ساري جرادات – مخيم الدهيشة
خرج شادي أسعد لتلقي العلاج في مستشفى الحسين الحكومي ببيت جالا، بعد شعوره بصداع في رأسه، وبين سرير وطبيب وانتظار ضاع الزمن عليه، ليعود في اليوم الرابع محمولاً على أكتاف أصدقائه في مخيم الدهيشة للاجئين جنوب الضفة الغربية المحتلة، إذ تعددت الأسباب والتقصير واضح، وفق رواية ذويه.
بحرقة وحسرة شديدتين، يلملم الشاب اللاجئ، محمد العمارنة، صديق شادي، دموعه ويحاول أن يخفيها، لكنها تهزمه وهو يعيد شريط ذكريات طفولتهم بين أزقة المخيم وفي شوارع المدينة، خلال صداقة جمعتهم لأكثر من عقدين.
يستحضر بوجع كيف كان شادي يقفز بفرح وتفاؤل درجات منزله اثنتين اثنتين، يناديه بعدها لتناول كوب شاي على أنقاض تفاصيل ضاعت في المخيم، نتيجة تقصير حكومة السلطة الفلسطينية بحقهم.
يقول العمارنة لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "كان شغفاً بالحياة، ويحب الياسمين إلى الحد الذي لا يوصف، بسيط في تعامله ورائع في تفانيه، لا يمر يوم دون أن نلتقي، يعرف الجميع قربه أو بعده منهم من قهقات ضحكته التي كانت عطراً يفوح منها الارتياح لكل من عرفه".
يتعهد العمارنة وهو ينظر بعينيه الواسعتين إلى السماء، كأنه يشاهد روح صديقه الخالد فيه أبد الدهر على مواصلة الجهود في مواجهة سلوكيات المشافي الحكومية في العلاج والتي أودت بحياته، وفضح الإهمال والممارسة التي تعرض لها في المستشفى، الناتجة عن عدم التشخيص الطبي اللازم له، عبر تنظيم سلسلة من الوقفات والفعاليات المطالبة المؤسسة الطبية الفلسطينية بمزيد من الإجراءات اللازمة في رعاية المرضى وعلاجهم.
كان شادي يعمل في ورشات البناء، وهو الأكبر بين أشقائه، يحاول تجميع ما يمكنه من المال لتأسيس بيت والزواج، ويحب مدينته التي يفصل بينها وبين معشوقته القدس جدار فصل عنصري يلوث الأنظار ويزيد من نسبة الرطوبة التي تحاصر المدينة من كافة الأركان.
يروي علي شقيق شادي لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "وصلنا مستشفى الحسين منتصف ليل ٢٢/٩/٢٠١٩، بعد برهة من الوقت قال الطاقم الطبي لا يوجد شيء، وأخبرنا الطاقم الطبي أننا أعطيناه إبرة لتخفيف الألم، وتوفي بتاريخ ٢٦/٩/٢٠١٩".
يضيف شادي: "اشتد الألم وزادت الأوجاع التي ضربت جسد شقيقي، طلب والدي من الأطباء إجراء صورة تشخيص طبقية له، وكوننا لا نملك تأميناً صحياً، دفعنا المبلغ المطلوب لقسم المحاسبة، وبعد الصورة تبين وجود نزيف دماغي".
ترك الطاقم الطبي شادي، من الساعة الواحدة حتى الخامسة صباحاً، على سرير في قسم الطوارئ بالمستشفى، وباءت محاولات الأهل وإلحاحهم على الطاقم الطبي وإدارة المستشفى من أجل نقله إلى مستشفى آخر بالفشل، وأخبرهم الطاقم الطبي بعدم وجود متسع في مستشفيات المقاصد ورام الله الحكومي والاستشاري.
يقول شادي لمراسلنا: "المفارقة الغريبة أننا بعد نقله مساء اليوم التالي إلى مستشفى المقاصد أطلعنا الطاقم الطبي على خلو سجلات المراسلة الخاصة بالنقل والتحويل من أي اتصال وارد من قبل الجمعية العربية، الأمر الذي يؤكد لنا ضلوع مستشفى بيت جالا في وفاته والتقصير في علاجه".
وبعد نقله إلى مستشفى رام الله الحكومي الساعة الخامسة صباحاً، أخبرنا الطاقم الطبي حول حاجته إلى مصل دواء متوفر فقط في الأردن، بالفعل توجه الأهل إلى هناك وأحضروا الدواء، وبقي بدون استعمال، ليتم نقله في المساء إلى مستشفى المقاصد.
وصل شادي مستشفى المقاصد مساءًا، وعاين حالته الصحية بروفسور، وقال إن لديه تلف في خلايا الدماغ وحالته ميؤوس منها نظراً لتأخر وصوله، وبعد أربع أيام فارق الحياة، تاركاً خلفه أحلامه وطموحاته التي كان يعمل لأجلها.
من جانبها، نفت إدارة مستشفى الحسين الحكومي لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" الاتهامات الواردة بحق كوادرها، بالقول: "منذ دخول المرحوم شادي أسعد إلى المستشفى عملت الطواقم الطبية على تقديم العلاج اللازم له، واتصلنا بمستشفيات الأهلي والأميرة عالية والنجاح والمقاصد ورام الله الحكومي والميزان لتحويله إليهم ولكنهم ردوا علينا بعدم وجود متسع له".
وأضافت الإدارة: "بعد دخوله المستشفى بأربع ساعات تم تحويله إلى مستشفى رام الله الحكومي، ولم نقصر في حالته، وكنا نبحث عن قسم خاص بجراحة الأعصاب وهذا غير متوفر لدينا، علماً أننا استوفينا كافة الإجراءات الطبية اللازمة للمرحوم".
ولكن لا الاتهامات ولا محاولات نفيها ستعيد الحياة إلى شاب في ريعان عمره، ولكن متابعتها والتحقيق الشفاف من قبل السلطات المعنية فيها، ومعاقبة المسؤولين، قد ينقذ حياة مريض آخر من موت ربما يتربص به على أبواب إهمال الكوادر الطبية في المستشفيات الحكومية.