كيلو متراً مربعاً واحد هي الحدود الجغرافية المسموح للاجئ الفلسطيني نادر خليفة التنقل بها، وهي مساحة مخيم عين الحلوة حيث يقطن، فهو مجبر على عدم الخروج منه لدواعي أمنية منذ أكثر من عشرين عاماً، أما الحدود الإبداعية فلا أفق لها لديه، كونه يعتبر أن التحديات والصعاب تجعل للإبداع طعماً آخر. 

ابن السابعة والأربعين عاماً لا حدود لإبداعه في مجال الصناعة، فقد نجح في تصميم آلة إيطالية لتحميص القهوة تدعى "بترنشيني"  بمبلغ 6 آلاف دولار أمريكي، مقارنة بسعرها الأساسي الذي يتعدى أكثر من 40 ألف دولار.

علاوة على أن الآلة مكونة من قطع "خردة" قديمة مجمعة سوياً، إلا أنها صنعت بحرفية عالية، أشاد كبار المعلمين الصناعيين في لبنان بنجاحها ومطابقتها للآلة الإيطالية الأصلية.

انتهى خليفة من صناعة آلة القهوة قبل ثمانية أشهر بعد أن استغرق تنفيذها مدة ثلاثة أشهر بإمكانيات متواضعة، إلا أنها نجحت في تحميص ما يقارب 30 طناً من البن.

ارتفعت أسعار الآلات بشكل كبير ففكر بصنع آلته الخاصة

يقول نادر خليفة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إن لديه معمل قهوة في مخيم عين الحلوة، وبعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ارتفعت أسعار الآلات بشكل كبير، من هنا فكر بصناعة آلة خاصة لصنع القهوة كونه اختصاصي فني كهرباء مصاعد وسلالم كهربائية، وتعلم الخراطة أيضاً.

بدأت الفكرة لدى خليفة من مولدة كهرباء مكسورة، أخذ الغطاء الخاص بها من الخردة لأن تكلفتها جداً مرتفعة لو ود شراءه، وبدأ يطور في مكوناته لذا اشترى أحجاراً نارية ومعادن، جميعها كانت مستعملة بدأ يجدد ويعيد تصنيعها من جديد، لتكون مكونات الآلة الخاصة به شبيهة بالإيطالية من ناحية مقاسات الحديد وتمديده الأنابيب الحرارية.

"بعد سماع شهادة كبار المعلمين الصناعيين بنجاح آلة تحميص القهوة ومطابقتها الإيطالية انتابني شعور غير طبيعي، وزادت ثقتي بنفسي"، بحسب خليفة.

 

WhatsApp Image 2021-11-17 at 3.48.58 PM.jpeg


 

WhatsApp Image 2021-11-17 at 3.40.08 PM.jpeg


 

يصنع القهوة لما يقارب 80% من المحال في المخيم و20% لأصحاب المحال في صيدا

آلة تحميص القهوة ليست ولادة خليفة الأولى، إنما سبقها صناعة فلسطينية سميت بـ "بن جود"، مصدرها حي الزيب في مخيم عين الحلوة حيث يقع معمله، إلا أنها اخترقت حدود المخيم لتصل إلى إحدى دول الخليج حيث صدّر أكثر من طن ونصف الطن من قهوته الخاصة على ثلاث دفعات.

يؤكد خليفة أن البن الذي يصنعه هو صناعة مسجلة بغرفة التجارة اللبنانية، وله سجل تجاري وتاريخ إنتاج وهو قانوني مئة في المئة، وبعدما  أرسل عينات من البن مع أقاربه إلى الخارج وأحب التجار طعمتها وطلبوا التعامل معه.

ويتابع: ما قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان كنا ندفع ثمن شحن البن في الطائرة على كل كيلو 1.92 $،  بالتالي كان الطن يكلف ثمنه 1920 دولاراً أمريكياً، لكن حين اشتدت الأزمة وارتفعت الأسعار اختلف الوضع بشكل تام.  

ويرى أنه حين يختلف السعر يصبح التاجر غير قادر على منافسة الأصناف التي تأتي من تركيا ومصر والأردن وقطر. من هنا اكتفى خليفة بصناعته الخاصة داخل مخيم عين الحلوة، فهو يحمص القهوة لما يقارب 80% من محال القهوة في المخيم، و20% لأصحاب المحال في صيدا.

معمله كامل من جميع النواحي الفنية والصناعية، حيث يأتيه التجار بأكياس القهوة النية ويحمصها لهم، كما لديه آلة سحب الهواء من الأكياس، إضافة لآلة لوضع التواريخ وتغليف الأكياس بشكل مطابق للمواصفات".

اليد العاملة الشابة المتكاملة من جميع الاختصاصات تستطيع أن تصنع الكثير للمخيم

يفكر خليفة بصناعة جديدة يستفاد منها أبناء مخيمه عين الحلوة، وهي عبارة عن مشروع توليد كهرباء من  المياه، ورغم أنه تلقى عروضاً من جهات معينة بدعم المشروع مالياً، إلا أنه رفض ذلك كونه يريد تنفيذ المشروع بجهده وماله الخاص دون شروط من أحد.

يحلم بأن يجمع فريقاً فنياً في مخيم عين الحلوة مؤلفاً من مهندسي كهرباء وميكانيك والكترونيات، معتبراً أن اليد العاملة الشابة المتكاملة من جميع الاختصاصات تستطيع أن تصنع الكثير للمخيم. بالتالي "يمكن تقديم دراسة جدوى للأمور التي عليها طلب من أبناء المخيم ، وتعمل الجهات المهتمة به على تمويله دون شروط".

المخيمات الفلسطينية في لبنان تفيض بالطاقات البشرية الشبابية التي أخفى معالمها الإبداعية شبح البطالة بعد أن استفحل بصفوف 80% من اللاجئين.

وتبقى بارقة الأمل الوحيدة تتمثل بأيادي تمد العون لمشروع شبابي جماعي يصوب الجهود نحو خدمة مخيمات اللجوء قبل انفجار اجتماعي محتم في بلد قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد