تعاني مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، من أزمة حادة في تأمين المياه، سواء تلك المستخدمة للأغراض المنزليّة أم الصالحة للشرب، بفعل الانقطاعات الطويلة للضخ، توازي انقطاعات الكهرباء التي بات تسجّل نحو 20 ساعة يوميّاً في سوريا، وخصوصاً في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين بمنطقة ريف دمشق حيث الكثافة السكّانيّة الأعلى مقارنة بمخيّمات بقية المناطق السوريّة.
محطات ضخّ مياه كثيرة في المخيّمات، بعضها تُدار من قبل البلديات التي تتبع بدورها لوزارة الإدارة والبيئة في حكومة النظام السوري، وأخرى تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وجميعها باتت خارج الخدمة بسبب الأعطال وبطؤ الصيانة، أو بسبب انقطاع الكهرباء.
مصاريف المياه تقضم نسب وازنة من المرتب الشهري
وحول الأزمة، يقول " وسام" ابن مخيّم جرمانا للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق، إنّها باتت تكلّف العائلات من ثلث إلى نصف مرتباتها الشهريّة. ويقيس اللاجئ الذي يعمل في محل بيع ملابس بمدينة جرمانا، إنّه يتقاضى أسبوعيّاً نحو 15 الف ليرة سوريّة اي ما يعادل 69 الف شهرياً، ويساهم في مصروف المنزل مع شقيقه ووالده، لتأمين مستلزمات المعيشة للأسرة التي تتكوّن من خمسة أفراد.
ويوضح، أنّ الخيار الوحيد للأهالي من أجل الحصول على المياه، هو شرائها عبر صهاريج البيع المتنقّلة، بسعر يتراوح بين 8 إلى 10 الاف ليرة سوريّة للخزّان سعة 5 براميل. مشيراً إلى أنّ العائلة الواحدة اذا اتبعت أعلى درجات التقنين في استهلاكها، فإنها تحتاج لتعئة خزاناتها 3 مرّات شهرياً على الأقل، إلى جانب ما يجيئ من مياه الضخّ الحكوميّة الشحيحة.
وحول المياه الحكوميّة، يؤكّد "وسام" أنّ ساعات الضخّ لا تتعدى 4 ساعات اسبوعياً ولا يستفيد منها كافة السكّان، نظراً لقلّة أوقات الضخّ التي لا تتعدّى ثلث ساعة يومياً، وفق قوله.
صعوبات يعيشها أبناء مخيّم جرمانا في تأمين المياه، بعد أن شحّت مصادرها الأخرى. ولفت الاجئ في عرضه للواقع المائي، أنّ الكثير من أبناء المخيّم من أصحاب الدخول المتدنيّة، يلجأون لتعبئة جالونات من المساجد والمناطق المجاورة، لتدبّر أمورهم.
رحلة طويلة للحصول على غالون مياه شرب
مشهد مشابه في مخيّم سبينة للاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق، يصفه اللاجئ " أبو جمعة بلاوني" الذي يخصص يومياً من أوقاته ليجول في البرد وتحت المطر، باحثاً عن مياه مجّانيّة، لتعبئة غالوني مياه سعة كل واحد منها 20 لتراً لزوم الشرب والطبخ وماشابه.
يسعى "بلاوني" لتوفير مبلغ الفي ليرة ثمن المياه المُباعة على نواصي الحارات، حيث تعمد بعض الدكاكين، على نصب خزّان لبيع مياه الشرب بأسعار مرتفعة، حيث وصل سعر 20 لترا منها الف ليرة سوريّة، بحجّة أنّها قادمة من مناطق بعيدة كأرياف الزبادي ومضايا وسواها، وهو ما يكذّبه قائلاً :" معظم المياه هي مياه بلدية، لا تصل إلى منازلنا ويبيعونا اياها بالصهاريج والجالونات."
ويشير اللاجئ إلى أنّ المعاناة مع المياه لا تخلف بين الصيف والشتاء " الأمطار غرقتنا ونحنا عطشانين" وفق تعبيره، حث أنّ المسألة باتت متعلقّة بالكهرباء شبه المعدومة، والانهيار الشامل للبنى التحتيّة وانعدام الصيانة لمحطات الضخّ، وتراجع الأجور يوماً بعد يوم.
ولايبدو في الأفق من حلّ قريب، سوى انهيارات معيشيّة أكبر للاجئين الفلسطينيين في سوريا، لن تنتهي مع حرمانهم من الماء الذي هو أهم مستلزمات العيش وأرخصها وأكثرها وفرة، فكيف ببقيّة المستلزمات المعيشيّة؟، حسبما يهجس اللاجئون.
واقع أسواً مرتقب
وارتفعت أسعار مياه الشرب، كما اسعار كافة السلع والمستلزمات والمحروقات، اثر رفع الدعم الجزئي، وانهيار قيمة العملة السوريّة المتواصل أمام الدولار، فيما يتحسس اللاجئون الفلسطينيون وكذلك المواطنين السوريين، مستقبلاً مائيّاً أكثر سوءاً، نظرا لربط كل شيء في البلد بأسعار المحروقات. وخصوصاً بعد قرارات رفع الدعم وتجريد شرائح " من غير المستحقين للدعم" بحسب قرار الحكومة الذي دخل حيّز التنفيذ يوم 2 شباط\ فبراير الجاري، من مفردات البطاقة الذكيّة، وهو ما قد يؤدي إلى رفع جديد لأسعار.
وهو ما ذهبت إليه وزيرة الاقتصاد في حكومة النظام السوري، لمياء عاصي، التي صرّحت عقب القرار لإعلام محلّي، وقالت إنّ القرار "سيؤدي إلى رفع أسعار حوامل الطاقة بأنواعها، وبالتالي زيادة تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي وتربية المواشي وغيرها".
كما أشارت عاصي، إلى ارتفاع كافة أسعار المواد الغذائية والسلع، نتيجة ارتفاع معدلات التضخّم، في الوقت الذي يعاني معظم الناس من ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم كفاية الدخل، حسبما أضافت.
يأتي ذلك، في وقت كشفت فيه، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا" بتقرير النداء الطارئ للعام 2020 الجاري، أنّ 82 % من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، يعيشون تحت مستوى خط الفقر، بدخل لا يتجاوز 1.9 دولار باليوم الواحد.
وتصاعدت منذ نهاية العام 2021 الفائت، حتى مطلع العام 2020 الجاري، مطالب اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، لجعل المعونة الماليّة شهريّة، واعتماد توزيعاً دورياّ للمعونات الغذائية والعينية، نظراً لكون مداخيل معظم اللاجئين الفلسطينيين، لا تغطي المعيار الدولي للفقر المطلق، بحسب معايير صندوق النقد الدولي، الموضوعة سنة 2016.، وهو ما أظهره تقرير سابق نشره "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".