سوريا
مقال: علي بدوان


بالفعل بدأت الخطوات الأولية لإعادة الحياة الى مخيم اليرموك، خطوات صعبة وقاسية نظراً لحالة الدمار الكبيرة، لذلك يُقدّر لها أن تستمر لوقتٍ ليس بالقصير، وأن تعترضها عقبات جمة، في ظل الواقع الراهن لليرموك بعد حالة الدمار الكارثية التي حلتّ به، وبعد الاستباحة الكلية التي تمت لمنازله وأبنيته وعموم المؤسسات التي كانت تعمل به قبل محنته.

نحن هنا لن نُقدم صورة وردية، ولن نقدم تفاؤلاً كبيراً فوق الواقع القائم، لكننا نرى أن قوة الحياة، وقوة الدفع التي تفرضها الأشياء، تبقى نقطة الإنطلاق، حيث سعي الناس للعودة الى بيوتهم ومنازلهم وأملاكهم ومصالحهم الحياتية والتخلص من حالة التهجير الأليمة. 

إنَّ الأمر الهام في هذا المقام، أنَّ القلق العام الذي ساور الناس بشأن الوضع المستقبلي لمخيم اليرموك، والحديث السابق عن خريطة تنظيمية جديدة، قد تبدَّدَ الآن تماماً، وبات أبناء مخيم اليرموك يشحذون همتهم للعودة إلى اليرموك، مع الانطلاقة الجديّة والمنتظرة لحركة إعادة احياء الحياة الطبيعية في المخيم، والخلاص من محنة التهجير التي طالت كل أبناء اليرموك.

الخطوات الأولية التي بدأت الآن بمخيم اليرموك، هي خطوات محض شعبية بالدرجة الأولى، على أن تتلوها قريباً جداً الخطوات الرسمية من قبل محافظة دمشق والجهات المعنية بالدولة السورية، وذلك وفق ما أعلنت عنه لجنة المتابعة الفلسطينية العليا، والأستاذ علي مصطفى المدير العام للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا. 

الخطوات الشعبية بدأت من الأهالي قبل غيرهم، ومن بعض المؤسسات المجتمعية المُشكلة من أفراد أو مجموعات صغيرة، وبإمكانياتها المحدودة، والتي حصلت على موافقات أولية (نعم : موافقات أولية) من الجهات الرسمية، للبدء بعملية تجريف وسحب الركام، وإصلاح ماهو مُمكن، وحيث أمكن، وتهيئة الوضع لعودة من يُمكنه العودة من أهالي مخيم اليرموك، وبالفعل فقد تم خلال الأيام الأخيرة التي تلت عيد الفطر السعيد، إنجاز بعضٍ من تلك الخطوات، كان من همها التالي :

أولاً : إعادة الحياة لمسجد الشهيد عبد القادر الحسيني الواقع في منتصف مخيم اليرموك، وهو من أكبر مساجد مخيم اليرموك بعد تنظيف طابقه السفلي، حيث تم إحياء صلاة يوم الجمعة الأخيرة، بحضور عددٍ جيد من أبناء المخيم. وسيتم إحياء الصلاة فيه من الآن وصاعداً، وبالطبع فإن لهذا الأمر أهمية كبيرة تكمُنُ في السعي لإحياء كل مؤسسات اليرموك، وتحشيد الناس للعودة، ومنح الحالة العامة زخماً متزايداً، ومريحاً، ومطمئناً. 

ثانياً : العودة المُتتالية للعديد من العائلات التي مازالت منازلها قائمة، خاصة في منطقة شارعي الجاعونة، والصرفند، وجزء من شارع حيفا، وبعض المناطق المُتفرقة في وسط مربعات مخيم اليرموك، حيث تم تنظيف تلك الحارات، وبات الناس يقيمون في منازلهم، ويتدبرون أمورهم من حيث تأمين المياه النقية الصالحة للشرب والاستخدام الحياتي من الآبار الموجودة في بعض تلك المنازل، عدا عن قيام بعض الجهات الفلسطينية بتأمين صهريج لنقل المياه للمناطق المختلفة من مخيم اليرموك، منها صهريج للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، وصهريج لبلدية اليرموك. 

