أكد مثقفون فلسطينيون وعرب على رفض الخلط بين اليهودية والصهيونية وافتراض أن جميع اليهود صهاينة.
جاء ذلك في رسالة وقعها 122 أكاديمياً وصحافياً ومثقفاً فلسطينياً وعربياً، ونشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، أمس الأحد.
وعبرت الرسالة عن القلق من من تعريف التحالف الدولي لذكرى "الهولوكوست" (IHRA) لـ "معاداة السامية" وطريقة تطبيقه والتعامل معه في عدد من الدول الأوروبية وشمال أمريكا.
وحذرت الرسالة من أن حكومة الاحتلال الصهيوني قامت في السنوات الأخيرة باستخدام التعريف كأداة لنزع الشرعية عن القضية الفلسطينية وإسكات المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، مشددين على أن حرف المعركة الضرورية ضد "معاداة السامية" لخدمة أجندة كهذه يهدد بالحط من قيمة هذا الكفاح وبالتالي تشويهه وإضعافه.
وقالت: "يُستخدم تعريف "التحالف الدولي" لمعاداة السامية، والتدابير القانونية ذات الصلة المعتمدة في العديد من الدول، ضد الجماعات اليسارية والمدافعة عن حقوق الإنسان التي تؤيد حقوق الفلسطينيين وضد "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، بما يترافق مع تهميش التهديد الحقيقي لليهود القادم من حركات التعصّب القومي الأبيض اليمينية في أوروبا والولايات المتحدة. إن تصوير حملة المقاطعة على أنها معادية للسامية هو تشويه صارخ لما هو أساساً وسيلة شرعية غير عنفية للنضال من أجل الحقوق الفلسطينية".
ودعت الرسالة إلى فضح ومواجهة "معاداة السامية"، مشيرة إلى أنه "مهما كان مظهره فيجب عدم التسامح مع العداء ضد اليهود كيهود في أي مكان في العالم. فمعاداة السامية تتمظهر من خلال التعميمات والنمطيات عن اليهود، خاصة قوة المال والسلطة إلى جانب نظريات المؤامرة وإنكار الهولوكوست".
كما أوضحت أن الأمثلة التي يقدمها تعريف التحالف الدولي لذكرى "الهولوكوست" تخلط ما بين اليهودية والصهيونية، إذ "يفترض أن كل اليهود هم صهاينة وأن دولة إسرائيل في وضعها الحالي تجسد حق تقرير المصير لكل اليهود".
وتابعت: "ونحن نختلف بشدة مع هذا، فيجب عدم تحويل مكافحة معاداة السامية إلى حيلة لنزع الشرعية عن القتال ضد اضطهاد الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم واستمرار احتلال أرضهم".
وفي ما يلي نص الرسالة:
بيان بشأن معاداة السامية وقضية فلسطين
نحن، الموقعون أدناه، من أكاديميين وفنانين وصحافيين ومفكرين فلسطينيين وعرب، نعرض في هذا البيان وجهة نظرنا فيما يتعلق بتعريف معاداة السامية الصادر عن "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست"، والطريقة التي يتم بها استخدام هذا التعريف وتفسيره ونشره في عدة دول في أوروبا وأمريكا الشمالية. ففي الأعوام الأخيرة، قامت الحكومة الإسرائيلية ومعها أنصارها بتوظيف الكفاح ضد معاداة السامية وعلى نحو متزايد في محاولة لنزع الشرعية عن القضية الفلسطينية وإسكات المدافعين عن حقوق الفلسطينيين. لكن تحريف الكفاح الضروري ضد معاداة السامية لخدمة مثل هذه الأجندة يهدد بتقويض هذا النضال وبالتالي التشكيك فيه وإضعافه.يجب فضح زور معاداة السامية ومكافحتها. وأياً تكن الذريعة، فإنه يجب عدم التسامح مع أي تعبير عن الكراهية لليهود لمجرد أنهم يهود في أي مكان في العالم. وتتجلى معاداة السامية في تعميمات شاملة وصور نمطية عن اليهود، فيما يتعلق بالنفوذ والمال بصورة خاصة، إلى جانب نظريات المؤامرة وإنكار المحرقة النازية. إننا نعتبر محاربة مثل هذه المواقف أمراً مشروعاً وضرورياً، كما نؤمن بأن دروس المحرقة، وكذلك دروس وقائع الإبادة الجماعية الأُخرى في العصر الحديث، يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من تنشئة الأجيال الجديدة ضد كافة أشكال التحيز العنصري والكراهية.
ومع ذلك، يجب التعامل مع الكفاح ضد معاداة السامية بطريقة مبدئية، خشية إلحاق الضرر بالغرض منه. فمن خلال "الأمثلة" التي يقدمها، يخلط تعريف "التحالف الدولي" بين اليهودية والصهيونية بافتراضه أن جميع اليهود صهاينة، وأن دولة إسرائيل في واقعها الحالي تجسد حق تقرير المصير لجميع اليهود. نحن نختلف اختلافاً عميقاً مع هذا الطرح، إذ يجب عدم تحويل الكفاح ضد معاداة السامية إلى خديعة الغرض منها نزع الشرعية عن النضال ضد الاضطهاد الذي يعاني منه الفلسطينيون، وإنكار حقوقهم واستمرار احتلال أراضيهم. وإننا لنعتبر المبادىء التالية حاسمة في هذا الصدد:
1- يجب استخدام الكفاح ضد معاداة السامية في إطار القانون الدولي وحقوق الإنسان، ويجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الكفاح ضد جميع أشكال العنصرية وكراهية الأجانب، بما في ذلك الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد العرب والفلسطينيين. والهدف من هذا النضال هو ضمان الحرية لجميع الفئات المضطهدة وتحررها. ولذا فإن هذا الكفاح يُحرف بشدة عن مساره عندما يتم توجيهه نحو الدفاع عن دولة قمعية ومتسلطة.
2- هناك فرق كبير بين حالة يتعرض فيها اليهود للتمييز والاضطهاد والقمع كأقلية من طرف أنظمة أو مجموعات معادية للسامية، وبين حالة يطبَّق فيها حق تقرير المصير للسكان اليهود في فلسطين / إسرائيل في صيغة دولة قائمة على التمييز العرقي وتوسعية. فدولة إسرائيل، ببنيتها الحالية، تقوم على اقتلاع الأغلبية العظمى من السكان الأصليين – وهو ما يطلق عليه الفلسطينيون والعرب اسم "النكبة" – وعلى إخضاع هؤلاء السكان الأصليين الذين ما زالوا يعيشون على أرض فلسطين التاريخية كمواطنين من الدرجة الثانية، أو كشعب تحت الاحتلال، وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير.
3- في معظم الأحيان، يُستخدم تعريف "التحالف الدولي" لمعاداة السامية، والتدابير القانونية ذات الصلة المعتمدة في العديد من الدول، ضد الجماعات اليسارية والمدافعة عن حقوق الإنسان التي تؤيد حقوق الفلسطينيين وضد "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، بما يترافق مع تهميش التهديد الحقيقي لليهود القادم من حركات التعصّب القومي الأبيض اليمينية في أوروبا والولايات المتحدة. إن تصوير حملة المقاطعة على أنها معادية للسامية هو تشويه صارخ لما هو أساساً وسيلة شرعية غير عنفية للنضال من أجل الحقوق الفلسطينية.
4- إن تأكيد تعريف "التحالف الدولي" على أن "إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، من خلال الادعاء على سبيل المثال بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري" هو مثال عن معاداة السامية، إنما هو أمر غريب تماماً. فلا يكلف التعريف نفسه عناء الإقرار بأن دولة إسرائيل الحالية هي بموجب القانون الدولي قوة محتلة منذ أكثر من نصف قرن، مثلما تقرّ بذلك حكومات الدول التي يتم فيها التمسك بتعريف "التحالف الدولي". كما لا يكلف نفسه عناء التفكير فيما إذا كان هذا الحق يشمل الحق في تكوين أغلبية يهودية عن طريق التطهير العرقي، وما إذا كان يجب أن يأخذ في الحسبان حقوق الشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك، يلغي تعريف "التحالف الدولي" فعلياً جميع الرؤى غير الصهيونية لمستقبل دولة إسرائيل باعتبارها معادية للسامية، ومنها على سبيل المثال الدعوة إلى قيام دولة ثنائية القومية أو دولة ديمقراطية علمانية تمثل جميع مواطنيها بالتساوي. إن التأييد الحقيقي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها لا يمكن أن يحرم منه الشعب الفلسطيني ولا أي شعب آخر.
5- نعتقد أن حق أي شعب في تقرير المصير لا يجوز أن يتضمن الحق في اقتلاع شعب آخر من أرضه ومنعه من العودة إليها، أو أي وسيلة أُخرى لتأمين أغلبية سكانية داخل الدولة. ولا يمكن تفسير مطالبة الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى الأرض التي طُردوا منها هم وآباؤهم وأجدادهم على أنها معاداة للسامية. أن يثير هذا الطلب مخاوف لدى الإسرائيليين لا يثبت أنه غير عادل ولا أنه معادٍ للسامية، بل إنه حق معترف به في القانون الدولي مثلما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948.
6- إن توجيه تهمة معاداة السامية ضد كل من يعتبر دولة إسرائيل الحالية دولة عنصرية، على الرغم من التمييز المؤسساتي والقانوني الفعلي الذي تقوم عليه، يرقى إلى منح إسرائيل حصانة مطلقة من العقاب. وهو أمر يمكّنها من أن تبعد مواطنيها الفلسطينيين أو تسحب جنسيتهم أو تحرمهم من حق التصويت، وهي لا تزال محصنة ضد اتهامها بالعنصرية. إن تعريف "التحالف الدولي" لمعاداة السامية وطريقة استخدامه يحظران أي نقاش بشأن دولة إسرائيل بوصفها دولة قائمة على أساس التمييز العرقي والديني، ويتعارض بالتالي هذا التعريف مع مبادئ العدالة البديهية والمعايير الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
7- نؤمن بأن العدالة تتطلب التأييد الكامل لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، بما في ذلك المطالبة بإنهاء الاحتلال الذي يقرّ به المجتمع الدولي احتلالاً لأراضيهم وإنهاء حرمان اللاجئين الفلسطينيين من وطن ومن سائر حقوقهم. إن التنكر للحقوق الفلسطينية في تعريف "التحالف الدولي" ينمّ عن موقف يدعم أولوية اليهود بدلاً من حقوقهم ، والاستعلاء اليهودي بدلاً من سلامة اليهود. كما نؤمن بأن القيم والحقوق الإنسانية غير قابلة للتجزئة، وأن مكافحة معاداة السامية يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع النضال من أجل حصول جميع الشعوب والجماعات المضطهَدة على الكرامة والمساواة والتحرر.
ومن الموقعين على الرسالة، المخرج سمير عبد الله ونادية أبو الحاج من جامعة كولومبيا، ورشيد الخالدي، جامعة كولومبيا، وليلى أبو لغد، جامعة كولومبيا، وبشير أبو منة، جامعة كينت، والناشطة نادية عيساوي، والناقد صبحي حديدي، والروائي سنان أنطون، والبرفسور طلال أسد، جامعة كولومبيا، وعزيز العظمة، الجامعة المركزية الأوروبية، النمسا، وعبدالله باعبود، عمان، ونادية بغدادي، الجامعة الأوروبية المركزية، وزينب البحراني، جامعة كولومبيا، ورنا بركات، جامعة بيرزيت، وبشير بشير، الجامعة "الإسرائيلية المفتوحة"، والروائي طاهر بن جلون، والناقد محمد برادة، وأمل بشارة، جامعة تافتس..وغيرهم من فلسطين وفرنسا وبريطانيا وكندا ومصر.