أحمد حسين – قطاع غزة
تلقف الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الثلاثاء 28 يناير، عن خطة إدارته للتسوية المعروفة إعلامياً بـ "صفقة القرن"، بكثير من الحزن وخيبة الأمل.
ربما هم يدركون أكثر من غيرهم، ما معنى أن يتسبب انقسام سياسي في مضاعفة آلام الحصار المفروض عليهم منذ 12 عاماً، وتداعيات الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وكي تتضاعف مأساتهم يأتي الإعلان عن الخطة الأمريكية للتسوية، ليزيد من حالة يأس سياسي يعيشه عامة الفلسطينيين في القطاع، دون أدنى تحرك من الحكومة القائمة في غزة، أو تلك في رام الله أو حتى الفصائل الفلسطينية المستقطبة من هذا الاتجاه السياسي أو ذاك.
لذا فقد زادت المطالبات الشعبية وكذلك الفصائلية (رغم أن الأمر بيدها) بضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية من أجل مواجهة هذه الصفقة، لكن يبقى السؤال حول كيفية ترجمة هذا المطلب على الأرض بعيدًا عن الشعارات والخطابات الإعلامية.
بوابة اللاجئين الفلسطينين تواصل مع عدد من قيادات الفصائل في غزة، ورصد تصريحات أخرى، لمعرفة ما هي سبُل مواجهة هذه الصفقة، وما هي أوراق القوّة التي تملكها منظمة التحرير او السلطة أو الفصائل في سبيل تحقيق ذلك.
حماس مستعدة لإنهاء الانقسام، لكن كيف؟
يقول الناطق باسم حركة "حماس" في قطاع غزة، حازم قاسم، إن حركته "أعلنت منذ بداية الحديث عمّا يُسمى الصفقة الأمريكية رفضًا قاطعًا وواضحًا لمشروع صفقة القرن لأنها تنتقص من حقوق شعبنا الفلسطيني"، مُشيرًا أن "الحركة تحرّكت في كافة الاتجاهات لمُواجهة ومقاومة هذه الصفقة على المستوى السياسي والإعلامي والدبلوماسي".
وأوضح قاسم خلال اتصالٍ هاتفي أجرته "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن هناك "فعاليات ميدانيّة مشتركة مع الفصائل الفلسطينية في غزة، ومنفردة قامت بها حركة حماس منذ الاعلان عن الصفقة عن طريق احتجاجات كبيرة ومتواصلة"، مُبينًا أن "صفقة القرن وسبل رفضها ومواجهتها كانت حاضرة في كافة اجتماعات رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية مع قادة الدول التي زارها".
وكشف أن "الأيام القادمة حُبلى بالفعاليات الشعبية من أجل مجابهة هذه الصفقة التصفوية"، مُشددًا على "ضرورة استمرار المقاومة وحالة التصدي والصمود والتمسك بالأرض الفلسطينية، المقاومة هي كلمة السر لمنع تنفيذ هذه الصفقة، ويجب تثبيت موقف السلطة ورئيسها محمود عباس بألا يتراجع عن موقفه الرافض لهذه الصفقة وألا تقبل السلطة بأي حالٍ من الأحوال بها".
اجتماعات متواصلة
كما أكَّد قاسم خلال حديثه على أن "عدّة اجتماعات متواصلة ومتلاحقة عُقدت مع كافة الفصائل الفلسطينية، وستستمر هذه الاجتماعات خلال الأيام القادمة من أجل تنسيق المواقف وتوحيد الرؤية للتعامل مع هذا الموقف"، موضحًا أن "الأهم من هذه اللقاءات هو تثبيت الموقف الفلسطيني الرافض لهذه الصفقة، وتصليب هذه الجبهة حتى لا يتم اختراق هذا الموقف الفلسطيني من أي طرف من الأطراف".
وحول زيارة رئيس السلطة محمود عباس المرتقبة إلى قطاع غزة، يتابع المتحدث باسم حماس بالقول "العمل المشترك مهم وضروري، وقدمنا نماذج على ذلك سواء في الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، أو في الغرفة المشتركة للمقاومة، واليوم نحن أحوج ما نكون لهذا العمل المشترك".
إنهاء الانقسام أولاً
وأشار إلى أنه تم الاتفاق على أن يأتي وفد من الضفة الغربية إلى غزة، وهناك ترحيب بهذه الزيارة"، مُشيرًا أنه "سيجري خلال اللقاء بحث كيفية توحيد الجهود وتكوين رؤية مشتركة وصياغة آلية نضال متكاملة من أجل مواجهة هذا المشروع التصفوي الذي يحيط بالقضية الفلسطينية".
"أعتقد أن الأجواء ملائمة من أجل الخروج من مأساة الانقسام إلى مساحة أوسع من العمل المشترك بين كافة الفصائل الفلسطينية، الوقت من دم ولا مجال لتضييع أي ساعة في الخلافات الداخلية"، يختم قاسم حديثه مع موقعنا.
تصعيد المواجهة في مناطق التماس ... فانتفاضة
وفي ذات السياق، رأى طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن "الخطوات المطلوبة لمواجهة صفقة ترامب يجب أن تندرج في إطار إستراتيجية تتمكّن من وضع متطلبات مواجهة الصفقة موضع التطبيق، من خلال استمرار الفعل الجماهيري الرافض لهذه الصفقة والذي يعبّر عن حالة السخط الكبير تجاه السياسية العدوانية والحرب المفتوحة من قِبل إدارة ترامب على الحقوق الوطنية الفلسطينية".
وأضاف أبو ظريفة لمراسل بوابة اللاجئين الفلسطينيين، إن "المطلوب أيضًا تصعيد المواجهة في مناطق التماس والاحتكاك، ويجب إعادة بناء هذه الاستراتيجية من منطلق سياسي يتجاوز اتفاق أوسلو ويقوم بوضع قرارات المجلس المركزي والوطني موضع التطبيق بدءًا من التحلل من الالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية، وكيف يمكن لنا أن نحمي هذه المواجهة بناء على مرتكزات تقوم على توسيع مساحة المقاومة الشعبية وصولاً إلى انتفاضة تفضي إلى عصيان وطني شامل في وجه الاحتلال".
كما شدّد أبو ظريفة على ضرورة "نقل ملف الصراع إلى المؤسسات الدولية من خلال توسيع مساحة المقاطعة، ووضع الاحتلال موضع محاسبة، وتوسيع مساحة الانضمام للمؤسسات الدولية، وتقديم شكوى لمجلس الأمن عن الادارة الأمريكية لأن ما قامت به هو عدوان على الحقوق الفلسطينية".
كما أوضح أن "هذه الاستراتيجية تتطلّب وحدة الموقف والمؤسسات الفلسطينية عن طريق حوار وطني على مستوى قيادي مقرّر ينهي الانقسام ويعيد الوحدة باعتبارها أبرز عوامل القوة، حتى نتوجّه بموقف واحد لرفض هذه الصفقة"، معتقدًا أن "استعادة الوحدة الوطنية هي أبرز نقاط القوة في يد الفصائل الفلسطينية الآن، والاستعداد الكفاحي والنضالي لشعبنا الفلسطيني لخوض مرحلة الحرية والاستقرار في وجه الاحتلال".
وفي ختام حديثه، أكَّد أبو ظريفة على ضرورة "تصليب الموقف العربي لعدم الانزلاق في تبني الصفقة، أو استمرار التطبيع، لأن هذه المرحلة لا تحتاج إلى حياد بل إلى موقف صارم لمواجهة هذه العنجهية الأمريكية وما تحمله الصفقة من تصفية للحقوق الوطنية والحقوق القومية للشعوب العربية".
مؤتمر لكافة الفصائل ... فهل من نتائج حقيقية؟
وفي ذات السياق، كشفت مصادر مطّلعة لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينين"، أن "الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة في حالة انعقادٍ دائم، ومخرجات المؤتمر الشعبي الذي نُظم يوم أمس الأحد في غزة، كانت إحدى ثمار هذه الاجتماعات".
وبحسب المصادر، فإنه "يجري بحث الكثير من الاجراءات والوسائل لمواجهة الصفقة المزعومة"، مُشيرةً إلى أن "وفد فتح المرتقب وصوله إلى غزة "بحسب معلوماتنا قد يصل اليوم الاثنين أو الثلاثاء".
ويوم أمس الأحد، أعلنت فصائل العمل الوطني الفلسطيني وهيئات المجتمع المدني في قطاع غزة بشكلٍ رسمي، تشكيل (اللجنة الوطنية العليا لمواجهة صفقة القرن).
ودعت في بيانها الختامي الذي تمخّض عن المؤتمر إلى "الإسراع لاستعادة الوحدة والالتحام في التصدي للخطة الأمريكية التصفوية"، مُعبرةً عن إدانتها "للعدوان الأمريكي ونرفض كل ما جاء في صفقة القرن".
وفي الأثناء، قال عضو اللجنتين المركزية والتنفيذية لحركة "فتح" عزام الأحمد، إن "الفصائل الفلسطينية موحّدة أكثر من أي وقتٍ مضى، وعلى أقدس شيء وهو رفض ما يُسمى صفقة ترامب، وهي صفقة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية".
وتابع الأحمد في تصريحاتٍ إذاعية: إن "في مجابهة قضية صفقة القرن نكون قد قطعنا 90% من شوط إنهاء الانقسام"، مُشيرًا "سنتوجه خلال أيام إلى غزة ولكن واجهتنا بعض العقبات المتمثلة في استمرار القصف الإسرائيلي على غزة، لذلك ننتظر تحديد الموعد حتى نتوجّه إلى غزة لتأكيد وحدة الموقف الفلسطيني، كأن الانقسام غير موجود، وهكذا تبدأ قضية إنهاء الانقسام الفلسطيني".
كل هذه التصريحات تبقى في إطار الكلام المكرر، طالما لم ينتج عنها شيئاً واقعياً يعيد الاعتبار لقضية الشعب الفلسطيني، الذي يشعر أكثر من أي وقت مضى سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة عام 48 أو في مخيمات اللجوء أو في أنحاء العالم، أنه مخذول بالمقام الأول من القيادة التي نصبت نفسها ممثلاً عنه، فيما لم تستطع تحصيل أدنى حقوقه الوطنية والسياسية الثابتة، وكذلك ما تزال تمارس الدور ذاته من الخطابات الإعلامية والمهرجانات الكلامية في وقت تمكنت فيه الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أشواط على الأرض في سرقة أرض الشعب الفلسطيني، وتغييب حقوقه السياسية الثابتة، ما تزال، متوجين ذلك بالإعلان عن خطة للتسوية، لا تحقق سوى الشروط الإسرائيلية.
هنالك جو عام ساخط في الضفة الغربية وقطاع غزة والمخيمات، على قيادة يقول الشعب الفلسطيني إنها أوصلته إلى هذا الدرك من الهوان السياسي.
وحتى اللحظة، منذ إعلان الصفقة لم ير الشعب الفلسطيني غير الممارسات السابقة للسلطة والفصائل في الرد على الممارسات الإسرائيلية، فهل تغير هذه القيادة خلال الأيام القادمة من أسلوبها الموصوف بالمهترئ في ظرف سياسي دقيق وحساس لأبعد الحدود.
هذا ما يتابعه بقلق 13 مليون فلسطيني حول العالم.