الضفة الغربية المحتلة
تعتبر معركة مخيم جنين إحدى المحطات الرئيسية في الانتفاضة الثانية، خصوصاً وأنها كانت إحدى أشرس المعارك مع جيش الاحتلال، وأتت عقب أكبر عملية فدائية إبان الانتفاضة، وكانت، ولا تزال، شاهدة على إرهاب الاحتلال ضد الفلسطينيين.
عملية نتانيا
في 27 من شهر آذار/مارس من عام 2002، كان الاحتلال الإسرائيلي على موعد مع أكبر عملية فدائية خلال الانتفاضة الثانية، على يد الشهيد عبدالباسط عودة، من مدينة طولكرم، ذي الخمسة والعشرين عاماً حينها.
ففي تلك الليلة، كان 250 مستوطناً إسرائيلياً يحتفلون بعيد الفصح داخل قاعة الطعام الأرضية في فندق"بارك" بمدينة نتانيا المحتلة، قبل أن يتمكن الشهيد عودة، من الدخول إلى القاعة بعدما تنكر بزي امرأة عاملة في الفندق، متجاوزاً حراس الأمن عند المدخل الرئيسي.
وعند الساعة السابعة والنصف تحديداً، فجر عودة العبوة الناسفة التي كان يحملها، ليقتل بفعلها 28 مستوطناً على الفور، ويصاب نحو 140 آخرين، فيما توفي اثنان من الصابين في وقت لاحق.
ومن المفارقة، أن القمة العربية الرابعة عشر كانت منعقدة في ذلك اليوم بالعاصمة اللبنانية بيروت، لكنها أعلنت، في اليوم التالي، 28 آذار/مارس 2002، تبني "مبادرة السلام العربية"، التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز.
عملية "الدرع الواقي"
أحدثت عملية نتانيا زلزالاً لدى قادة الاحتلال، ليطلق على إثرها، رئيس وزراء الاحتلال السابق، أرئيل شارون، عملية "الدرع الواقي" الهادفة إلى "القضاء" على المقاومة الفلسطينية.
بدأت العملية في 29 آذار/مارس 2002 عبر التوغل إلى مدينة رام الله، التي حوصر فيها رئيس السلطة الفلسطينية حينها، ياسر عرفات.
في مطلع شهر نيسان/أبريل، توغل جيش الاحتلال إلى مدن بيت لحم وطولكرم وقلقيلية، وبعدها إلى جنين ونابلس اعتباراً من ليلتي 3و4 نيسان/أبريل، معلناً هذه المناطق "مناطق عسكرية مغلقة"، ومنع العالم الخارجي من الدخول إليها.
كما قطع جيش الاحتلال الماء والكهرباء عن معظم المناطق وفرض حظراً صارماً للتجول على الفلسطينيين المقيمين فيها.
وفي جنين ونابلس تحديداً، ضرب طوق شديد بواسطة الدبابات وناقلات الجند المدرعة والجنود على المناطق التي نفذ فيها جيش الاحتلال عملياته، أي مخيم جنين للاجئين، والبلدة القديمة في نابلس، فيما تعرضت المنازل لهجمات صاروخية مكثفة من قبل طائرات "الأباتشي".
مخيم جنين.. المعركة الأشرس
قبل شروع الاحتلال في اقتحام مخيم جنين، استعدت الفصائل الفلسطينية للمعركة عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة بقيادة الشهيد يوسف ريحان "أبو جندل".
استطاعت الغرفة المشكلة تجهيز 200 مقاتل وصنع العبوات البدائية، والاستعداد برسم خطط عسكرية لصد العدوان.
شرع الاحتلال بمجزرته داخل المخيم عقب تطويق المخيم من محاوره الأربعة، ليبدأ بعدها بقصف أحياء في المخيم، في أكبر حشد عسكري بالضفة الغربية منذ النكسة.
لكن المقاتلين الفلسطينيين، قرروا القتال حتى الاستشهاد، لتستمر المعارك بعدها نحو 15 يوماً.
لم تتمكن قوات الاحتلال من دخول المخيم، إلا بعد أن أخذت قراراً بهدمه وتحويله لأنقاض.
عمل أبو جندل والمقاومين الفلسطينيين على مقاومة الجيش الإسرائيلي، حيثُ تركزت خططهم على الهجوم أكثر من الدفاع، واستمروا بذلك لمدة 10 أيام، حيث نفذت الذخيرة والطعام والماء منهم.
تذكر بعض الروايات أنَه، وبعد نفاذ الذخيرة والماء والطعام التي كان يمتلكها أبو جندل، فإنَ بعض النساء طلبنَ منه خلع زيه العسكري والتنكر بثيابٍ أُخرى، في حاولة للتمويه على جنود الاحتلال، إلا أنه رفض ذلك.
انتهت المعركة بارتقاء ثمانية وخمسين شهيداً، إلى جانب جرح واعتقال المئات، وتدمير 455 منزلاً تدميراً كاملاً، و800 منزلاً بصورة جزئية.
اعترف جيش الاحتلال بمقتل 23 من جنودة، بينهم 14 قتلوا في يوم واحد جراء كمين للمقاتلين الفلسطينيين.
شهادات مجزرة جنين..
"ذهبت إلى مدن جرى فيها قتال من منزل إلى منزل: في رواندا ونيكاراغوا وإلسلفادور وكولومبيا، ومدينة ضربها زلزال هائل هي مدينة مكسيكو. وقد تضمن الدمار الذي شاهدته في مخيم جنين أسوأ العناصر في كلا الوضعين، فلم يتم تدمير المنازل بالجرافات أو بالديناميت وحسب، بل جرى تحويلها إلى تراب تقريباً جراء مرور الجرافات والدبابات عليها جئية وذهاباً بصورة متكررة ومتعمدة. وجرى اختراق المنازل من جدار إلى آخر بنيران الدبابات أو المروحيات الحربية. وشطرت المنازل إلى نصفين كما لو أنه تم بفعل مقص عملاق. وفي داخلها منظر موحش لغرفة طعام أو غرفة نوم بقيت تقريباً سليمة. ولم توجد دلائل على الإطلاق على أن غرفة النوم أو الطعام أو حتى المنزل قد استخدمه مقاتلون.."
خافيير زونيغا، مدير الاستراتيجية الإقليمية في منظمة العفو الدولية الذي دخل إلى مخيم جنين للاجئين في 17 نيسان/أبريل 2002.
"كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني".
الكاتب البرتغالي، خوسيه ساراماغو، بعد زيارته المخيم إبان المعركة.
"كيف يفسر حق الدفاع عن النفس بأنه إرهاب، والإرهاب دفاع عن النفس!! إني أستطيع أن أعدد دولاً تمارس الإرهاب، وإسرائيل هي احدى هذه الدول. يجب أن نخرج أنفسنا من الكليشهات، وألا نساوي بين القاتل والضحية، بين القوة المحتلة والشعب الذي يرزح تحت الاحتلال ويقاومه. ونحن ممثلو شعوبنا غير المنتخبين. وعلينا أن ننقل بأمانة ما تشاهده أعيننا، وتحسه قلوبنا".
الشاعر الإسباني، خوان غويتسولو
"إن الوضع في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق، إن الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أنحاء المخيم، يبدو كما لو أنه تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين يخرجون جثثاً من بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره، أنا متأكد بأنه لم تجر عمليات بحث وإنقاذ فعلية".
منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، تيري رود لارسن.