صابر حليمة – لبنان
في شهر تموز/يوليو الماضي، وجه اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات وتجمعات لبنان إنذاراً شديدة اللجهة، تمثّل بحراك واسع امتد لأشهر، ضد المس بلقمة عيشهم التي يكابدون لإيجادها، وذلك عقب إجراءات وزارة العمل ضمن "مكافحة العمالة الأجنبية" وفرض إجازات العمل على اللاجئين الفلسطينيين.
تلك الأوضاع، التي كانت عسيرة في الأصل، باتت اليوم أشد تفاقماً وشدة.
فالوضع الاقتصادي في لبنان يشهد تراجعاُ ملحوظاً أدى في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى اندلاع حراك ثوري ضد الطبقة السياسية المتحكمة بالاقتصاد في البلد، وعلى اعتبار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جزء من لبنان، انسحب الوضع الاقتصادي المتردي عليها وألقى بظلاله على حياة ساكنيها.
ومع ارتفاع الأسعار متأثرة بارتفاع صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية، ازدادت التحديات المعيشية أمام اللاجئين الفلسطينيين، ما حملهم على دعوة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إلى إعلان حالة طوارئ عاجلة في المخيمات، ومطالبة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بإيجاد حلول عاجلة للأوضاع الاقتصادية المستمرة في التدهور.
إنذار بمجاعة!
نعم، إنذار بمجاعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فماذا يعني عجز لاجئين فلسطينيين عن تأمين ربطة خبز؟ أو القوت اليومي؟
يشير مسؤول الحراك الفلسطيني في مخيم نهر البارد، محمد أبو قاسم، إلى أن نسبة البطالة التي كانت منذ أشهر تصل إلى نحو 50%، أصبحت اليوم تتجاوز الـ 80%.
وبحسب أبو قاسم، يقع مخيم نهر البارد، بين طرق العبدة والبيادر والمحمرة، التي شهدت إغلاقات واسعة احتجاجاً على الطبقة السياسية الحاكمة، ولم تبق إلا الطريق الساحلية، التي تفتح جزئياً، وتغلق في معظم الأوقات، وهو ما فاقم أوضاع المخيم بشكل غير مسبوق.
ويوضح أبو قاسم، أن الفلسطيني، الذي يعمل كـ "مياوم" ( يأخذ أجره بشكل يومي)، صار عاجزاً عن تأمين أي مدخول له ولعائلته، في وقت طرد فيه الكثيرون من أعمالهم، لعدم استطاعتهم من الوصول إليها.
ولم يبد أبو القاسم محاولة لإلقاء اللوم على الحراك اللبناني، فمعاناة اللبناني المنتفض، تشبه إلى حد كبير معاناة الفلسطيني، حيث يظهر اللاجئون الفلسطينيون ارتياحاً تجاه الحراك الثوري في لبنان.
إلى الجنوب، وتحديداً مخيم عين الحلوة، حيث تخف المعاناة قليلاً عن تلك التي في نهر البارد، وذلك في ظل وجود مخزون من الأغذية والأدوية، وفق الممرض في المخيم محمد عقر.
ويحذر عقر، أن هذا المخزون ينقص شيئاً فشيئاً، خصوصاً في ظل تراجع الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي وإقفال البنوك.
ويؤكد عقر أنه لمس تراجع الأوضاع الاقتصادية في مخيم عين، إلى جانب طلب كثير من الأهالي عند شراء الأدوية، بإعطائهم المهمة منها فقط واستثناء الأقل أهمية لعدم قدرتهم على شرائها.
ويشير إلى أن البطالة في المخيم، التي كانت منذ أشهر تبلغ ما بين 60 إلى 70%، وصلت اليوم إلى نحو 80%، لتزداد معها حالات الفقر والعوز انتشاراً.
لا استجابة للمناشدات وتحذير من انفجار شعبي
ورغم أن الوضع في المخيمات ينذر بالأسوأ، إلأ أن أبو قاسم يتحدث عن عن عدم استجابة وكالة "أونروا" لم تستجب لمطالبات أهالي مخيم نهر البارد الذين ناشدوها طيلة أيام الأسبوع الماضي، وعبر اعتصامات متكررة بإعلان حالة طوارئ عاجلة لإغاثة الأهالي.
ورد الوكالة الوحيد كان، وفق أبو قاسم: "لدينا عجز مالي".
كما أرسل الأهالي إلى السلطة الفلسطينية، والنتيجة ذاتها، لا حلول فعلية.
ويحذر أبو قاسم من انفجار شعبي سيعمّ المخيمات كافة في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وهو ما كان ليندلع منذ أيام، مع انتشار دعوات للإضراب والعصيان المدني ضد "أونروا" ومكاتب الفصائل الفلسطينية، لولا قدرة البعض على امتصاص الغضب.
وعلى الرغم من أن عدداً من الميسورين أطلقوا حملات لتأمين المؤن لمعسوري الحال، لكنها لا تزال غير كافية.
عقر، أكد أن "أونروا" باستطاعتها تأمين دعم مالي أو غذائي، لكنه، في الوقت نفسه، ألقى باللوم على منظمة التحرير الفلسطينية، التي، وفق تعبيره، لا تساعد إلا المنضوين تحتها.
وعود بانفراج الأسبوع المقبل؟
من جانبه، يقر أمين سر اللجان الشعبية فى لبنان أبو إياد الشعلان أن "مخيمات الشمال تحديداً هي الأكثر تأثراً بالأزمة اللبنانية الراهنة بسبب انتشار رقعة الحراك الشعبي وقطع الطرقات".
ويكشف الشعلان، أن أمانة سر اللجان العشبية عقدت اجتماعاً طارئاً في اليوم الثاني أو الثالث من الأزمة، ووجهت رسالة إلى مفوض عام "أونروا" تدعوه فيها إلى إقرار "موازنة طوارئ" للحد من تفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي.
كما وجهت اللجان رسالة إلى رئيس دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في منظمة التحرير أحمد أبو هولي، أطلعته فيها على أوضاع المخيمات، ورسالة أخرى إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، شرحت فيها انعكاس الأزمة على واقع المخيمات.
ويؤكد الشعلان لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أن هناك "إمكانية أو موافقة على إيجاد شيء إغاثي" للأهالي في المخيمات، ربما عبر توزيع مبالغ مالية أو مساعدات تموينية.
لكنه يوضح أنه لا يمكن تحديد موعد وصول هذه المساعدات.
أما فيما يتعلق بـ "أونروا"، فيشير الشعلان إلى أن مفوضها العام ذكر في آخر رسالة له أنه لم يتم تأمين أي مبلغ إغاثي للاجئين، فيما سيتمكن اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا من أخذ معوناتهم المالية الشهرية بدءاً من الأسبوع المقبل.
ويذكر الشعلان أنه تواصل أيضاً مع عدد من المؤسسات المعنية بالفلسطينيين، ووعده بمساعدة إغاثية قريبة.
أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، يقابلها حالة يصفونها بـ "الاستهتار" و"الاستخفاف" من القيمين، ربما تكون سبباً في انفجار شعبي قوامه الخبز ولقمة العيش، في حال لم يتم تدارك الأزمة قبل فوات الأوان.