تقرير أحمد حسين
تنتهج سلطات الاحتلال الصهيوني سياسة هدم المنازل الفلسطينيّة في القرى والمُخيّمات والمدن الفلسطينيّة خاصة تجاه المقدسيين، وذلك بزعم "البناء دون ترخيص"، وفي المقابل من المُحال أن يحصل الفلسطيني على إذن أو ترخيص يسمح له بالبناء، في إطار سياسةٍ صهيونيةٍ متعمّدة تهدف لتشديد الخناق على السكّان الفلسطينيين، ومنهم اللاجئون، لتشتيتهم وتشريدهم هنا وهناك.
يوم الاثنين الماضي 15حزيران/ يونيو 2020 ، استفاق اللاجئون الفلسطينيون في مُخيّم شعفاط شرقي القدس المحتلة، على ضجيج جرّافات الاحتلال وهي تقتحم حي رأس شحادة في المُخيّم، إذ هدمت الجرافات بناية سكنيّة تضم شقتين مساحة كل منهما 160 متراً مربعاً، وأربعة مخازن تجاريّة، تعود ملكيتها للاجئ الفلسطيني إيهاب حسن علقم، وأسامة أحمد علقم، ولذات الحجة المزعومة وهي "البناء دون ترخيص".
بكل تأكيد، هي ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث أنّ هناك عشرات المنازل المُهدّدة بالهدم داخل المُخيّم، فقد هدمت قوات الاحتلال في السابق عشرات البنايات والمنازل، فيما ترفض بلدية الاحتلال منح أي تراخيص للسكّان المقدسيين من أجل البناء.
بيوتٌ أخرى تنتظر الهدم
وقال رئيس اللجنة الشعبيّة لخدمات اللاجئين في مُخيّم شعفاط محمود الشيخ لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ "سلطات الاحتلال لم توقف سياسة هدم المنازل بتاتاً، خاصة في مُخيّم شعفاط الذي يسكنه أكثر من ثلث سكّان مدينة القدس وغالبيتهم من اللاجئين، ومن الطبيعي أن يزيد عدد اللاجئين فبالتالي تجري عمليات التوسّع في البناء.
وأوضح الشيخ أنّ "كل عمليات الهدم تجري داخل نطاق المُخيّم، ومنذ بداية العام الجاري جرى هدم حوالي خمس بيوت داخل المُخيّم، والهدم الأخير الذي جرى عند الأخ إيهاب علقم هو غير بسيط، وهناك قرارات جاهزة لهدم ثمانية مباني خلال الفترة المقبلة".
كما أشار رئيس اللجنة الشعبيّة إلى أنّ "اللاجئين ينظرون لهذه القرارات بأنّها ظالمة جداً وتهدف لتهجيرهم من مُخيّم شعفاط ومن مدينة القدس. الاحتلال لا يرغب بوجود أي مقدسي أو لاجئ داخل المُخيّم، البناء يجري في المُخيّم وفي كل المناطق التي تعتبر امتداداً له مثل: حي رأس خميس، ورأس شحادة، وحي الحرش، وحي الأوقاف، فيقوم اللاجئ بالبناء بدون الرجوع وأخذ أي تصريح من أحد سواء من الاحتلال أو من غيره".
وتابع: "نحن نسكن في المُخيّم منذ عام 1967 ولم نعلم في يومٍ من الأيام أن فلاناً بنى منزلاً بعد أن أخذ ترخيصاً، لأن التراخيص غير متاحة"
يذكر في هذا الصدد، أن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم شعفاط، وغالبية أهالي القدس المحتلة لا يعترفون ببلدية الاحتلال، كونها سلطة احتلالية، وجدت على أرضهم دون وجه حق.
"إذا هدموا بيت سنبنى ثلاثة بيوت"
وحول المطلوب لمُجابهة هذه السياسة، أكَّد الشيخ أنّه "لا قرارات فلسطينية وغير فلسطينية قادرة على مواجهة هذه السياسة الظالمة ولن تحرك ساكناً لدى الاحتلال، إلا بصمود الشعب الفلسطيني في أرضه، وإذا هدموا بيت سنبنى ثلاثة بيوت في المقابل"، لافتاً في ختام حديثه أنّ "اللجنة الشعبية هي لجنة خدماتية، وفي حال علمت بأنّ هناك هدم لمنزل أحد اللاجئين تقوم بتحويل ملفه لوزارة شؤون القدس لتتحمّل مسؤولياتها بما يخص المحامين ومتابعة الأضرار والتعويضات عن طريق الصليب الأحمر، ووكالة الغوث أيضاً تتحمّل مسؤولية في هذا الجانب".
وفي السياق، تواصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع عادل منصور مدير عام المُخيّمات بدائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، والذي أكَّد بدوره على أنّ "سياسة هدم المنازل في مُخيّم شعفاط والمناطق المجاورة له تأتي في سياق تنفيذ مخططات الضم والتهويد التي تنتهجها حكومة نتنياهو، وكل ذلك من أجل تحقيق مآرب اليمين المتطرّف في تكريس الاستيطان".
الوحدة الوطنية أولاً
وأوضح منصور أنّ "نتنياهو ما زال يتمادى في تنفيذ هذه السياسة بحجّة ما يُسمى عدم وجود ترخيص من بلدية القدس"، وحول المطلوب أيضاً لكبح جماح هذه السياسة العنصريّة، شدّد منصور أنّه "يجب ألا نُطالب أحداً من الخارج، بل نُطالب المستوى الفلسطيني بالدرجة الأولى لتحقيق الوحدة الوطنية من أجل صد أيّة محاولات استيطانيّة وعمليات تهويد، لأنه بدون المصالحة والوحدة الداخليّة لن نستطيع ايقاف التغوّل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيّة".
كما لفت إلى أنّ هذه الاجراءات تأتي تزامناً مع التهديدات المعلنة من قِبل بلدية الاحتلال لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في القدس ومُخيّم شعفاط وإغلاق مدارسها ومقراتها ومكاتبها.
وفي أحدث تقريرٍ لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، نشره في 20 حزيران/ يونيو 2020، أفاد بأنّ عمليات الهدم التي تنفذها السلطات "الإسرائيلية" تؤدي إلى تهجير مئات الأشخاص عن أماكن سكناهم.
جريمة حرب هدفها سياسي
وفي ذات السياق، رأى مدير عام مؤسسة الحق شعوان جبارين أنّ "ما يجري من عمليات هدم هي بمثابة جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية لأنها عبارة عن سياسة رسميّة واسعة النطاق الهدف منها سياسي، وقصة عدم وجود ترخيص هو المدخل الإداري للحجة من أجل تبرير المُمارسة".
وبيّن جبارين لموقعنا، أنّ "سلطات الاحتلال لا تعطي تراخيص من جهة، ومن جهة أخرى تهدم المنازل لعدم وجود تراخيص، فليس من المعقول أن تمنع تراخيص البناء للذين لديهم نمو طبيعي إنساني، لا شك أن هذا سيفضي لبناء بيوت جديدة بسبب كبر العائلات"، مُؤكداً أنّ "السكّان الفلسطينيين ليسوا في اعتبارات الاحتلال إلا في اعتبار وحيد وهو تهجيرهم خارج البلد، وهذا استهداف يأتي في إطار سياسات عقابية أكثر منه في إطار سياسة إدارية منظّمة".
وأشار جبارين إلى أنّ "مؤسسة الحق تعمل على توثيق كل عمليات الهدم التي تقوم بها سلطات الاحتلال وتعد تقارير تسلمها للأمم المتحدة وللمقررين الخاصين، وتستخدم هذه التقارير أيضاً في كل الرسائل والوثائق التي تخاطب بها العالم سواء الاتحاد الأوروبي أو غيره من أجل توضيح ماهية الظواهر التي ينتهجها الاحتلال".
أرقام الهدم لعامي 2019 و2020
وبحسب معلومات حصل عليها بوابة اللاجئين الفلسطينيين، من مسؤول البحث الميداني في مؤسسة الحق زاهي جرادات، فإنّ سلطات الاحتلال الصهيوني هدمت خلال العام الماضي 2019، 180 مسكناً فلسطينياً في الضفة الغربية/ من ضمنهم 170 بحجة "البناء دون ترخيص"، وهناك 10 منازل هدم عقابي -لأهالي شهداء أو أسرى-.
وأفاد جرادات أنّه ومنذ بداية العام الجاري 2020 وحتى نهاية شهر أيار/ مايو، فقد هدمت سلطات الاحتلال 63 منزلاً، منها 59 بحجة "عدم وجود ترخيص"، و4 منازل هدم عقابي، وكل هذه الأرقام تشمل الضفة المحتلة بما فيها مدينة القدس.
مؤسسات حقوقيّة حذّرت في مناسباتٍ عدة من استمرار الاحتلال في سياسة هدم منازل الفلسطينيين، مُعتبرةً "هذه السياسة مُخالفة جسيمة وواضحة لنص المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وانتهاكاً صارخاً لنص المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر 1948"، في حين تتبجّح سلطات الاحتلال أكثر وأكثر، إذ تتعمّد فرض تكاليف باهظة على صاحب أي منزل تقوم بهدمه كأجرة معدات وهدم تصل إلى مئات آلاف الشواكل، في حال رفض صاحب المنزل أن يقوم بهدمه بنفسه.
وتتواصل هذه السياسة العنصريّة تجاه مُخيّمٍ يسكنه 95 ألف نسمة، ومع الأحياء المجاورة يبلغ 125 ألف نسمة، ولا تكترث سلطات الاحتلال لخطر تفشي فيروس "كورونا" داخل المُخيّم جرّاء الاقتحامات المتكرّرة له بهدف الاعتقالات أو تنفيذ أوامر الهدم، لا سيما وأنّ الفيروس متفشي في صفوف جنود الاحتلال، ما يُنذر بكارثة حقيقية ستحدث داخل المُخيّم في حال استمرت هذه السياسة وهذه الاقتحامات المُتكرّرة.