مقال : خليل محمود صمادي
لعل أهم ما يميز مخيم اليرموك عن غيره من المخيمات الفلسطينية في سورية بل جميع مناطق المخيمات الفلسطينية كافة إن كان في لبنان أو الأردن أو الضفة أو غزة هو كبره واتساعه من حيت المساحة والسكان فعلى 2 كم مربع من الأرض كان هناك حوالي ربع مليون فلسطيني يتقاسمون حياتهم مع ربع مليون آخرين أو أكثر من السوريين وغيرهم .
تأسس مخيم اليرموك في نهاية عام 1954 في عدد من البيوت الصغيرة التي وزعتها مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين والتي كانت تعرف بـ " النمرة" وهي عبارة عن أربعين متراً أو نمرة ونصف أو نمرتين للعائلة الكبيرة .
لم يكن هم اللاجئ الفلسطيني في بداية اللجوء إلا مقومات الحياة في أدنى مستوياتها، من مسكن ومأكل ومشرب وملبس، ظناً منه أن العودة قريبة، ولكن بعد أن طال انتظار هذا اللاجئ كيَّف حياته مع الواقع الجديد فاهتم بالعلم والثقافة والفنون والإبداع وفي هذه العجالة سنتطرق إلى الحالة الثقافية في المخيم من بدايته وحتى محنته .
البداية من المساجد :
أول مسجد بدأ بناؤه في مخيم اليرموك هو مسجد عبد القادر الحسيني عام 1956 وبعد الانتهاء من بنائه شرع القائمون عليه بإنشاء مكتبة متواضعة تحتوي على المصاحف وكتب الأحاديث والفقه المتعددة وتكرر بعد خمس سنوات بناء مسجد ثان وهو مسجد الرجولة وثالث ورابع حتى وصلت لأكثر من عشرة مساجد ولم يخل أي مسجد منها من مكتبة ما بين صغيرة ومتوسطة ، ومن الجدير ذكره أنَّ الهيئة العربية العليا لفلسطين أهدت كل مسجد في مخيمات اللجوء خزانة خشبية حفر في أعلاها على لوحة جميلة من خشب الزان عبارة " هدية من الهيئة العربية العليا لفلسطين " ورفدتها ببعض الكتب المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبنشرتها الدورية المسماة " فلسطين " التي كانت تصدر كل شهر وتوزع على مساجد المخيمات وعلى مثقفي أهل فلسطين .
لا شك أن هذه النشرات ساهمت في توعية الشباب الفلسطيني حيث أنها كانت تعالج كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من نشاطات الحاج أمين الحسيني ومكاتبه المنتشرة في عدد من العواصم العربية والعالمية ومن مواضيعها : كي لا ننسى ، أخبار فلسطين ، مجازر اليهود ، شهداء فلسطين ....إلخ وبالإضافة إلى مكتبات المساجد كانت تعقد حلقات علم في أغلب المساجد يحاضر غيها بعض الشيوخ القادمين من وسط العاصمة أو من حي الميدان القريب ومن الدعاة تركوا بصمات في مخيم اليرموك : الشيخ رجب ديب، والشيخ صادق حبنكة ،وشوكت جبالي، وخالد الجباوي، وزياد الجزائري ، وغيرهم ، وأما الداعية منيرة القبيسي فقد حضرت في أوائل الستينات لجامع الرجولة ثم أنتدبت إحدى طالباتها " فاطمة الخباز" بإعطاء الدروس الدينية ، ما يعكس تأثر المخيم بالبيئة المحيطة والجو الثقافي السائد في دمشق، سواء لاقت هذه المبادرات قبولاً أم لم تلاقي من قبل مجتمع اللاجئين في المخيم .
مكتبات مدارس الأونروا :
رافق قيام (الأونروا) ببناء عدة مدارس ابتدائية ومتوسطة في بداية ستينات القرن الماضي رفد هذه المدارس ببعض الكتب لتزويد المدرسين والطلاب بمراجع بسيطة ولا سيما الكتب المتعلقة بالقضية الفلسطينية كما ساهمت هذه المدارس في تعريف طلابها بالقضية الفلسطينية وإقامة المسابقات الثقافية والدورات والندوات والرسومات التي كانت تملأ الجدران؛ والتي كان جلها خارطة فلسطين والأقصى والقدس وعبارات العودة ، وأما الأناشيد الصباحية فكانت للشاعر هارون هاشم الرشيد " عائدون عائدون؛ إننا لعائدون ، ولم تكتف الأونروا بذلك فقد كانت تجلب في كل موسم صيفي عددا من الأفلام المصرية وتعرضها بالمجان في النادي العربي الفلسطيني على شاشة في الفضاء الواسع بين مئات من المشاهدين الذين افترشوا الأرض .
المنتديات الثقافية الخاصة :
بدأت الندوات الثقافية الخاصة منذ بداية المخيم بمجموعة من المثقفين الفلسطينيين ومن معلمي الأونروا والحكومة ؛ ولم تكن هناك مقاه خاصة بالمثقفين ككثير من البلاد ، بل فتحت بيوت كثيرة أو كانت تعقد تحت أشجار الزيتون في المناطق المحاذية للمخيم ، ومن الجدير ذكره أنه بعد استقرار الشيخ ناصر الدين الألباني في مخيم اليرموك منذ ستينيات القرن الماضي غدا بيته مركزا للدعوة السلفية لمريديه من المخيم وخارجه إذ كان يعقد كل ثلاثاء درساً على سطح بيته ويحضره العشرات من الرجال والنساء وبقي على ذلك حتى منتصف السبعينات إذ انتقل الشيخ لحي المهاجرين وانتقل معه درسه الأسبوعي ، وكان الشيخ يملك مكتبة ضخمة وكان يمنع الإعارة حتى لا تضيع كتبه ، بيد أنه كان يسمح لكل من أراد أن يقرأ أو يبحث في صالة المكتبة مع حق الضيافة ، وقد تطورت هذه المنتديات مع تطور المخيم بعد عام 1974 وبرزت أسماء كثيرة ممن فتحوا بيوتهم للشعراء والأدباء والفلاسفة منهم ندوة يوسف اليوسف و «منتدى الشاعرة ابتسام الصمادي» مؤسسة مدارس السمو والنائب في مجلس الشعب السوري سابقاً في شارع شعب المتفرع من شارع اليرموك .
المكتبات المنزلية الخاصة :
بعد أن استقر اللاجئون في المخيم بدؤوا يميلون إلى اقتناء الكتب والمجلات وبرزت ظاهرة المكتبات الخاصة ولا سيما لدى المهتمين بالشأن الديني والشأن السياسي وبرزت أسماء لامعة في اقتنائها للكتب فمن الذين حووا على مكتبات كبيرة المشايخ : علي خشان وعبد الوهاب مصطفى ورجا الكوسى ومحمود الصمادي وإسماعيل الكيلاني و موسى اللكود ومحمد الطيب الإبراهيم وعلي صبحية وأما من النقاد والساسة والأدباء فاشتهرت مكتبة يوسف اليوسف وداوود يعقوب وعلي بدوان ونبيل أبو عمشة وعماد الدين رحمة وماهر الطاهر وفؤاد عودة وإبراهيم عبد الله وأحمد موسى ومحمود موعد وحمد موعد وفوزي حميد و فيصل دراج وعبد الكريم الحشاش وعلي حمد وعلي حسين عمر والمؤرخ أحمد خليل العقاد ، وسميح جبر وحسن الباش وأوس يعقوب، ومحمد العايدي وغيرهم.
المراكز والمؤسسات الثقافية العامة :
مفهوم المؤسسات والمراكز الثقافية العامة بشكلها الحالي لم تنشأ إلا بعد بروز الفصائل الفلسطينية إذ حرصت أغلب الفصائل على إنشاء مكتبات داخل تجمعاتها لترفد الفلسطيني بمعلومات عن قضيته وتساهم في تكوين ثقافته، ولعل أول من بدأ بذلك هي حركة فتح، إذ بدأت في إقامة دورات تعليمية مجانية لطلاب المدارس في معسكر الأشبال الذي أنشئ في عام 1970 في جنوب المخيم بالقرب من يلدا مكان المدينة الرياضية الحالية.
. كما قامت حركة فتح بعد ذلك باستئجار بيت على شارع فلسطين وافتتحت فيه مركز الشهيد ماجد أبو شرار.
وبعد «فتح» افتتحت «القيادة العامة» مركزَ عز الدين القسام في مجمع الخالصة إذ ضم مكتبة كبيرة وقاعة للمحاضرات كما ضم روضة للأطفال ومركز تدريب نسوي .
وبعدها تم افتتاح مركز الشهيدة حلوة زيدان في أول اليرموك والتابع لجيش التحرير الفلسطيني والذي يمتاز بقاعته الكبيرة والمشيدة خصيصاً لذلك والتي كانت أكثر القاعات نشاطاً في عهد مديرتها سلمى اللحام إذ استقبلت مئات المحاضرين منذ افتتاحها في أول السبعينات، كما كانت تقدم عروضاً مسرحية عديدة أبطالها مجندون من جيش التحرير الذين يؤدون الخدمة الإلزامية ، كما ساهم هذا المركز في عقد دورات تدريبية لتعليم بنات المخيم الفنون اليدوية من تطريز وخياطة وعقد دورات تعليمية لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية .
بعدها انتشرت عشرات المراكز والمؤسسات الثقافية وعلى سبيل المثال للحصر: المركز الثقافي الفلسطيني للجبهة الديمقراطية ويعد من أفضل المراكز التي عملت بمهنية عالية إذ دأب هذا المركز على الاستمرار والتنوع الثقافي فأنشأ مكتبة الجيل الجديد وقاعة للمطالعة الحرة وصالة لعرض الأفلام ودورات تعليمية بأسعار رمزية، وأما الجبهة الشعبية فافتتحت مركز الشهيد غسان كنفاني خلف شارع المدارس .
وفي الآونة الأخيرة مع وجود حركة «حماس» ظهرت عدة مراكز ثقافية تابعة لها أو قريبة منها كنادي جنين الثقافي وتجمع العودة الفلسطيني (واجب) ومؤسسة فلسطين للثقافة ومركز إبداع وبيت فلسطين للشعر ومؤسسة القدس للثقافة والتراث.
وانتشرت بضع قاعات للتجمعات الثقافية مثل قاعة خالد نزال وقاعة سمير درويش وقاعة عبد الكريم حمد ، ولا شك أن النادي العربي الفلسطيني في شارع فلسطين لعب دوراً لا بأس به في نشر الثقافة فقد عرض عدة مسرحيات وطنية هادفة منها للفنان زيناتي قدسية في سبعينات القرن الماضي وأما سينما الكرمل وسينما النجوم فبالإضافة إلى عرضهما المستمر للأفلام إلا أن قاعاتيهما الكبيرتان كانتا تستخدمان من قبل الفصائل الفلسطينية في مناسبات عديدة، كما عرضت سينما النجوم عدة مسرحيات اجتماعية محلية كمسرحية كرسي ومسمار للمخرج غازي قاسم والكاتب فضل عودة وعرضا لفرقة دمشقية يقودها الفنان سعد الدين بقدونس وذلك في سبعينات القرن الماضي ، كما برز عدة فنانين فلسطينيين من مخيم اليرموك منهم : هاني السعدي وتيسير ادريس وعبد الرحمن أبو القاسم وموفق السيد .
فرقة العاشقين :
في عام 1977 ظهرت فرقة العاشقين وامتازت بأغنيها الوطنية والثورية وشاركت في الكثير من المناسبات الوطنية وساهمت في تطور الأغنية الفلسطينية وانتشرت أشرطتها في ذلك الحين انتشارا واسعا وقد كان مقر الفرقة وتدريباتها في مخيم اليرموك ومن أشهر أغانيها : أبو إبراهيم ودع عز الدين - يا ويل ويلكم من الشعب - هدَّى البلبل عالرمان - هذا هو قدر الإنسان - يا حلالي يا مالي - من سجن عكا طلعت جنازة .... وبرزت أسماء عديدة منهم : حسين نازك وحسين المنذر ويعرب البرغوثي ومحمد الهباش وغيرهم وبقيت الفرقة على زخمها حتى عام 1993 إذ التحق بعض عناصرها بسلطة رام الله والبعض هاجر إلى أوروبا ولا سيما بعد الأحداث المؤلمة في سورية .
أكبر مركز ثقافي على مستوى دمشق :
ولعل أهم مركز ثقافي هو المركز الثقافي العربي التابع لوزارة الثقافة السورية والذي يعد أكبر مركز على مستوى مدينة دمشق إذ يتكون من مسرح يتسع لأكثر من 600 شخص وصالة للنت ومكتبة تحتوي على أكثر من 5000 عنوان وصالة للمعارض ومعهد للثقافة الشعبية ، تم افتتاحه عام 2004 في جنوب المخيم قرب المدينة الرياضية وقد أقام المركز الكثير من معارض الكتب والمحاضرات والندوات والاحتفالات والتكريمات ومن المناسبات التي أقيمت به الملتقى السنوي للشعراء والأدباء الشباب الذي أقيم لخمس سنوات ، معرض رسوم الأطفال لسبع سنوات متتالية، و حفل غنائي للمنشد عبد الفتاح عوينات ومسرحيات للفنان عوني موعد ومحاضرة للشيخ راتب النابلسي ، والمؤرخ الفلسطيني محسن صالح ، وعدة حفلات في تكريم الأوائل من طلاب الجامعة والشهادتين وحفل لتأبين المؤرخ الفلسطيني إحسان عباس وعشرات العروض لأفلام وثائقية واجتماعية مثل فلم الأطفال الكرتوني الثلاثي الأبعاد " جدار في القلب " ، ومما يؤسف له أن هذا الصرح الكبير هوى على الأرض كما تواترت الأخبار القادمة من المخيم .
دور النشر :
ومن الجدير ذكره أنه كان بالمخيم سبعة دور للنشر هي: دار الكرامة ، دار المسبار، ودار الموعد ، ودار الشجرة ، ودار القدس ، ومؤسسة فلسطين للثقافة ، وبيت فلسطين للشعر، وأما أكثر الدور نشاطا هي دار الشجرة للمرحوم غسان الشهابي فقد نشر عدداً كبيراً من العناوين التي تحمل الذاكرة الفلسطينية من قرى مهجرة أو مهدمة ، كما كان ينشر بعض مجلات المقاومة الفلسطينية كالحرية وغيرها، وأما دار القدس للعلوم للدكتور محمود الطلوزي الذي نشر عشرات العناوين المتخصصة ولا سيما الصحية منها ، وأما دار الكرامة للأستاذ فوزي حميد الذي نشر عددا من كتبه مثل : فلسطين التاريخية ، علم الأديان ، تاريخ بني إسرائيل ، احذروا الموبقات ، وأما مؤسسة فلسطين للثقافة والتي كان يرأسها الدكتور أسامة الأشقر ويديرها الأستاذ محمد أبو عزة فكان لها نصيب الأسد في النشر وقد نشرت عشرات العناوين منها : إليك أسري بي ، 1200 سؤال وجواب عن فلسطين ، ليل غزة الفسفوري ، دليل الأسير والقدس بين حريقين ، القدس في الشعر العربي الحديث ، وأما بيت فلسطين للشعر الذي افتتح عام 2011 فلم يصدر إلا ديوان الشاعر المرحوم يحيى برزق الكناري اللاجئ.
ومن الجدير ذكره أن المخيم حوى على ثلاث مطابع متوسطة هي مطبعة منصور التي كانت شرق شارع فلسطين ومطبعة شاهين في شارع اليرموك بالقرب من المؤسسة الاستهلاكية ومطبعة عمايري في شارع المدارس و أغلب نشاط هذه المطابع في بطاقات الأفراح والنعوات والدعايات التجارية والكتيبات الصغيرة .
المكتبات التجارية العامة :
لعل أول مكتبة تجارية افتتحت بشارع لوبية في منتصف ستينيات القرن الماضي قرب مفروشات طالب هي «مكتبة النهضة» لرجلين واحد من بيت سليمان من قرية عيلوط والآخر من بيت السهلي من بلد الشيخ قضاء حيفا، وبعدها بسنتين افتتحت مكتبة القناعة العامة لأحمد محمد مراد من صفد إلا أنهما كانتا متخصصتين بالقرطاسية فقط ، وأما المكتبة الثالثة فهي التي افتتحها الشيخ محمود الصمادي أواخر ستينات القرن الماضي في شارع لوبية باسم «مكتبة الطلاب الحديثة» وهي أول مكتبة اهتمت بالشأن الثقافي إذ امتلأت المكتبة بكتب التراث والأدب والقصص والروايات ومجلات الأطفال وسن صاحبها سنة حسنة وهي إعارة طلاب المدارس المراجع والمصادر لقاء قروش معدودة ، وتأجير روايات وقصص الأطفال مقابل فرنك أو فرنكين، ودأب كثير من هواة القراءة الفقراء على استعارة القصص والألغاز والروايات ولا سيما في عطلة الصيف ومن الروايات التي كانت تعجب الأطفال وقتها : المغامرون الخمسة ، وروايات الجيب ، ومجلات ميكي وسمير ولولو ودنيا الأبطال وأسامة ورافع وغيرها ، ثم انتشرت في الثمانيات عدة مكتبات اهتمت بالفكر والثقافة منها مكتبة الرشيد للسيد فتحي الرشيد من صفورية ، في شارع اليرموك موقف الملجأ، ومكتبة القدس قرب جامع فلسطين للباحث عبد الكريم الحشاش الذي أردف المكتبة الفلسطينية بمؤلفات عديدة متخصصة بالبدو في بئر السبع، ومكتبة عبد الحق مقابل ثانوية اليرموك للبنات، ومكتبة اقرأ مقابل خزان الكهرباء في شارع اليرموك والتي لم تعمّر طويلا ومكتبة الأستاذ فوزي حميد قرب جامع عبد القادر الحسيني، ومكتبة الأستاذ عصفور مقابل مدرسة صرفند ، ومكتبة المنصورة في شارع المدارس ، ومكتبة راتب الفار قرب إعدادية الفالوجة، ومكتبة الشهابي في شارع صفد التي نالت شهرة واسعة ، وعشرات غيرها في أغلب المناطق السكنية .
المعاهد التعليمية :
وأما المعاهد العلمية المتخصصة لطلاب الشهادتين فانتشرت انتشار النار بالهشيم، ولعل أول معهد افتتح في المخيم منذ أواخر ستينات القرن الماضي هو معهد القدس للمرحوم أستاذ اللغة الإنكليزية قاسم درويش من قرية الشجرة، وكان هذا المعهد يقع ما بين شارعي لوبية وجلال كعوش وبقي يعمل أكثر من خمسة عشر عاما دون منافس إذ لم تكن ظاهرة المعاهد منتشرة كثيرا ، وفي بداية الثمانيات انتشرت في سورية وكان للمخيم نصيب الأسد منها فافتتح «معهد الكوري» للأستاذ جواد الكوري في أول شارع اليرموك تلاه في العام نفسه "معهد البشير" في شارع فلسطين ، ثم تلاهما عدّة معاهد منها: "العلا، طارق بن زياد، الإباء، الخيام، المختار، القدس، فلسطين. الشهابي ، البهاء ، الشام ، المستقبل، النور " ، ولا شك أن هذه المدارس والمعاهد ومعلموها أسهموا كثيرا في تألق المشهد الثقافي ليس في المخيم وحده بل في الخارج حتى نال المخيم شهرة واسعة في مدرسيه فانتشرت أسماء كثيرة لها خبرة في التدريس؛ فصار الكثير من طلاب دمشق والغوطة يسجلون في معاهدها الخاصة للنيل من علومها، وبالإضافة للمعاهد الخاصة كان في المخيم مدرستان خاصتان مرخصتان أولهما ثانوية العودة قرب مشفى فلسطين والأخرى مدرسة السمو في منتصف شارع اليرموك ، ومن الجدير ذكره أن مخيم اليرموك يضم أكثر من أربعين مدرسة رسمية منها أربع ثانويات وأغلب هذه المدارس يتبع الأونروا ومديرية تربية مدينة دمشق ومدرسة واحدة تتبع لمديرية تربية القنيطرة ، مدرسة " شاكر قاسم " الواقعة في منتصف شارع اليرموك والتي تم افتتاحها بعد نكسة 1967 .
المصير : ومما يؤسف له أنَّ هذا المشهد الثقافي الذي استمر في عطائه حوالي ستين عاما هوى مع صرح المخيم فأكثر المدارس الخاصة والعامة هوت على الأرض ، وأكثر المعاهد صارت ركاما، والمركز الثقافي صار أثرا بعد عين ، وأما المكتبات الخاصة فقد أخرج القليل منها وأما معظمها فإما أضحى تحت الردم ، أو التهمته ألسنة النيران ، وأما المكتبات التي سلمت من الدمار والحريق فقد سلمت أيضا من أيدي اللصوص الذين زهدوا في الكتب لأنهم قوم لا يعقلون.