الوليد يحيى – بيروت
يُصادف العاشر من كانون الأوّل/ ديسمبر من كلّ عام، اليوم العالمي لحقوق الانسان، ويحتفي العالم بيومٍ تبنّت فيه الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الانسان في هذا التاريخ من العام 1948.
ولعلّ من مفارقات التاريخ، أن يحل إقرار الشرعة الدوليّة لحقوق الإنسان ونكبة الشعب الفلسطيني في ذات العام، الذي يعتبر عاماً مشؤوماً بدأ فيه فصل كبير من فصول الانتهاكات الحقوقيّة بحقّ شعب بأكمله، جرى انتزاعه من أرضه وتهجيره في عملية تمثّل بحد ذاتها انتهاكاً لكافة بنود الإعلان الحقوقي العالمي، وجعلهم لاجئين بالقانون الدولي، وهو حال فيه من الهشاشة ما جعله معبراً لانتهاكات مركبّة بحقهم في أوقات الأزمات.
اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، كانوا النموذج الأكثر فداحة على انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني اللاجئ، الذي لم تحمه صفة اللجوء من ممارسات الأنظمة القمعيّة، وجور القوانين المحليّة في دول فرّ إليها هرباً من الحرب في سوريا، ولم توفّر له القوانين الدوليّة أدنى بيئة حقوقية ضمن مقتضيات الإعلان العالمي، وحتّى في أكثر الدول تقدّماً حقوقيّاً، رُصدت بعض الانتهاكات لمواد بارزة في الشرعة العالمية لحقوق الانسان، بحق اللاجئ الفلسطيني السوري.
داخل سوريا.. آلاف الضحايا والمعتقلين
ورد في المادّة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان ما نصّه " لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة" في حين تُكرّس المادة التاسعة عدم جواز اعتقال أي انسان أو حجزه أو نفيه تعسّفاً.
وفي إطار انتهاك المواد أعلاه، سُجّل في سوريا أكثر من 1769 حالة اعتقال وإخفاء قسري للاجئين فلسطينيين على يد الأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام السوري، وفق ما وثّقت " مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" وهي جهة حقوقية توثيقيّة مقرّها لندن.
كما لا تسمح تلك الأجهزة، لذوي المعتقلين والمغيّبين، من تقصّي أحوالهم داخل السجون، والاطلاع على أوضاعهم عبر السياقات القانونية، وذلك لغياب الشفافية لدى الأفرع الامنيّة السوريّة، في حين وثّقت تقارير حقوقية دوليّة عمليات قتل تجري داخل المعتقلات، راح ضحيّتها أكثر من 614 لاجئاً فلسطينياً قضوا تعذيباً في معتقلات النظام منذ بدء الأزمة السوريّة عام 2011 حتّى العام الجاري.
نفي وتقييد
ولم تسلم شرائح من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من النفي القسري، وذلك في استكمال انتهاك المادة التاسعة من الإعلان العالمي الواردة في نصّها أعلاه، حيث جرى تهجير أكثر من 1400 عائلة قسريّاً من مخيّماتها ومناطق سكنها، التي كانت تخضع لسيطرة فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة " اليرموك- درعا – حندرات- خان الشيح- مناطق جنوب دمشق- غوطة دمشق" وسواها، وذلك بموجب تسويات أبرمت بين النظام والمعارضة المسلحة، أرغمت تلك العائلات على التوجّه إلى مخيّمات التهجير في الشمال السوري، دون الإتاحة لها ما يضمن حريّة خيارها في البقاء بمناطقها دون تعرضها لتهديدات أمنية.
وبموجب التهجير التعسّفي والقسري، حُرمت تلك العائلات من التمتع بحق كرّسه البند الأوّل من المادة 19 للإعلان العالمي ونصّه " لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة." حيث لم تعد تلك العائلات تمتلك حقّ عودتها إلى مناطقها، أو اختيار مكان أفضل للسكن خارج مخيّمات التهجير، وذلك بفعل جملة من العراقيل، أبرزها غياب الضمانات الأمنية التي من شأنها أن تتيح لهم ممارسة حقّهم في الانتقال إلى أماكنهم الأساسيّة داخل البلاد، ومعوّقات معيشيّة واقتصاديّة تقضم حقّهم في اختيار مكان سكن لائق لانعدام القدرة الكليّة.
دول الجوار تسلب حق التماس الملجأ وانتهاكات بالجملة
ينص البند الأوّل من المادة 14 للإعلان العالمي لحقوق الانسان: " لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد".
وفي إطار سلب اللاجئين الفلسطينيين في سوريا هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان، أغلقت الدول المحيطة بسوريا أبوابها بوجه اللاجئين الفلسطينيين من حملة وثيقة السفر، ما اضطرّ العديدين منهم لسلك طرق التهريب غير الشرعيّة باتجاه دول الجوار القريبة، لالتماس ملجأ للنجاة من الحرب وتداعياتها التي طالت مخيّماتهم وأماكن تجمّعهم في سوريا، ما جرّ عليهم الكثير من الاضطراب الحياتي والمعيشي والقانوني، وجعلهم عرضة لمخاطر ناتجة عن انتهاك مركّب لحقوق الانسان بحقّهم، وأبرزها المواد 23 و 25 و26 الخاصة بالحق في العمل والتعليم والطبابة وسواها من الحقوق الأساسيّة.
وأبرز معالم هذا الانتهاك، تعرّضهم لمخاطر الإعادة القسريّة إلى سوريا، وهو ما يطرحه ويلوّح به لبنان بشكل مستمر، وما بدأت تركيّا بتنفيذه بالفعل، فيما تواصل المملكة الأردنيّة "اضطهادها القانوني" بحق الآلاف ممن لجأوا اليها هرباً من الحرب.
في لبنان، يُصنّف اللاجئ الفلسطيني القادم من سوريا، منذ بداية الأحداث السورية عام 2011، على أنّه "سائح"، من حيث عدم منحه صفة اللجوء القانونية، وتوفير الحماية اللازمة له باعتباره شخص قصد لبنان طالباً الحماية والأمان، ويفرض الأمن العام اللبناني عليه تصريحاً مسبقاً من قبله لقبول إدخاله لبنان مع ضرورة تجديد إقامته كل ستة أشهر، مع تعهّد من قبله بعدم العمل.
ومن ثمّ اتخذت السلطات اللبنانية قرارات عدّة وُصفت بالتعسفية لما تحمله من قيود تعجيزيّة، وذلك بغية الحدّ من تدفق اللاجئين الفلسطينيين الفارّين من سوريا، الذين قصد الكثيرون منهم لبنان عبر معابر غير شرعيّة بفعل القيود القانونية على دخوله.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا ويقطنون لبنان نحو 28 ألف لاجئ وفق "أونروا"، يعيشون اوضاعاً قانونيّة هشّة، ومخاوف الترحيل تجتاح حياتهم، بعد الحديث المتواتر في لبنان، عن خطط لإعادة " النازحين" إلى سوريا، نظراً لخطورة أوضاعهم هناك إذ ما جرت إعادتهم بعد تدمير مخيماتهم ومنازلهم ومخاطر سوقهم إلى الخدمة العسكرية الالزاميّة.
أمّا الأردن فتواصل المملكة، إغلاق أبوابها بوجه اللاجئين الفلسطينيين السوريين، في انتهاك لحقّ الانسان في اللجوء، ما اضطّر الآلاف منهم للهرب إلى أراضيها عبر الطرق غير الشرعيّة.
وتعزيزاً للانتهاك، ترفض سلطات المملكة تسوية أوضاع الفلسطينيين الفارين من سوريا إلى أراضيها ومنحهم لإقامة القانونية، ما يرتّب حرمانهم من حق العمل و تلقي التعليم والطبابة وسواها، والتي نصّ عليها الإعلان العالمي بالمادة 23 ونصّها " لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة"
وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي في بندها الأوّل " لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه"
أمّا المادة 26 فتكرّس الحق في التعليم الابتدائي والالزامي بما نصّه " لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم" وهو ما تنتهكه المملكة بحق اللاجئين الفلسطينيين السوريين.
الجمهوريّة التركيّة التي بلغ سجّلها من الانتهاكات عتيّا، حيث تواصل حرمان اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الحرب من دخول أراضيها بشكل نظامي، ما دفع العديدين منهم لسلك طرق التهريب.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا، نحو 2400 عائلة، يعانون أوضاعاً قانونية مضطّربة، نظراً لصعوبة تسوية أوضاعهم، حيث تتعامل السلطات التركية مع "وثيقة السفر المؤقتة" كوثيقة سورية، لا تنظر لخصوصية وضعهم كلاجئين فلسطينيين في سوريا، الأمر الذي يجعلهم عرضة لمخاطر الإعادة القسريّة إلى مناطق الشمال السوري تحت المخاطر الأمنية والمعيشيّة الجدّية، حيث بدأت بالفعل السلطات التركية بترحيل العشرات منهم، لعدم امتلاكهم بطاقة الحماية المؤقتة "الكملك".
" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أضاءت بسلسلة على حالات بعينها للاجئين محرومين من حق اللجوء، وما يترتّب عليه من انتهاكات بحقوقهم في التعليم والصحّة والطبابة، ومنها حالة اللاجئ محمود الشيخ خالد الذي استطاع أن يجتاز الحدود التركية بطريقة غير شرعية أملاً في إيجاد استقرارٍ لعائلاته كان مفقوداً طيلة سنوات، وعلاجٍ له ولابنه وزوجته، لكن آماله اصطدمت بواقع مرير يعاني منه الفلسطينيون السوريون في تركيا.
دول اللجوء الأوروبي لم يخلُ سجّلها من الانتهاك
ولم يخلُ سجل بعض الدول الأوروبيّة ذات الأنظمة المتقدّمة في مجال مراعات حقوق الانسان والأفراد، من انتهاكات سجّلت بحق اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا، لعدم مراعاة خصوصيتهم كلاجئين، من ذوي ظروف استثنائيّة عن سواهم، والقصد هنا من لجأوا إلى الدول الأوروبيّة عبر البحر، وهو شكل للفرار يشكّل بحد ذاته انتهاك لحق الانسان في التماس ملجأ بطرق آمنة، ما أدّى لعشرات الضحايا غرقاً.
في اليونان، يعاني المئات من الفلسطينيين الفارين من سوريا وتمكّنوا من الوصول إلى الجزر اليونانية، من ظروف لجوء تقيّد حقّهم في التنقل والعمل وسواها كما نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث يزُجّ بهم في معسكرات إيواء تفتقد للحد الأدنى من الظروف الآدميّة.
وما زاد من أوضاعهم سوءاً، إقرار جملة القوانين المتشددة من قبل حكومة اليمين اليونانية مؤخّراً، وتعمد السلطات التضييق على اللاجئين إيوائيّاً ومعيشيّاً، ووثقّ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" في هذا الصدد أوضاع اللاجئين في كاليمنوس، من ضمن توثيقه لجملة من الانتهاكات، حيث يكابد الموجودون فيه أوضاعاً مأساوية، في المخيّم المخصص لـ 50 شخصاً على الأكثر، بينما تضع السلطات اليونانية فيه نحو 200 شخص، بينهم حوالي 50 فلسطينياً، ما زلوا ينتظرون أن يقر المسؤولون في الجزيرة مصيرهم، عدا عن ترك اللاجئين عرضة للاعتداءات في انتهاك لحق اللاجئين في الحماية.
أمّا في السويد، فتمكّنت دائرة الهجرة السويدية من تحويل لاجئين فلسطينيين من حملة الوثائق الصادرة من سوريا إلى أشباح، نظراً لخصوصيّة ظروف لجوئهم الذي استهلّوه من دولة ثالثة، ولم تجد لحالتهم تفسيراً قانونيّاً واضحاً ما عرّضهم لانتهاكات حقوقيّة.
"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" وثّق إحدى حالات الانتهاك، التي تتعرّض لها اللاجئة منال زيدان ابنة مخيّم اليرموك، التي اضطّرت للهجرة إلى السويد مع أبنائها الأربعة، عقب انتهاء عقد عمل زوجها في المملكة العربيّة السعودية سنة 2015، ورفض السلطات السعودية تجديد إقاماتهم لديها، ومنذ ذلك الحين تصطدم عائلة منال برفض منحها حق اللجوء في السويد، وبقيت بين رفض واستئناف حتّى استقرّت حالتها أخيراً ضمن التعريف الذي أطلقته مسؤولة مصلحة الهجرة السويدية عليها، حين قالت لها " أنتم الآن بمثابة الأشباح، ليس لك مستقبل لا أنت ولا أولادك". وهي حالة تأسرهم في واقع اللّا ترحيل واللّا حقوق في العمل والتعليم والطبابة.
وفي خضم عرض ما يتعرّض له اللاجئون الفلسطينيون السوريّون، من انتهاك يومي ومستمر لحقوقهم كبشر، نصّ عليها القانون الدولي، يصعب حصر مئات الحالات الفردية والجماعيّة، سواء في سوريا او خارجها، جميعها تُكمل فصل النكب.
ولم يكفَّ عن سرد الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني منذ تهجيره عن بلاده عام 1948، صدورُ الإعلان العالمي لحقوق الانسان بذات العام.