زينب زيّون _ مخيّم عين الحلوة
نفور الطالب من المدرسة وعدم الشعور بانتمائه لها، تَعرّض الطالب للعقاب المعنوي والبدني من قِبل المُعلّمين، غياب تشجيع الأهل لابنهم على الدراسة ومساعدته على تخطي مشاكل التعليم، الوضع الاقتصادي الصعب للعائلة، كُلّها أسباب تُؤدّي في نتاجها إلى انتشار ظاهرة خطيرة هي: التسرّب المدرسي والتي تعاني منها المخيمات الفلسطينية في لبنان لعدة أسباب على رأسها غياب الحافز للتعلم نتيجة معرفة مسبقة من قبل الطلاب بأنهم لن يجدوا بعد إتمام تعليمهم عملاً لائقاً، نظراً لقانون منع الفلسطيني من ممارسة أكثر من 73 مهنة.
في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، على حدّ المثال، كثير من الأطفال الفلسطينيين تركوا مقاعد الدراسة، لأسباب متفاوتة، دون الاكتراث إلى العواقب التي ستعترض حياتهم وتُعيق تقدّمهم في مختلف المجالات.
فريق عمل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" جال في مخيّم عين الحلوة، راصداً حالات أطفال اضطروا إلى ترك مقاعد الدراسة للعمل وإعالة أسرهم، محاولاً تسليط الضوء على النتائج السلبية لهذه الظاهرة.
الطفل الفلسطيني محمد بلال ناصر (16 عاماً)، ترك المدرسة بعدما أنهى صف السابع أساسي، وذلك بعد إصابة والده بمرض أدّى إلى وفاته. يسكن محمد في منطقة الطوارئ المُحاذية للمخيم، وهو يعمل حالياً في فرن لبيع المناقيش.
يعيش محمد مع عائلته المؤلفة من ثمانية أشخاص، وكان والده يعمل بالطوبار. يروي محمد لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّه يسمع شباب المخيّم الذين تابعوا تحصيلهم العلمي وحازوا على الشهادات الجامعية، يقولون إنّهم لا يجدون عملاً لأن الفلسطيني في لبنان ممنوع من مزاولة معظم المهن، سبب جعل محمد يترك المدرسة لاجئاً للعمل في فرن ومساندة عائلته مادياً.
وعند سؤاله عن رأيه بخصوص موضوع أزمة "الأونروا" المالية، والتي كان سينتج عنها إقفال مدارس الوكالة، خصوصاً بعد صدور القرار الأميركي بقطع الدعم المالي بشكل كامل عن الوكالة، قال محمد "أنا تركتُ المدرسة بمحض إرادتي، لكن العديد من أصدقائي كانوا مُتخوّفين من هكذا قرار"، متابعاً: "عندما كُنت أسأل أصدقائي عن سبب تخوّفهم هذا، كنتُ أحصل على إجابة أنّ أوضاع أهاليهم الاقتصادية صعبة، فهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف تسجيلهم في مدارس خارج المخيّم، حتى ولو كانت المدارس رسمية".
"عمالة الأطفال هي الأعمال التي تضع أعباءً ثقيلة على الأطفال وتُهدّد صحتهم وسلامتهم ورفاهيهم..."، بهذه العبارة عرّفت اتفاقية حقوق الطفل، في مادتها (32-1)، عمالة الأطفال مشيرة إلى الآثار السلبية التي تؤثّر على الطفل، وتدمّر مستقبله.
أما حال الطفل ضياء سليمان (12 عاماً)، يختلف عن حال محمد. يسكن ضياء مع عائلته المؤلفة من أب وأم وأربعة أولاد، في منطقة المنشية بالمخيم.
ترك ضياء المدرسة في بداية هذا العام، فهو لا يرغب بمتابعة دراسته، اعتقاداً منه أنّ المنهاج صعب وهو لا يستطيع تقبّله واستيعابه، كالعديد من طلاب مدارس الأونروا الذين يُعانون من ضعف القابلية تجاه التعليم.
يرغب ضياء بتعلّم مهنة "الألمنيوم"، ويكتسب الخبرة التي تُمكّنه فيما بعد من فتح مصلحة خاصة به داخل المخيّم، مصلحة تؤمّن له لقمة عيش، على حدّ وصفه.
صعاب العيش في مخيّمات لبنان، حرمت العديد من الأطفال من متابعة دراستهم، فالفقر دفع بالكثير من أطفال المخيمات إلى سوق العمل، يستيقظون باكراً، ينزلون سوق الخضار في مخيم عين الحلوة، يقفون على بسطات لبيع الفواكه والخضار وما شابه.
يخرج الطفل سامر عوض (11 عاماً)، ليتحدى صعاب الحياة، ويساعد والده في تأمين "مصروف العائلة"، يقفُ خلف بسطته، وسط سوق الخضار، ليبيع بعض السلع الاستهلاكية.
يقول البائع الصغير: "إنّ الوضع المعيشي المتردي أجبره، كسواه من الأطفال، على ترك المدرسة." يصمت لبضع دقائق، وعيناه مُصوّبتان نحو الشارع الفوقاني للمخيّم، يتذكُر سامر الاشتباكات الأخيرة التي دارت في حي الطيرة، قائلاً: "عند كل اشتباك كنّا نترك المدرسة ونعود إلى المنزل، ففي السنة الماضية، كنّا نجلس داخل الصفوف لكن دون تركيز على شرح المعلمة، لأن تفكيرنا كان بما سيحدث خارج المدرسة، نُفكّر بالاشتباكات التي ستحصل فجأة وبالطريقة التي سيتم إخراجنا عبرها من الصفوف".
"المدرسة لم تعد جميلة"، جملة كررها سامر، مشيراً إلى أنّ العديد من الطلاب يخافون الذهاب إلى المدرسة، تخوّفاً من حصول أي طارئ، فالمشاكل كثيرة داخل المخيم، بحسب ما وصف البائع الصغير.
برنامج "الترفيع الآلي" المُعتمد في مدارس الأونروا، سبب من أسباب التسرّب المدرسي
فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" التقى أحد أعضاء لجان الأهل في مدرسة بيسان الثانوية عبد الكريم الأحمد، الذي أوضح أنّ "أسباباً كثيرةً تدفع بالطلاب الفلسطينيين لترك المدرسة بحثاً عن عمل"، متابعاً: "الأوضاع الاقتصادية، البطالة، قلّة العمل وغلاء المعيشة، كُلها أسباب تدفع بالأهالي لوضع أولادهم في مدارس الأونروا"، مشيراً إلى أنّ "الوكالة تعتمد في مدارسها برنامج الترفيع الآلي، في الصفوف الأولى، دون الاكتراث إلى مستوى الطالب".
ويرى الأحمد أنّ "هذا البرنامج يشوبه الكثير من الأخطاء، لأنّ الطالب سيترفّع إلى صف أعلى، وسيرسب فيه، وبعد أن يرسب مرّة أو مرّتين، سيجد أنّ تفاوتاً أضحى بين عمره وعمر الطلاب الموجودين معه في الصف، فيُقرر ترك المدرسة".
وأشار الأحمد إلى أنّ مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأهالي، حيث يتطلّب منهم متابعة أولادهم، وتعزيز التواصل مع إدارة المدرسة، مطالباً إدارات المدارس بالانتباه إلى طريقة تعامل الأساتذة مع الطلاب، ذاكراً أنّه "في السنة الماضية، اشتكى عدد من طلاب مدارس الأونروا، من أسلوب بعض الأساتذة الذين يتعاملون معهم بعنف، مستخدمين ألفاظاً غير لائقة داخل الصف"، موضحاً أنّ ذلك يؤدي إلى نفور الطالب من المدرسة.
وتابع الأحمد أنّ "الأونروا سبق وأصدرت قانوناُ يقضي بالابتعاد عن أسلوب تعنيف الطالب، مهما كان حجم الخطأ الذي ارتكبه، وقسم كبير من المعلمين اتجهوا نحو آلية التوجيه أو العقاب، إلا أنّ قسماً قليلاً لم يرضخ لهذا القانون".
وختم الأحمد حديثه، قائلاً: "العملية التربوية والثقافية جزء أساسي لمواجهة العدو الصهيوني، وبالتالي يجب أن نعمل جاهدين على تعزيز العملية التربوية والثقافة والتعليمية، لنستطيع بناء جيل يعرف ماذا يُريد في المستقبل وكيف يُحرر أرضه".
وفي تقرير سبق أن أعدّه فريق موقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، بعنوان "عمالة الأطفال في المخيّمات: واقع مرير دون معالجة"، أشارت مديرة مركز الولاء للطفولة في مخيّم شاتيلا صفاء عثمان إلى أنّ "سوق العمل يسرق أحلام الأطفال في المخيّمات"، مؤكّدة أنّ "حرمان الأطفال من الحصول على التعليم، أولى الآثار السلبية التي تهدد مستقبلهم، ناهيك عن ظروف العمل الصعبة التي لا تتناسب مع الحالة النفسية، والجسدية، والعقلية للطفل، بالإضافة إلى حرمانهم من التمتع بطفولتهم كسواهم من الأطفال".
وأوضحت عثمان أنّ "إصابات خطيرة قد تُصيب الطفل خلال عمله، خصوصاً الأطفال الذين يعملون في محلات الحدادة أو النجارة"، مسلّطة الضوء على "الأوضاع المعيشية الصعبة التي رافقت حياة الفلسطيني في مخيّمات لبنان، والتي دفعت بالأهالي للجوء إلى توفير عمل لأطفالهم، بغية التغلب على صعاب الحياة".