يدخل فصل الشتاء هذا العام ثقيلاً على اللاجئين الفلسطينيين -كما كل عام- إذ يبدأ غالبيّة اللاجئين في المُخيّمات بترميم منازلهم وتمكين أسقفها وجدرانها وإغلاق الثقوب حتى لا تتسرّب مياه الأمطار إلى داخل هذه المنازل القديمة التي مضى على بنائها عشرات السنين.

ومنذ إنشاء هذه المُخيّمات لإيواء اللاجئين من قِبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إبان النكبة الفلسطينيّة عام 1948، لم تقم الوكالة بترميم أو صيانة هذه المنازل إلا من خلال ما توفّر لها من مشاريع دولية مموّلة، ولكن بصورةٍ غير دوريّة، وهذا ما ينعكس على وضعها الذي يزداد سوءاً خاصّة في فصل الشتاء.

في الآونة الأخيرة خرجت عدد من المناشدات خاصّة في مُخيّمي الأمعري جنوب رام الله، وقلنديا شمال مدينة القدس المحتلة، تدعو الجهات المختصة كافة لضرورة التدخّل وترميم البيوت المتهالكة خاصّة مع دخول الشتاء.

جزء كبير من بيوت المُخيّمات تتعرّض إلى الغرق بسبب اهتراء شبكات الصرف الصحي

يقول رئيس اللجنة الشعبيّة لخدمات مُخيّم الأمعري "طه البس" لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ المُخيّم يحتاج لإعادة تأهيل سريع وعاجل خاصّة مع دخول فصل الشتاء، والوضع في المُخيّم صعب للغاية خاصّة إذا أدركنا أنّ جزءًا كبيراً من البيوت المأهولة بالسكّان داخل المُخيّم بحاجة إلى إعادة تأهيل وترميم في ظل أنّ بعضها مضى على بنائه فترات طويلة والبعض الآخر مبنياً بشكلٍ غير هندسي، عوضاً عن حالة الازدحام وتلاصق الأبنية ببعضها البعض.

ويوضّح البس: أنّ منازل المُخيّم تُعاني من ارتفاع نسبة الرطوبة ووجود العفن على جدرانها وخاصّة المنازل التي لا تدخلها أشعة الشمس، مُشيراً إلى أنّ شبكة الصرف الصحي وشبكات تصريف المياه هي أيضاً قديمة وبحاجة إلى إعادة تأهيل، لذلك جزء كبير من بيوت المُخيّمات تتعرّض إلى الغرق في فصل الشتاء بشكلٍ سنوي بسبب اهتراء شبكات الصرف الصحي التي تحتاج هي والشوارع إلى إعادة تأهيل حتى تستوعب التطوّر السكّاني الموجود لأنّ غالبيّة شبكات المُخيّمات مؤهّلة لتستوعب عدداً معيناً من اللاجئين.

ويشير إلى أنّه ومع ازدياد عدد اللاجئين في المُخيّم أصبحت شبكات المياه والصرف الصحي لا تلبي احتياجات الأعداد المهولة من السكّان، وهذا يدفع إلى تعرّض العديد من البيوت داخل المُخيّم إلى الغرق سنوياً، مُؤكداً أنّ مُخيّم الأمعري بالتحديد بحاجة ماسّة إلى ميزانيات ضخمة لإعادة ترميم من 140 إلى 160 منزلاً داخل المُخيّم، وجزء من هذه المنازل بحاجة إلى هدم كلي وإعادة بناء من جديد، وجزء منها بحاجة إلى ترميم كلي، وجزء آخر إلى ترميم جزئي.

ليس على اللاجئين تحمل مسؤوليات تقصير "أونروا"

ويلفت البس إلى أنّ كل هذه الأعمال سواء البناء أو الترميم مرهقة للغاية من ناحية توفير التمويل، واللجنة الشعبيّة ووفق إمكاناتها المحدودة عملت على إعادة ترميم حوالي 30 منزلاً كمرحلةٍ أولى، ومن ثم 20 منزلاً كمرحلةٍ ثانية قبيل دخول فصل الشتاء، مُبيناً أنّ اللجنة توجّهت بعدّة نداءات إلى لرئاسة السلطة الفلسطينيّة ووكالة "أونروا" والمؤسّسات غير الحكوميّة من أجل توفير التمويل اللازم لإنجاز مسألة الترميم، مؤكداً أنّ الأمور ما زلت صعبة، والآن يجري العمل على إعادة تأهيل بعض الشوارع الفرعية لإيقاف النزيف على الأقل في فصل الشتاء وضمان عدم دخول المياه إلى منازل اللاجئين، لكن المشكلة الأعظم هي أنّ هناك منازل وبأعدادٍ كبيرة تغرق خلال الشتاء بسبب أسقفها التي تتسرّب منها المياه إلى الداخل.

وبحسب البس فإن: وكالة "أونروا" تُعاني من ظروفٍ ماليّة قاهرة ولم تعد قادرة على استيعاب احتياجات اللاجئين، ولكنّنا نؤكّد أنّ كل هذه المشاكل هي من مسؤوليّة "أونروا" الأخلاقيّة والقانونيّة، والوكالة أيضاً بحاجة إلى جهةٍ رسميّة تتابع معها وتضغط عليها من أجل تلبية احتياجات اللاجئين،  والمطلوب من وكالة "أونروا" القيام بدورها على أكمل وجه لأنّ اللاجئ ليس من مسؤوليته تحمّل أعباء الأزمة المالية التي تُعاني منها الوكالة، وهذه المؤسّسة أنشئت لإغاثة وتشغيل اللاجئين وفق القرارات الدولية حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين.

يضيف أنّ وكالة الغوث ليست خصماً للاجئين بالمطلق، ولكن هناك سعي دوماً لأنّ تطوّر من خدماتها المقدّمة للاجئين، وفيما يتعلّق بدائرة شؤون اللاجئين، رأى أنّ المطلوب منها إعادة التفكير في الكثير من السياسيات وخاصّة في موضوع ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينيّة ووكالة "أونروا" للإيفاء بالتزاماتهما وتوفير الدعم المتواصل لمُخيّمات اللاجئين التي للأسف لا تأخذ حقّها بالشكل المطلوب.

بيوت آيلة للسقوط في مخيم قلنديا بسبب تقصير "أونروا"

مُخيّم قلنديا ليس ببعيدٍ عن هذه المعاناة، إذ يقول نائب رئيس اللجنة الشعبيّة في المُخيّم جمال لافي: إنّ هناك عدداً من البيوت في المُخيّم آيلة للسقوط بسبب التقصير الحقيقي لوكالة "أونروا" في متابعة مُخيّمات الضفة بشكلٍ عام، وتزداد معاناة سكّان هذه البيوت من اللاجئين في فصل الشتاء، وهناك شوارع تتأثّر خلال هطول الأمطار، ويُقال أنّنا على موعدٍ مع موسم شتاء غزيرٍ هذا العام، ولذلك نحذّر من الخطر المحدق بهذه البيوت ذات العدد الكبير.

ويُوضح لافي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ هذه البيوت مبنية منذ الخمسينات وهي غير مؤهّلة وبعضها غير مجهّز حتى للسكن، واللجنة الشعبيّة تعمل على ترميم هذه البيوت بمساعدة بسيطة من دائرة شؤون اللاجئين، مُؤكداً أنّ المطلوب من وكالة "أونروا" متابعة كل هذه البيوت والشوارع داخل المُخيّمات وخاصّة شبكة المياه المهترئة، وبالفعل هناك بيوت لا تصلها المياه سوى ليومٍ واحد خلال الأسبوع بفعل هذه الشبكات القديمة.

خطة غير مكتملة لمواجهة الكوارث في الشتاء

ويؤكد لافي أنّ المُخيّم بحاجة إلى متابعة حقيقيّة من وكالة "أونروا" لأنّها المسؤولة عن المُخيّمات واللاجئين، كما أنّ المطلوب من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة الاهتمام أكثر في المُخيّمات الفلسطينيّة لأنّ وضع المُخيّمات خاص ومعاناتها تكون كبيرة ليس كالمدن والقرى التي تتمتع بخدماتٍ أكثر بحكم وجود البلديات والمجالس المحليّة، وفي المُخيّمات هناك لجان شعبيّة ولكن هذه اللجان ميزانيتها محدودة جداً ولا تستطيع تلبية كل الاحتياجات.

وفي ظل التخوّفات من غرق بعض المنازل في فصل الشتاء داخل المُخيّم، يوضّح لافي أنّ اللجنة الشعبيّة وضعت خطّة طوارئ لهذا الجانب ولكن هذه الخطّة غير مكتملة لأنّ الإمكانيات المتوفّرة محدودة جداً، لذلك المطلوب من وكالة "أونروا" توفير كل المعدات والأجهزة الخاصّة للتعامل مع أي طارئ داخل المُخيّم، ومطلوب أيضاً توفير خطوط مجاري للشوارع، حيث أنّ وكالة "أونروا" ومنذ قرابة 20 عاماً لا تتابع هذه الأمور على الإطلاق.

يُشار إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين دائماً يُطالبون بضرورة تعزيز صمودهم من خلال توفير الخدمات كافّة، ذلك أنّ المُخيّمات الفلسطينيّة أكبر الشواهد الحقيقيّة والحيّة على نكبة الشعب الفلسطيني، وعلى جرائم الاحتلال بحقّه، إلى أن يعودوا إلى مدنهم وقراهم التي هجّرهم الاحتلال منها قسراً.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد