اشتعلت أزمة البركسات في مخيم نهر البارد من جديد، بعد اعتصام نفذّه عددٌ من ساكني بركسات "العبدة" أمام مكتب اللجنة الشعبية في المخيم.

  أحد ساكني هذا المجمّع الذي وضع بوابة اللاجئين الفلسطينيين في تفاصيل حياتهم اليومية والمخاطر التي يتعرّضون لها منذ سنوات والتي ازدادت في الفترة الأخيرة إلى حدٍّ لا يُطاق، وهو ما دفع الشباب بشكلٍ عفويّ إلى التوجّه لمكتب اللجنة الشعبية ومن ثمّ مكتب مدير إعمار نهر البارد "جون وايت" التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

سليمان خلف من اللاجئين الذين قدموا إلى لبنان عام 1967 من الضفة الغربية، كان يسكن مخيم نهر البارد قبل الحرب التي شنت عليه عام 2007، لكنّ الحال تبدّل تماماً، فأصبح مشرّداً يبحث عن مأوى له ولعائلته المكوّنة من خمسة أفراد، حتى استقرَّ به المطاف في مخيّم البداوي، سنتان مليئتان بالحسرة وخيبات الأمل عاشها سليمان إلى أن عرضت عليه "أونروا" اتفّاقاً بالسكن في البركسات التي أنشأتها في مخيم نهر البارد مؤقتًا حتى العودة بأسرع وقت إلى بيته الذي دمرته آلة الحرب.

في العام 2009 بدأت رحلة العذاب الثانية.. السكن المؤقّت البديل امتدّ إلى اثني عشر عاماً، والمدّة ربّما تطول بما أنّ الوعود التي قُطعَت سابقًا ما زالت إلى الآن حبراً على ورق، ووضع البركسات في تراجعٍ مستمر، ووكالة "أونروا" وفق خلف أهملتهم وقلّصت خدماتها إلى أن أصبحت شبه معدومة، المياه مالحة غير صالحة للاستخدام، والبيوت الملاصقة لبعضها البعض لا ترى النور ولا حتى الكهرباء، فيما شبكات الصرف الصحي معطّلة ومكشوفة، وأقسى أنواع المعاناة التي يتكبّدها لاجئو البركسات هو تركهم عرضةً للكلاب "الداشرة" التي وجدت استقرارها هناك، كيف لا والبركسات التي تركها أهلها أصبحت بلا أبواب أو نوافذ، يضيف خلف.

WhatsApp Image 2021-07-07 at 8.46.55 PM.jpeg

WhatsApp Image 2021-07-07 at 8.46.55 PM (1).jpeg


السبب الرئيسي للاحتجاج

ولعلّ هذا السبب هو أبرز ما دفع الأهالي للاحتجاج الأخير، يخبرنا سليمان الواقعة: "بعدما أقدم موظف الأونروا عمر وهبي والمتعهد خالد البشر على إزالة أبواب ونوافذ البركسات الفارغة التي كانت تسكنها عائلة الجندي والتي استلمت بيوتها المعاد إعمارها في المخيم القديم، لتصبح هذه البركسات مأوىً للكلاب، يقول خلف: "خطوة البِشر كانت خاطئة وهي ما أغضبتنا، فكان بإمكانه تلحيم الأبواب كي لا تكون هي ومحتويات البركس عرضةً للسرقة من قبل تجار الخردة، لكن تصرّفه اللا إنساني هذا، وعدم مبالاته بالخطر الذي سيلحق بنا هو ما دفعنا للاعتراض وللعودة للتأكيد على موقفنا الثابت الذي لن يتغير، خروجنا من هنا سيكون فقط إلى بيوتنا التي هجّرنا منها عام ٢٠٠٧، وإلى حين ذلك من حقّنا كشعب فلسطيني معنيّة به وكالة أونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية أن تقوما بمسؤولياتهما تجاهه وتؤمّنا له حياةً كريمةً".

أيّ حديث عن إعطائنا ٥٠$ لنستأجر بيتًا خارج البركس هو مرفوض

ويشير خلف إلى أنّه منذ فترة جاء مندوبٌ من قبل "أونروا" واطّلع على أوضاعهم، وحينها قرر أن البركسات غير صالحة للسكن "نحن نعرف أنها غير صالحة ومع ذلك نعيشُ بها لكن إصرارنا على البقاء لا يعني أن نُترك بدون رعاية واهتمام، نحن طالبنا المندوب بتحسين ظروفنا والضغط على الوكالة لتقديم خدماتها لنا، والإسراع في إعمار بيوتنا التي هي من حقّنا".

ويتابع، " بيني وبين عائلات البركس هنا أوراق موقّعة من أونروا بأن وجهتنا بعد البركس ستكون فقط إلى بيوتنا في الشارع القديم بمخيم نهر البارد، وغير ذلك هو مرفوصٌ جملة وتفصيلاأ، وأيّ حديث عن إعطائنا ٥٠$ لنستأجر بيتًا خارج البركس هو مرفوض"، ويدعو خلف وكالة "أونروا" بإعطاء هذا المال لأصحاب البيوت المؤجّرة والذين يطالبون ببدل أجرة منذ سنوات والوكالة لا تنصت لهم!

 ويعتبر خلف أن هناك اتفاقاً بين الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية ومنظمة التحرير و"أونروا" بإخلاء المجمّعات، واصفاً ذلك بأنها خطّة مدروسة "حتمًا ليست لصالحنا، وبدل الايجار التي تتحدث عنه أونروا ستتراجع عنه كما باقي العهود، فنخرج نحن بلا مأوى وملفنا يُغلق إلى الأبد".

 ويصف خلف مخيم نهر البارد بعد الحرب بـ"كنز علي بابا" الجميع يريد أن يربح ويستثمر فيه، والمال الذي وصله ويصله مقسّم على ثلاث محاور هي: (الدولة اللبنانية ووكالة اونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية)، ويقول هذه المحاور قضت على مستقبل أهالي نهر البارد.

ظنّوا أنها خطوة لطردهم بالقوّة وهذا عكس الواقع

  أمين سرّ اللجنة الشعبية في المخيم يعقب على الاعتصام الذي نفذه أهالي البركسات بالقول: إن عدداً من الأشخاص قدموا إلى مكتب اللجنة غاضبين،فطُلب منهم الهدوء والتريّث لفهم مطالبهم ومشكلتهم، وبقي اثنان من المحتجّين للتفاهم مع أعضاء اللجنة.

 ووفق موسى فقد شاهد أصحاب البركسات متعهدَ بناء يزيل شبابيك أحد المنازل التي غادرها أصحابُها، فظنّوا أنها خطوة لطردهم بالقوّة وهذا عكس الواقع!‏.

وأوضح موسى أنّ من حقّ المتعهد أخذ كافّة أغراضه الموجودة في البيت كالنوافذ والأسلكة الكهربائية والأدوات الصحية خوفًا من السرقة، لكن ممنوع الهدم وفق اتفاق مبرمٍ بين المتعهّد واللجنة الشعبية ووكالة "أونروا".

وأشار إلى أنه بإمكان كل عائلة تسكن بالبركسات الاختيار بين البقاء في مكانها إو إستئجار منزلٍ آخر مقابل ٥٠$ مقدّمة من "أونروا" لحين إعمار منزله المدمّر، لكن ما يثير قلق الناس وفق موسى ويمنعهم من مغادرة البركسات هو تخوفهم من إخلال الوكالة بالاتفاق بعد بضعة أشهر وتوقّفها عن دفع إيجار البيوت.

"أونروا" تتحجج بأن البركسات غير صالحة للسكن والواقع أنها توفّر على نفسها دفع 25 ألف $ سنوياً 

من جهته، يقول محمد أبو قاسم مسؤول الحراك الفلسطيني في مخيم نهر البارد:  إنّ أصحاب البركسات الموزّعين على ثلاث مناطق مطلبهم واضح وهم ليسوا ضد المغادرة شرط المغادرة بكرامتهم، لكن بحسب أبو قاسم فإن "ّأونروا" تتحجج بمسألة أن البركسات غير صالحة للسكن،والواقع هو أنّ الوكالة بإخلائها للبركسات توفّر على نفسها دفع ٢٥٠٠٠$ سنويًّا  بدل إيجار للأرض إضافةً إلى توفير ثمن الكهرباء والاشتراكات والتصليحات وغيرها من الأمور التي يحتاجها أصحاب البركسات.

أمّا الأمر الآخر، يضيف أبو قاسم " العقد ينتهي في العام ٢٠٢٣ والوكالة تطلب من الناس مغادرة منازلها خلال أيام، وبعد عقد جلسة مع الأهالي طلبوا منّا نقطتين الأولى إعطاؤهم مهلة ثلاث شهور إلى حين إيجاد بيوتٍ بديلة خصوصا أن هناك أزمة إيجار في المخيم، ومن غيرالممكن تأمين خمسين منزلاً لخمسين عائلة في وقتٍ واحد، والنقطة الثانية هي أنّ الوكالة تعتبر بعض العائلات غير شرعية (التي لا تمتلك بيتاً في المخيم القديم من نهر البارد) في حين نحن كحراك نرى أنّ هذه الفئة من شعبنا لا يمكن رميها بالطريق وإذلالها وإخراجها بدون مقابل".

وطالب أبو قاسم منح تلك العائلات مبلغ قدره ٣٠٠$ لمرةٍ واحدة لتأمين منزل بديل وتدبير أمورهم، خصوصاً أنّ تلك العائلات تعيش ظروفًا اقتصادية صعبة للغاية وتعتاش على العمل اليومي.

WhatsApp Image 2021-07-07 at 8.46.51 PM.jpeg

 ووفق الخبراء فإن البركسات لا تصلح للسكن الآدمي، ففي فصل الصيف تكون أفراناً حامية، وفي الشتاء تكون أشبه بالبرادات.

كل هذا وسط غياب وسائل التبريد والتدفئة المطلوبة، وتجاهل المعنيين، إضافةً إلى انتشار بعض الأمراض بين اللاجئين نتيجة تكدس الغرف على بعضها البعض، ولأنها في الأصل أنشئت لتكون صالحة لإيواء النازحين ثلاث سنوات فقط، لكن التأخر في عجلة الإعمار حال دون ذلك، وما زال اللاجئون الفلسطينيون فيها منذ 14 عاماً.

وقد أنشأت وكالة "أونروا" تلك البركسات كبيوت مؤقتة الى حين عودة أهالي مخيم نهر البارد الى منازلهم التي دمرت صيف عام 2007 بعد حرب دامية دارت رحاها بين عناصر تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني.

ولا يزال أهالي مخيم نهر البارد يناشدون الدول المانحة والأمم المتحدة و"أونروا" لتحمل مسؤولياتهم وبذل المزيد من الجهود من أجل إنهاء معاناتهم ومنحهم حقوقهم الإنسانية، معتبرين أن الأونروا لم تنصفهم على الرغم من الأموال الممنوحة من الدول العربية والأوروبية.

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد