تقرير: نشوى حمّاد
يّعرف عيد الفطر بتميز أيامه عن سائر الأيام، بأجواء البهجة بين الأطفال والإلفة بين الكبار، يتزين الصغار فيه بلبس جديد ويعدّ الكبار الولائم والعزائم، حيث يجتمع كل الأقارب والجيران والأصدقاء على سفرة واحدة، ولكن وسط كل أجواء العيد هذه، تسمع بين تارة وأخرى، أصوات الأطفال تعلو هنا هناك، يصيح طفل ويأن آخر من وجعه، بسبب إصابته "بخزرة" استهدفه فيها طفل آخر.
إشتباكات لا يأبه لها أحد، جبهات تّفتح بين الأطفل وسط المارة، مشهد إعتاده الكبار قبل الصغار، تصبح الحارات والزاوريب ساحة مواجهة، ولكن رغم تصنيف هذه الالعاب "البنادق" ضمن عادات العيد التي يمارسها الأطفال، هي أيضاً محور جدل بين أهالي المخيّمات، لما تسببه من أذى.
فريق عمل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" دخل إلى أحد محاور الاشتباكات بـ "بنادق الخرز " بين أطفال مخيّم برج البراجنة في العاصمة اللبنانيّة بيروت، والتقى عناصراً مسلّحة" في هذه اللعبة، وهم أطفال لا يتعدى طول بعضهم المتر الواحد مُستطلعاً آراءهم فيها.
الفرحة تغطّي على الأذى.
العنصر عمر الصالح، يبلغ من العمر 7 سنوات، تراه مدججاً بلعبته ومستنفراً للقتال، كان غاضباً ويقول، "أريد بندقية أكبر من هذه، وعند سؤاله سبب أختياره لهذه اللعبة دوناً سواها، قال: "بالعيد منضل عم نقوص، ومنلعب انا ورفقاتي فيها، وبقوص عليهم بس يتزانخوا علييّ"، وبابتسامة خجولة أكّد أنّه تصاوب في العديد من المرات وأصاب رفاقه أيضاً بالخرز.
أما أخاه حمزة صالح، الذي يكبره سنا، ويبلغ 11 عاماً، قال " أحب العيد، بالعيد بروح على مراجيح وبشتري فرد الخرز لألعب مع رفقاتي فيه"، هو لا يهتم للأوجاع التي تنتج عن اللعب في تلك المعارك، فالعيد له قدسيّة خاصة تتعدى أي شعور، حتى لو كان وجعاً.
الأهالي: ضيق مساحة اللعب يدفع نحو الالعاب الخطرة
شادية غيث، إحدى سكان مخيّم برج البراجنة، وأم لأربعة أطفال، ترى أنّ هذه الألعاب هي المتنفس الوحيد للأطفال، نظراً لما يعانيه أهالي المخيّم من ضيق إقتصادي، وغياب للأمان، وتقول بنبرة تحمل بين نغماتها ألحان حزن مرّ عليه الزمن، " أخاف على أطفالي من اللعب بعيداً عن أماكن قريبة من البيت، فالمخيّم وأزقته كما تعرفين خطر، وأنا لست قادرة على أخذ أطفالي خارج المخيّم، لأن هذا سيشكل عبئ مادي علينا".
مضيفة "لا يجد الأطفال متعة وسط كل هذا الحصار المعنوي الذي يعانون منه الّا باللعب بالبنادق أو أشعال الألعاب الناريّة، وبالوقف عند الألعاب الناريّة، أنا أمنع أطفالي عن شرائها أو اللعب فيها لأنها أشد خطورة من البنادق، وممكن أن تؤدي إلى إصابات خطرة وحروق".
وأضافت غيث، لا أقدر أن أمنع أطفالي عن كل شيئ، فرحتهم بالعيد لها بهجة خاصة في قلبي، ولكني أطالب المعنيين بإيجاد مساحة لعب لأطفالنا، نستطيع إرسالهم إليها من دون قلق أن يصيبهم أي مكروه.
منذر صالح، والد حمزة وعمر، "حاراتنا ضيقة، تكثر هنا السيارات والدرجات الناريّة، ولهذا نحن نحرص على عدم إرسال أولادنا إلى أماكن بعيدة عن المنزل، خاصة أنّ أعداد كبيرة من الأطفال الصغار، يقودون الدرجات النارية وهذا يرفع نسبة حوادث الصدم، ولكن أذا تم إنشاء مساحة محمية للأطفال ليلعبوا داخلها من دون أي خطر، بالتأكيد هذا سيحميهم ويفرحهم أكثر من اللعب في الزواريب الضيقة أمام المنزل".
لا يحبّذ الأهالي أن يلعب أولادهم في تلك البنادق، ولكن هم في نفس الوقت غير قادرين على منعهم من شرائها أو الحد من انتشارها، فهي كما يقول الجميع أصبحت تقليداً متوارثاً بين الأطفال.
يجمع الطفل في المخيّم أموال العيد "العيديّة" من أهله وأقاربه، ويسارع راكضاً إلى محلات بيع الألعاب والبسطات، ليحصن نفسه من "خرزات" رفاقه ويشتري سلاحه الذي سيتوّجه جندي في ساحة المعارك.
وما أيسر شراء تلك البنادق في المخيّم، فالبسطات تنتشر على طول أزقته، لتعرض الألعاب وبنادق الخرز، بأشكال وألوان وأحجام مختلفة، تجذب عيون الأطفال وتشدهم إليها في ذهول وشغف.
جدل الباعة الأهالي
محمد سنونو، بائع ألعاب وطعام، فتح بسطة صغيرة له في وسط مخيّم برج البراجنة، تراه منهمكاً في تحضير الذرة والعصائر للأطفال، وبيع الألعاب والبنادق، وفي حديث له مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، قال "الطلب على بنادق الخرز كبير، ولد بجيب ولد".
وبرأيي سنونو إنّ بيع تلك البنادق أفضل من بيع الألعاب الناريّة، والتي بدورها تشكل خطراً كبيرأ على الأطفال وتعتبر مصدر أزعاج للكبار، منوهاً أنّ الألعاب الناريّة أدت في السابق إلى إشعال حرائق كبيرة في بعض البيوت، وأشار إلى أنّ تلك البنادق لا تأذي الأطفال، لأنها صغيرة وبسيطة، مضيفاً أنّ العدد الأكبر من الأطفال يوجه سلاحه لإصابة الزجاجات البلاستيكية، مما يولد لديهم شعور أنهم يريدون أن يحاربوا، وهذه الطريقة من اللعب تجعلهم قادرين على تفريغ طاقتهم.
وخلال هذا الحوار، قاطع اللاجئ الفلسطيني سميح غالي، البائع سنونو، معترضاً وقال :" إنّ الألعاب هذه مؤذية، والخرزة ممكن أن تصيب أعين الأطفال، وحتى لو كانت أسلحة بسيطة، فالأطفال لا يدركون مخاطرها، ممكن على سبيل المثال ان يضع أحد الأطفال البندقية على عين صديقه عن قرب ويأذيه"، ورغم عدم ترحيبي بهذه اللعبة، الا أنّ أبني الصغير اشترى بندقية، ولم أستطع منعه، لأن كل رفاقه أشتروا من هذه البنادق، ولا أريد أن أحزنه في العيد.
هي حالة بسيطة بأجواء أصبحت عادة مورثة بين الأطفال، الّا أنّك تقف أمامها عائم بين الإبتسامة لفرحة الأولاد وقلق على تاثيرها السلبي عليهم جسدياً ونفسياً، فتلك الألعاب تعزز في نفوس الأطفال مفهوم القتال والإنتقام، مشاعر تولد لديه طاقة عنف كبيرة، ولكنك تعود لتقف حائراً وتقول" كُتب على أولئك الأطفال القتال لتحرير وطنهم، فهم أجيال يجب أن تّجهز لاسترداد بلدهم المحتل، فلماذا لا نستثمر تلك الطاقات عبر تدريبات ذهنية وجسدية لهم، تنمي لديهم حب الوطن وتوجه مفهوم القتال نحو المقاومة ضد الاحتلال.. يتسائل الأهالي؟!