ثالثاً : استمرار حركة الناس اليومية في الدخول والخروج إلى المخيم، بل وبقاء الكثيرين منهم داخل حاراته وأزقته لساعاتٍ طويلة يومياً، وإحياء الجلسات المعتادة على أمل الفرج النهائي.

رابعاً : بروز حالة من التضامن الشعبي المُتزايدة، حيث بات كل لاجئ من أبناء اليرموك باستطاعته الحصول على منزلٍ مؤقت من جيرانه أو اقاربه ممن غادر البلد، وذلك بتوكيل بسيط يُمكنه من الإقامة في المنزل وبالتالي الخلاص من التهجير ومن التكلفة المادية التي ارهقت جيوب الناس في استئجار المنازل في مناطق دمشق المختلفة. ويتوقع لحالة التضامن والتآخي هذه أن تؤمّن لجميع الناس ممن تدمّرت منازلهم منازل ودور بديلة للإقامة. 

خامساً : الحركة المستمرة لعودة عناصر ومقرات الفصائل الفلسطينية إلى مخيم اليرموك، ومع أنها مازالت بطيئة ولم تصل إلى السرعة المطلوبة، لكنها مُشجعة، ويجب أن تستمر وأن يرتفع منسوبها، حتى تصبح كل المقرات الرئيسية، ومراكز العمل والمؤسسات، التابعة لعموم الفصائل والقوى الفلسطينية داخل مخيم اليرموك بدلاً من تمركزها داخل مدينة دمشق أو في مخيم جرمانا.

سادساً : استمرار الاتصالات اليومية بين لجنة المتابعة الفلسطينية العليا والجهات الرسمية السورية المعنية في سياق السعي لإعادة ترميم واقع مخيم اليرموك، وفق المعلومات التي أبلغنا إياها بعض أعضاء لجنة المتابعة الفلسطينية العليا.

سابعاً : إعلان بعض المتمولين الفلسطينيين المعروفين، وبعض أصحاب الشركات، والمتعهدين، ممن يمتلكون الآليات الثقيلة اللازمة (جرافات + بلدوزرات + تركسات + سيارة نقل للركام والحصى والأتربة)، عن تطوعهم للقيام مجاناً بتنظيف وترحيل كل الركام من شوارع وأزقة مخيم اليرموك، حيث تبقى مشكلة الركام هي المشكلة الكبرى الآن. وتُشير المعلومات المتوفرة أن انطلاق عمل هؤلاء المتمولين والمتعهدين وأصحاب الشركات، ينتظر إشارة البدء من الجهات المعنية، لإدخال الآليات الثقيلة لليرموك. 

في الاستخلاصات الأخيرة، نستطيع القول بأن عودة الحياة العامة الى مخيم اليرموك، آتية، ولابد منها مهما طال الوقت، وقد بدأت في خطواتها الأولية، وكل تقدم ملموس وجيد، يحتاج لجهد متواصل من قبل الفصائل الفلسطينية ولجنة المتابعة الفلسطينية العليا والمعنية بالتواصل مع الجهات الرسمية السورية، حيث يبقى التفاؤل سيد الموقف في هذا الشأن، في ظل إرادة قوية عند عموم الناس للعودة إلى اليرموك وافتراش الأرض بدلاً من البقاء على حالة التهجير السائدة منذ أواخر العام 2012. 

أخيراً، على كل الفصائل الفلسطينية دون استثناء، أن تُبادر للتخلص من حالة التراخي، أو حالة الانتظار التي تُسيطر على بعضٍ منها، فأيِ تقاعسٍ في دورها سيقابل بموقف جماهيري لن يرحمها ولن يغفر لها، ولو بعد حين. حيث أن اليرموك الذي أعطى حركة المقاومة الفلسطينية شبابه وأبناءه، وشكَّلَ الخزان البشري للمقاومة الفدائية، ينتظر دور تلك الفصائل.  
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد