مخيّم الصمود.. اللجوء والتهجير لم يقتصر على النكبة

الخميس 21 سبتمبر 2017
من مخيم الصمود
من مخيم الصمود

فلسطين المحتلة - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

تقرير: صابرينا جودة

بعد تهجير الاحتلال غالبية السكان الفلسطينيين الأصليين من القدس المُحتلة على مدار سنوات منذ احتلال المدينة المُقدّسة وحتى يومنا هذا، سعت سلطات الاحتلال إلى تذويب هويّة المُتبقّين منهم، فلجأت إلى فصلهم عن الضفة الغربيّة وأصبحوا جزء من سكان ما يُسمّى "دولة إسرائيل"، وعلى الرغم من ذلك التصنيف إلّا أنّه لم يمنع حكومات الاحتلال المُتعاقبة من التعامل معهم كـ "أقليّة عربيّة" وحرمانهم من حقوق المُواطنة. فكان على كل فلسطيني أن يقوم بتسجيل مهنته أو مكان سكنه أو ما يملكه في القدس بموجب قوانين الاحتلال، الأمر الذي يخدم فكرة تهويد الهوية الفلسطينية من خلال إعادة تشكيل الهوية الخاصة بجميع أشكال الأنشطة في حياة فلسطينيي القدس، مروراً بأسرلة المناهج التعليمية ومُحاربة أي محاولات فلسطينية للحفاظ على الوعي والوجود الفلسطيني في المدينة المُحتلة.

وفقاً للمسح السكاني الذي أجراه مركز الإحصاء التابع للاحتلال في القدس عام 1967، كان هناك (66) ألف فلسطيني يعيشون في المدينة المحتلة، واستمراراً لسياسة تفريغ المدينة من أهلها، قامت سلطات الاحتلال بإلغاء حقّهم في الإقامة بالقدس المحتلة، مُتذرّعةً بالقوانين التي سُنّت على مدار سنوات لخدمة الأهداف الصهيونية الاستيطانية، ومن أبرز تلك القوانين كان قانون "الدخول لإسرائيل" الذي منع الفلسطينيين من خارج القدس من دخولها، وكان أهل القدس آنذاك لا يختلف وضعهم عن الفلسطينيين بالضفة المحتلة.

كما أعطى القانون الحق لبلديّة الاحتلال أن تسحب إقامات المقدسيين الذين لا يقطنون داخل حدود القدس، وذلك حسب التعديل على القانون عام 1986، واتخذت سلطات الاحتلال من قانون "الدخول لإسرائيل" ذريعة قويّة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في القدس المحتلة، وحرمان المقدسيين الذين لم يتمكّنوا من مُجاراة التكاليف الباهظة للسكن في المدينة، أو الحصول على تراخيص بناء، إن كان لمنازلهم القائمة بالفعل أو المنازل المنوي بناءها، علماً بأنّ القانون ذاته يُعطي الحق لكل يهودي من أي بلد يحمل أي جنسيّة أن يدخل الأراضي المُحتلة ويتملّك فيها.

في العام 1997 بدأت حكومة "حزب العمل" الصهيونية بتبنّي الكثير من الإجراءات التعسفيّة الجديدة ضد أهل القدس المحتلة، من بينها تبنّي نظام يُقيّد منح تراخيص البناء وحصرها في التقدّم بطلبات رخص فرديّة للبناء وإخضاعها لسلّم بيروقراطي وظيفي مُشدد، فتمضي سنوات قبل أن تصل الإجراءات إلى مراحلها الأخيرة دون أن يحصل الفلسطيني المُتقدّم للترخيص على أي ضمان، بهدف تحجيم وتقليص عدد الفلسطينيين في القدس المحتلة وإفراغ المدينة من أهلها وإحلال المستوطنين بدلاً منهم.

خلال عام 1997 أصدرت محاكم الاحتلال قراراً يقضي بسحب إقامات (102) من العائلات الفلسطينية المقدسيّة وإخلاء مساكنهم وطردهم خارج القدس، وتذرّعت في ذلك الوقت بعدّة أسباب، أنّ بعض هذه العائلات تسكن في بنايات غير مُرخصة، أو أنّهم لم يقوموا بتسجيل أنشطتهم ومهنهم بحسب القانون "الإسرائيلي" للتسجيل، علماً بأنّ هذه العائلات مُسجّلة في السجلّات الأردنية، وبعضها مُسجّل في السجل العثماني لمدينة القدس، ولم تخضع العائلات لقرار الاحتلال، وعلى سبيل الرفض كما قال الأستاذ عزمي أبو السعود مدير مخيّم الصمود سابقاً، قام الأهالي المشمولين بذلك القرار بنصب خيام في حي الصوّانة وهو الحي الغربي الذي يقع على مُنحدر جبل الزيتون في القدس المحتلة، والتي عُرفت آنذاك بـ "مخيّم الصمود".

مخيّم الصمود الذي أقيم في حي الصوّانة يُعتبر محاكاة لمخيّمات اللجوء الفلسطينية، لذلك لم يُدرج ضمن سجلات "الأونروا" كمخيّم لجوء، فقد أقيم لتحقيق عدة أهداف، منها الوقوف في وجه مخطط بلدية الاحتلال الذي كان يسعى لتوسيع أراضي "البستان الوطني" والذي يُعد محميّة نباتيّة مُقام على أراضي قرية العيساوية في حرم الجامعة العبريّة، وكان من المخطط أن يصل إلى أراضي حي وادي الجوز مروراً بحي الصوّانة، وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع هذه الأراضي وقفيّة قامت قوات الاحتلال بمصادرة بعضها وهدم البيوت المُقامة عليها، ومنها منزلين يعودان إلى عائلتي الخطيب والصفدي. أمّا الهدف الثاني من إقامة المخيّم كان إثبات رفض ربط الهويّة بمكان السكن أو العمل، وأنّها تُعد مُكتسب شرعي للمقدسي، كونه صاحب الحق في هذه الأرض. والهدف الثالث الإصرار على ثبات المقدسي في أرضه حتى وإن لم يبقى له مكان للعيش في القدس.

نجح المخيّم آنذاك في تحقيق الأهداف التي أقيم من أجلها، إلى أن قامت جرّافات الاحتلال باقتحامه وهدم الخيام المُقامة فيه وطرد المقدسيين منه بعد عام على إقامته، أي في سنة 1997. من ناحيةٍ أخرى كان هناك محاولات حثيثة لإقامة إسكان حقيقي ودائم للعائلات التي أقامت في المخيّم على أراضي حي الصوّانة، ولم يتم تدعيم هذه المحاولات بأي مساعدة أو تدخّل من السلطة الفلسطينية، ما أدى إلى إفشال تلك المساعي.

بعد أن هدم الاحتلال المخيّم، قام فيصل الحسيني مسؤول ملف القدس باستئجار بناية تابعة للأوقاف الفلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، من أجل إسكان بعض العائلات التي لم تتمكّن من تحمّل تكاليف السكن، إلّا أنّ هذه البناية لم تكن مُهيأة بشكل نهائي للسكن، فكانت لا تزال في طور التجهيز، لكن لم يتوافر بديل آخر. حاول آنذاك بعض حُرّاس جامعة القدس منع الأهالي من الدخول للبناية بحجّة أنها تابعة للجامعة، وكان من المخطط إنشاء مكتبة علميّة فيها، إلّا أنّ "بيت الشرق" قرّر أنّه من الأولى بمكان أن يتم إسكان العائلات التي لم يعد لديها سكن، وبالفعل أقام في البناية آنذاك (24) عائلة وبعد ما يُقارب (3) سنوات تم إنشاء إسكان خاص لهذه العائلات في حي صور باهر، إلّا أنّ بعضهم رفض الخروج من حي الشيخ جراح رغم أنّ الوضع العام للمخيّم لم يكن ملائماً للسكن، إلّا أنّه يبقى أقرب من قلب القدس بالمقارنة مع حي صور باهر الواقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة المُحتلة.

حول الوضع الحالي لمخيّم الصمود، هناك من ينظر إليه كمكرهة صحيّة واجتماعية، نظراً لتدهور الوضع العام للمبنى المُهدد بالتداعي، وكذلك بسبب الاكتظاظ السكاني فيه، حيث يسكنه الآن ما يُقارب (50) عائلة، وتجدر الإشارة إلى أنّ موقع المبنى وسط حي الشيخ جرّاح المُحاط بمنازل فلسطينية استولى عليها الصهاينة، مما يجعله مُهدد بشكل دائم، وعلى الرغم من ذلك لا يزال مُحافظ القدس يغض الطرف عن محاولات إصلاحه وتأهيله سكنيّاً، كما تستمر السلطة الفلسطينية في نهجها بتهميش هذه القضيّة بجملة التهميش المُستمر لقضايا القدس المحتلة.

على مدار سنوات، أصدرت دائرة الأوقاف عدة قرارات طالبت فيها سكان المخيّم بالإخلاء من أجل القيام بعمليات الترميم اللازمة، إلّا أنّهم رفضوا ذلك، ونظراً لعدم وجود قوّة مُنفّذة لم تتمكّن الدائرة من إخلائه، خصوصاً بعد أن قامت بلدية الاحتلال بإغلاق "بيت الشرق" بقرار من الصهيوني ارئيل شارون عام 2001 بعد استشهاد فيصل الحسيني.

لم تقتصر النكبة والتهجير القسري الذي أفرز ملايين اللاجئين الفلسطينيين ومخيّمات اللجوء، على ما حدث عام 1948 أو نكسة 1967، بل استمر الاحتلال في مشروع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ومحاولات تحويل الشعب الفلسطيني بأكمله إلى لاجئين، وتجاهل "الأونروا" لدورها تجاه من يقتلعهم الاحتلال من أراضيهم بشكلٍ مُستمر، بالإضافة إلى تهميش السلطة الفلسطينية لهم وعدم اتخاذ أي خطوات لمساعدتهم أو حملهم على الصمود، أو حتى الضغط من أجل إيجاد حلول لأوضاعهم، علماً بأنّ "اتفاقيّة أوسلو" التي تُعتبر السلطة الفلسطينية من مُخرجاتها الأساسيّة، قد أجّلت عدة قضايا من بينها القدس واللاجئين.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد