي من خلال إعادة توزيع الموارد وسدّ الفجوات الطبقيّة، ومن ثمّ الاندماج في المنطقة والتآخي مع شعوبها في تطلعاتها نحو الحرية والعدالة الاجتماعية.
وعلى خلفيّة ما تقدّم، وتمسّكًا بالقيم الأخلاقيّة والحق بحياة حرة وكريمة لجميع الناس على حد سواء، ومن أجل إنهاء جميع أشكال القهر والاضطهاد والعنصريّة والكراهيّة والاستغلال التي تدمّر الحياة، بادر العديد من الأفراد والمجموعات، عربًا ويهودًا، متديّنين وعلمانيين، إلى إحياء فكرة "الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين" في العقد الأخير بنماذج مختلفة. وقد اجتمع هؤلاء في مبادرة "حملة الدولة الديمقراطية الواحدة" لتكثيف الجهود والعمل سويًا.
ويُجمع الحشد في هذه المبادرة على أهمية النضال الدؤوب في برنامج يوحّد قوى الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده ويقرّب بين العرب واليهود المتحررين من الصهيونية، لخوض النضال المشترك لأجل بناء المستقبل المشترك الخالي من العنصرية والاضطهاد.
تسعى المبادرة لحشد التأييد الشعبي محليًا، ولحشد دعم الشعوب العربية وتلقي الدعم من مناصري الحريّة والعدالة في العالم، حيث يقدّم البرنامج السياسي الذي تطرحه المبادرة الحل الإنساني العادل للجميع، الذي يشكّل قاعدة لتوطيد هذا الحلّ في الوعي العام، من أجل تحقيق هدف واحد، ألا وهو إقامة "الدولة الديمقراطيّة الواحدة" في فلسطين التاريخيّة كبديل عن نظام التمييز العنصري القائم حاليًا. إلّا أن المبادرة لا تتبنى أسلوبًا محددًا في حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتترك هذا الأمر مفتوحًا للنقاش، حيث تحتضن في صفوفها أصحاب التوجهات المختلفة للحل.
للانضمام الينا، ولمتابعة المستجدات حول الحملة يمكنكم زيارة صفحتنا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": https://www.facebook.com/odsc.org/
One Democratic State Campaign - ODSC
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين