عمار قدسي_ سوريا
قرارٌ أحدث حالة من الجدل في أوساط أبناء مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق، أصدره مؤخراً مجلس الوزراء السوري بتاريخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، ويقضي بأن تحل محافظة دمشق محل اللجنة المحلية لمخيم اليرموك بما لها من حقوق وعليها من واجبات، وأن يوضع العاملون في اللجنة القائمون على رأس عملهم تحت تصرّف المحافظة.
قرارٌ، تضعه الجهات الرسميّة السوريّة في سياق الإعداد لمرحلة إعادة إعمار المخيّم، وما تحتاجها من إمكانيّات غير متوفرة لدى اللجنة المحليّة لمخيّم اليرموك، وتكليف محافظة دمشق برؤية تطويرية مستقبلية عمرانية لمخيم اليرمو، وفق ما صرّح وزير الادارة المحليّة في الحكومة السوريّة المهندس حسين مخلوف، بكل ما تحتويه عبارته من غموض، في حين يراه مختصّون بأنّه إجراء قانوني يهدف لإزالة بعض العراقيل أمام مشروع إعادة تنظيم بنيوي وإداري تعتزم الحكومة السوريّة تطبيقه في الأحياء والمدن السوريّة المدمّرة، وفق القانون رقم (10) الذي صادق عليه رئيس النظام السوري بشار الأسد، في نيسان/ إبريل من العام الجاري، ويقضي بإحداث مناطق تنظيمية ضمن مخطط عام للوحدات الإداريّة، وهو ما يثير مخاوف كبيرة حول مصير مخيّم اليرموك.
خصوصيّة مهددة بالزوال .. من مخيّم إلى حي دمشقي
طالما تمتّع مخيّم اليرموك بخصوصيّة إداريّة، كرّسها قرار صادر عن مجلس الوزراء السوري عام 1964، قضى باعتبار مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وحدة إداريّة مستقلّة تتبع لوزارة الإدارة المحليّة، تُدار من قبل اللجنة المحليّة لمخيّم اليرموك، وذلك انطلاقاً من الخصوصية السياسية والوطنية للحالة الفلسطينية، التي أعطت الفلسطينيين امتيازاً بأن يكون رئيس اللجنة المحليّة فلسطينيّاً معيّناً من قبل الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب بالتشارك مع القيادة القطريّة لحزب البعث العربي الاشتراكي " التنظيم الفلسطيني"، بالإضافة لمجلس بلدي من شخصيّات من المخيّم.
استقلاليّة اللجنة المحليّة لمخيّم اليرموك، أتاحت الاستفادة من نظام اللامركزيّة الإداريّة، وهو أمر مكّن اللجنة المحليّة من رسم الخطط التطويريّة والعمرانيّة والخدميّة، التي وضعت المخيّم في مسار تطويري ملحوظ خلال العقود السابقة، دون أي تدخّل من قبل محافظة دمشق، كونه لا يدخل ضمن صلاحياتها الإداريّة.
لكن كان للمحافظة، محاولات سابقة لإدخال المخيّم ضمن نطاق مخططاتها التنظيمية، ونذكر هنا المخطط التنظيمي رقم 1915/ق تاريخ 26/12/2004 ، والذي فشلت محافظة دمشق بتمريره حينها كون منطقة المخيّم لا تخضع لها إداريّاً، ولم يجر تحصيل أي قرار من مجلس الوزراء لتغيير الواقع الإداري للمخيّم حينها.
كما عمدت وزارة التخطيط السوريّة عام 2010، إلى تكليف مجموعة من المهندسين لإعداد مخطط تنظيمي لمنطقتي مخيّم اليرموك والحجر الأسود، باعتبارهما مناطق مخالفات تتوجب إزالتها وإعادة تنظيمها من جديد.
ما سبق، يعكس توجّهاً قديماً لإدراج مخيّم اليرموك ضمن النطاق التنظيمي لما يعرف بـ" محافظة دمشق الكبرى" ليكون ضمن الدائرة التنظيمية العاشرة للمحافظة، إلّا أنّ وضع المخيّم الإداري باعتباره وحدة إداريّة مستقلّة حال دون ذلك، ليأتي القرار الجديد لمجلس الوزراء السوري، و يلغي القرار الصادر عام 1964، و ينهي الوضع القديم للمخيّم، ويضعه في تصرّف المحافظة، وبالتالي بات مخيّم اليرموك تحت شبح القانون رقم 10، ما يعني إزالته باعتباره منطقة مخالفات، وإحداث منطقة تنظيمية جديدة، ما قد يؤدي إلى تقويض اعتباريّته كمخيّم، ليكون تحت تعريف جديد كحيّ من أحياء مدينة دمشق، وما يعني ذلك من سحب لإمتيازات فلسطينية تكرّست في اللجنة المحليّة التي أصبحت لاغية وفق القرار الجديد.
وشكّل القانون رقم (10) فور صدوره في نيسان الفائت، أحد دواعي الخوف الشديد في صفوف اللاجئين الفلسطينيين من أبناء مخيّم اليروك، لما فيه من تهديد للحقوق العقاريّة للمُلّاك، علماً أن إجراءات تثبت ملكية بيوت اللاجئين الفلسطينيين في المخيم تتخذ أشكالاً من البيروقراطية التي تعوق إنجاز التثبيت، هذا عدا عن المبالغ المطلوبة من اللاجئين لدفعها كفواتير هاتف ومياه وكهرباء لتبرئة ذمتهم قبل تثبيت الملكية، والمبالغ الهائلة التي يتطلبها توكيل محامي بالنسبة للذين هاجروا البلد، وفاقم الخوف إدراجُ مجلس الوزراء السوري "حي اليرموك" في تعبير رئيس مجلس الوزراء عماد خميس، ضمن الأحياء الخاضعة لإعادة التنظيم وفق القانون المذكور.
الّا أنّ قيادات فلسطينيّة عدّة، خرجت بتصريحات تطمئن أهالي المخيّم، بأنّ لا مخطط تنظيمياً سيشمله، في حين صدرت تطمينات مشابهة من قبل عضو اللجنة المحليّة لمخيّم اليرموك محمود عشماوي، مفادها بأنّ ما يجري الحديث عنه حول مخطط تنظيمي يشمل مخيّم اليرموك " عارٍ عن الصحّة".
أمّا مديريّة دوائر الخدمات في محافظة دمشق، كانت قد أكّدت في تمّوز/ يوليو الفائت، وفق ما نقلت مجلّة " الاقتصادي" الإلكترونيّة المقرّبة من النظام السوري، أنّه لا يمكن تنفيذ أي مشروع تنظيمي في منطقة مخيّم اليرموك كونه غير تابع لها.
أمّا الآن وبعد صدور القرار بإنهاء صلاحيّات اللجنة المحليّة لمخيّم اليرموك، وعلى ضوء ما سبق، ماذا سيكون مصير المخيّم، وهل من جهة رسميّة وفلسطينية بإمكانها أن تقدّم تطمينات بأن يبقى اليرموك مخيّماً للاجئين الفلسطينيين، يحق لأبنائه العودة إليه وإعادة إعماره بما يضمن حقوقهم بممتلكاتهم؟.