أكَّد المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني اليوم الثلاثاء 16 نوفمبر/ تشرين ثاني، أنّ اليأس والغضب يغليان في المُخيّمات الفلسطينيّة في كافة أماكن عمليات وكالة الغوث، وهذا في وقتٍ تعاني فيه الوكالة من هجماتٍ سياسيّة شرسة ومتلاحقة.

ولفت لازاريني خلال كلمته في مؤتمر المانحين الدولي في بروكسل، إلى الرؤية الطموحة التي تسعى "أونروا" للوصول إليها وهي تقديم الخدمات للاجئين بما يتماشى مع العصر وبحيث لا يتخلف أي لاجئ فلسطيني عن الركب، وبحيث ستضمن هذه الرؤية للاجئين الفلسطينيين ألا يفوتهم قطار التحوّل الرقمي العالمي، وهذا يعني تطوير محو الأمية الرقمية بالشكل الذي يسمح للأطفال والشباب بالانخراط الكامل في الثورة التكنولوجية التي نشهدها اليوم، لذلك نحن نريد أن يذهب العديد من اللاجئين الفلسطينيين الشباب الآخرين من "أونروا" إلى وكالة ناسا، وإلى البحوث الطبية، أو إلى أيّة فكرة ريادية مبتكرة توسع حدود الإمكانات البشرية، ونريد أيضاً أن نبني على استجابتنا لجائحة "كورونا"، ونريد توسيع استخدام الأدوات الرقمية لاستكمال وإثراء الخدمات المقدمة وجهاً لوجه، وبهذه الطريقة ستكون الخدمات الصحية، أكثر أماناً وأسرع ويصبح الوصول إليها أسهل من خلال المنصات الرقمية.

وتابع لازرني: هذا يعني كسر الحواجز في جميع أنحاء الوكالة لتلبية الاحتياجات المحددة بشكل أفضل، وبالتحديد تلك المتعلقة بالصحة النفسية والإعاقة والعنف الجنسي، والتحديث يدفع جهودنا للبحث عن علاقات تمويل جديدة، ويشكّل ركيزة لطموحاتنا وجهودنا الرقمية في حشد التمويل لتوسيع قاعدة المانحين لدينا من خلال المؤسسات المالية العالمية والإقليمية والقطاع الخاص وبنوك التنمية.

وشدّد لازاريني على أنّ التهديدات المالية والسياسية ذات الطابع الوجودي بحق تعمل ضد هذه الرؤية، وإذا لم تعالج هذه التهديدات بشكل حاسم، فإنها ستخلق فراغاً وكارثة إنسانية لا تستطيع هذه المنطقة تحمل تبعاتها، لأنّ الخدمات التي تقدمها "أونروا" تمكّن اللاجئين من إنجاز أشياء رائعة، على الرغم من التحديات التي يواجهونها، وهذه الإنجازات معروفة وتحظى بالاعتراف على نطاق واسع، ومع ذلك، فإن الدعم السياسي شبه الإجماعي لولاية "أونروا" لا يترجم إلى دعم تمويلي يتناسب معه، فقد ركدت الموارد منذ عام 2013، بينما عانت المنطقة من أزمات ضخمة متعددة، وازدادت احتياجات "أونروا" وارتفعت التوقعات منها، في المقابل ازدادت الأزمات المالية في تواترها وشدتها، وهذه الأزمات تتسبب في ضائقة شديدة الوطأة بين اللاجئين والموظفين وهي تغذي شعوراً عميقاً بأن المجتمع الدولي يتخلى عنهم.

ولفت لازاريني إلى أنّ اليأس والغضب يغليان في المُخيّمات، وفي نهاية العام الماضي، تفادت "أونروا" بالكاد حدوث انهيار مالي، وفي الوقت الذي نجتمع فيه اليوم، أواجه نفس حالة عدم اليقين، إذ أنني لا أعرف ما إذا كانت "أونروا" ستتلقى تمويلاً كافياً للمحافظة على استمرار جميع الخدمات في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر.

وقال لازاريني إنّ عمليات "أونروا" بأكملها معرضة للخطر، ويتساءل ما يقرب من 400,000 لاجئ فلسطيني متى سيتلقون مساعداتهم النقدية التي لا يستطيعون تدبر أمور حياتهم بدونها، ومراكزنا الصحية غير قادرة على تعبئة مخزونها من الأدوية، وفواتير الإنترنت والكهرباء غير المدفوعة تخاطر بتقويض قدرتنا الأساسية على العمل، لذلك يجب على موظفينا التعامل مع تجميد استحقاقاتهم وتأخير رواتبهم بينما يُطلب منهم مواصلة عملهم، وأؤكّد أنّه سيكون للفشل في الحفاظ على الخدمات تأثير كبير على اللاجئين، وسيترك أكثر من مليوني لاجئ من الفقراء والمتضررين من النزاعات دون مساعدات غذائية ونقدية، وسيفقد أكثر من نصف مليون فتاة وفتى حقهم في التعليم، وسيتوقف تعميم التطعيم ضد كوفيد-19 ونحن في خضم الجائحة، وستتوقف رعاية الأم والطفل.

وبيّن لازاريني أنّه يمكن الحفاظ على عمليات "أونروا" التي تشكل شريان حياة للاجئين الفلسطينيين، بتوفير 800 مليون دولار أمريكي كحد أدنى سنوياً، لعدة سنوات مقبلة، مع مراعاة النمو الطبيعي السنوي المتوقع، داعياً إلى ضخ رأس مال لمرة واحدة بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لإعادة "أونروا" وطواقمها إلى كامل قدراتهم، ولقد استنفذت تدابير التقشف وخفض التكاليف أصولنا وخفضت القوى العاملة لدينا إلى الحد الأدنى وهذا له تأثير شديد على تقديمنا للخدمات، فجودة التعلم ليست هي نفسها عندما يكون في الغرفة الصفية الواحدة 25 طفلاً أو ما يصل إلى 50 طفلاً، والخدمات الصحية ليست هي نفسها عندما لا تستمر الاستشارة بين الطبيب والمريض لأكثر من ثلاث دقائق، ومعظم أصول تكنولوجيا المعلومات لدينا عفا عليها الزمن.

وأشار لازاريني إلى أنّ هذه التهديدات المالية ترتبط بشكلٍ وثيق بالهجمات السياسية الشرسة والمتكررة بتزايد التي تواجهها "أونروا"، ونحن بحاجة إلى معالجة هذه الهجمات على حقيقتها فهدفها محو حقوق أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجل على النحو الذي ينص عليه القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وذلك من خلال إضعاف الوكالة باتهامات لا أساس لها من الصحة بالتسييس والتحريض، وهذا أمر ساذج وخطير على السواء.

وشدّد على أنّ "أونروا" لا تتسامح مطلقاً مع أية كلمة أو عمل يسعى إلى نشر الكراهية أو التمييز أو العنف تجاه أي فرد أو شعب أو بلد آخر، ولكن لا يمكن أن يخلو الأمر من المخاطرة تماماً عندما تعمل في سياق أطول صراع غير محلول حتى الآن، وفي بيئة مقسمة وانفعالية للغاية، ولا توجد أي وكالة تستثمر أكثر من "أونروا" في التخفيف من حدة هذه المخاطر، ومن المرجح أن تستمر هذه الهجمات، بل وتنمو في شراستها، مُؤكداً أنّ غياب أفق سياسي وإعياء المانحين ليس عذراً لتحويلنا بعيداً عن ضرورة حماية الفئات الأشد ضعفاً.

وطالب لازاريني الجميع بالاتفاق على الحاجة لضمان قدرة كل لاجئ، أينما كان يعيش، على الوصول إلى التعليم ليصبح مواطناً نشطا وإيجابياً في هذا العالم، وضرورة توفير رعاية الأمومة لأية لاجئة في أي مخيم في لبنان، وضرورة تقديم المساعدات الإنسانية لأسر اللاجئين المعوزين في غزة أو سوريا.

وشدّد على واقع واضح ولكنه مأساوي: لا أحد يريد أن يكون لاجئاً، من جيل إلى آخر، لذا نحتاج معاً إلى فعل المزيد لمواجهة هذه الهجمات، وفضح أجنداتها السياسية، وحماية اللاجئين الفلسطينيين من التأثير الخانق لهذه الهجمات، مُؤكداً أنّه إذا فشلنا في إيجاد حلول حقيقية الآن وفي المستقبل، فإن المؤسسة ستقفز قريباً جداً فوق حافة الهاوية، ومن شأن هذا أن يترك خلفه فراغاً غير مستقر، ولا توجد بيئة تحب الفراغ، إذ يمكن أن يظهر شيء آخر، شيء يمكن أن يكون له أثر دائم ونهائي على تطلعات اللاجئين الفلسطينيين وعلى المنطقة بشكل أعم.

وطالب لازاريني من جميع الأعضاء ترجمة الدعم السياسي إلى موارد لوكالة "أونروا" خاضعة للتنبؤ وكافية ومستدامة، حيث سيضمن الدعم استمرار "أونروا" في أن تكون شريان الحياة الموثوق والذي لا بديل له للاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم.

متابعات/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد