تتجه الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان، نحو تطورات خطيرة وانفلات مالي وسياسي وأمني لا يمكن التنبؤ بمشهده العام حتى اللحظة ولكنه حتماً سيكون مشهداً قاتماً ويتسم بالخطورة، بعد أن فشلت حلول الإنقاذ، واتسعت دائرة التفكك والانقسام، ما يهدد بانفجار شامل وتبعات أمنية وانهيارات اقتصادية واجتماعية لا يمكن التنبؤ بالصورة التي ستكون عليها في القادم من الأيام.

ولا شك، بأنّ انهيار العملة اللبنانية والمخاوف التي بدأت تلوح بالأفق نتيجة ارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية وارتفاع نسبة البطالة، بالتزامن مع عودة الحراك الشعبي والسياسي اللبناني متعدد الأهداف، والمترافق مع "قانون قيصر" الامريكي لحصار النظام السوري، وتأثيره العام على الساحة اللبنانية، وفي وقت ارتفعت أصوات لبنانية نافذة تدعو للفيدرالية واللامركزية والغاء اتفاق الطائف والدعوة لمؤتمر تأسيسي استناداً لموازين القوى القائم.

 كل تلك تطورات ليست عادية، ولها تأثيراتها على الساحة اللبنانية، إن لجهة التفكك العام، أو احتمالات الفوضى الأمنية، وهي تطورات متوقعة ومرتقبة، وحتماً سيكون لها انعكاساتها المختلفة على المواطنين اللبنانيين، وعلى المقيمين من مختلف الجنسيات وفي مقدمتهم اللاجئون الفلسطينيون وذلك لعاملين.

أولاً: لعدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والذي يزيد عن 400 ألف لاجئ بالاضافة إلى النازحين الفلسطينيين من سوريا الذي يزيد عددهم عن 27 ألفاً.

ثانياً: لأنّ لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كيانات وقوى وقيادات سياسية وعسكرية واقتصادية، لها القدرة على التأثير في المعادلة الداخلية اللبنانية.

للتطورات اللبنانية المختلفة انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الوجود الفلسطيني في لبنان

وأشارت منظمات حقوقية في تقارير لها، إلى أنّ انهيار الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، وارتفاع نسبة البطالة وأسعار المواد الغذائية، والانتشار الواسع لفيروس كورونا (كوفيد -19) وما يتبعه من إجراءات وحجر منزلي، ترافقت مع تقليص حاد في المساعدات والخدمات التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أدت إلى تطورات اجتماعية وصحية ونفسية بالغة الخطورة داخل المخيمات الفلسطينية.

وأكدت المنظمات الحقوقية، على أنّ ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الفلسطينيين، وتعقيدات الأزمة اللبنانية بالتزامن مع انهيار العملة الوطنية وإقفال أبواب العمل نتيجة تفشي فيروس كورونا (كوفيد -19)، أدخل حياة اللاجئين الفلسطينيين في خطر محدق إن لم تتدخل المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بقضايا اللاجئين وحقوق الإنسان.

لذلك فإن للتطورات اللبنانية المختلفة، انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الوجود الفلسطيني في لبنان، الفقر والجوع والبطالة، وحجز أموال المودعين، والفوضى وإقفال الطرقات والمحلات والظروف الاقتصادية والأمنية، لكل تلك الحالات مؤثرات وانعكاسات مباشرة على الوجود الفلسطيني في لبنان، لكن الفلسطيني لاجئ وعليه احترام قوانين الدولة المضيفة والالتزام بالشرائع السيادية المعتمدة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.

يتحتم على القيادات والفصائل الفلسطينية التحرك الجاد والفاعل بعيداً عن الاستعراضات الفلكلورية والتقاط الصور

 وفي السياق، أقامت السلطة ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية كافة، علاقات وطيدة واتفاقيات تعاون وتنسيق أمني وسياسي مع السلطات اللبنانية ، أكدت على ثوابت محددة، ربما ساهمت بضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية (نسبياً) داخل المخيمات، وساهمت بمكافحة الجريمة وملاحقة مروجي المخدرات ووضع المخيمات تحت (ميكريسكوب الدولة اللبنانية)، إلا أن ذلك كله ، لم يكن كافياً، ولم يضع حدا للتوترات الأمنية والاشتباكات التي تندلع بين الفترة والأخرى، ولم تضع حدّا لحالات الفقر والبطالة والحرمان والضياع التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني بكل مرارة.

وبالعودة إلى انعكاسات التطورات اللبنانية على الوضع الفلسطيني في لبنان، لابد من التأكيد على أنّ هذا البلد يتعرض لأوضاع صعبة، تهدد أمنه واستقراره، تحتم على القيادات والقوى والفصائل الفلسطينية التحرك الجاد والفاعل بعيداً عن الاستعراضات الفلكلورية والتقاط الصور، ليس من أجل حماية اللاجئين الفلسطينيين من انعكاسات التطورات اللبنانية المتوقعة فحسب، بل أيضاً من أجل تحييد اللاجئين عن أي تطورات أمنية وسياسية لبنانية، وهذا ليس بالأمر السهل، بل يتطلب جهداً واسعاً ومركزاً، تقوم به القوى والفصائل الجادة في الدفاع عن مصلحة الفلسطينيين والقادرة على ضبط المخيمات وضمان عدم استخدام الفلسطيني في المياه اللبنانية "العكرة".

ليس من مصلحة الفلسطيني في لبنان، أن يكون إلى جانب فئة سياسية لبنانية في مواجهة فئة أخرى

هو دور القوى والفصائل ودور الاعلام واللجان والمنابر، لشرح وتوضيح مخاطر مشاركة العامل الفلسطيني في أي تطورات لبنانية ممكنة، وأهمية التحييد والمحافظة على العلاقات الأخوية مع اللبنانيين، خاصة وأنّ مهمة حماية المخيمات الفلسطينية في لبنان هي مهمة السلطات اللبنانية بالتعاون والتنسيق مع الفصائل الفلسطينية، وليس هناك من طرف لبناني يهدد الفلسطيني في هذه المرحلة أو يعمل في إطار برنامج معادي يستهدف فيه أمن اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية، بل إنّ جميع الفصائل الفلسطينية نظمت مع جميع القوى والأطراف والقيادات اللبنانية علاقات رسمية وأخوية ودبلوماسية وسياسية ونضالية.. الخ.

 لذلك، ليس من مصلحة الفلسطيني في لبنان اليوم، أن يكون إلى جانب فئة سياسية لبنانية في مواجهة فئة أخرى

إنها مسؤولية القوى السياسية والقيادات، أن تعمل في الأوساط الشعبية من أجل إبعاد اللاجئ الفلسطيني عن الأوضاع الداخلية اللبنانية الراهنة، ليس بالشعارات والخطابات والاحتفالات والتكريمات وإبراز الصور في وسائل الاعلام، ولا تكفي الأوامر والقرارات، بل بالمراهنة على وعي اللاجئين وثقافتهم و بالقدرة على إعادة الثقة معهم والتحليل والشرح وإظهار المخاطر التي سيتعرضون لها حال الانخراط بأي صراع داخلي لبناني بالتزامن طبعاً مع العمل الجاد من أجل منحهم حقوقهم المشروعة والعيش الكريم

نطرح ذلك لسببين الأول: أن المرحلة خطيرة ليس على الساحة اللبنانية فحسب، بل على الساحة الفلسطينية وامتداد الساحات العربية القريبة والبعيدة، وتتطلب تنظيم حلقات الحوار والنقاش والبحث عن سبل التعامل مع المرحلة المقبلة، ليس على مستوى القيادة الرسمية وقيادة الفصائل فحسب (إن كان في مقدروها ذلك)، بل على مستوى القواعد الشعبية والفعاليات المدنية والفكرية، لأن الخطر المحتمل هو خطر الاختراقات واستغلال الفلسطيني العفوي والجاهل والمفقر والمهمش.

والسبب الثاني: أنّ ما هو قادم ربما يتجاوز نمط العقول والأفكار التي تمتلكها قيادات الفصائل الفلسطينية في لبنان، وبالتالي لا تمتلك سبل المواجهة والمحافظة على الأمن والاستقرار، وهذا ما أكدته السنوات الماضية، بل يحتم الاسراع في التخلص من العقول العاجزة والمترهلة والبليدة، واستنهاض الهمم والارادة المنظمة والواعية.

أي انخراط وتدخل فلسطيني بالوضع الداخلي اللبناني، سيؤدي إلى إدخال العامل الفلسطيني في بحر الأزمة اللبنانية المتخبط

  إذا كانت التطورات القادمة على الساحة اللبنانية ، مصيرية وخطيرة ، فإن ذلك يتطلب المزيد من الوعي والعمل في الأوساط الفلسطينية من أجل مواجهة المرحلة المقبلة بإرادة فلسطينية منظمة وواعية، ولديها برامج محددة مهمتها حماية الشعب الفلسطيني ومخيماته وعدم التدخل بأي شكل من الأشكال بالشؤون الداخلية واللالتزام الكامل بالقوانين والاعراف اللبنانية.

ذلك لأن أي انخراط وتدخل فلسطيني بالوضع الداخلي اللبناني، سيؤدي إلى إدخال العامل الفلسطيني في بحر الأزمة اللبنانية المتخبط، ويدخل الفلسطيني في صراعات ليس له فيها أية مصلحة ، وسيكون حتماً الخاسر لأنه الأضعف ومن السهل أن يكون شماعة تعلق عليها ملابس الأزمة، ويدفع ثمنها الفلسطيني من ذاته وأسرته وقضيته وحقوقه، وستنعكس سلباً على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وسمعتهم بعد سنوات غابت (أو نامت) إلى حد كبير سياسة التحريض التي كانت تشاع ضد الفلسطيني في لبنان .

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد