السياسة الأوروبية المُدانة في التعامل مع اللاجئين من دول الجنوب والعالم الثالث، ليست منفردة، فما كشفته الأزمة الأوكرانية لم يقتصر على التمييز الهائل في التعامل الأوروبي بين اللاجئ الأوكراني "الأوروبي" واللاجئين من دول الجنوب، فحتى في الدول العربية أقرت عدد من النظم الحاكمة هذا الميزان المختل، وإن اختلفت الإجراءات المقرة من قبلها بهذا الشأن.

هذه النظم لم تنظر يوماً للمواطن العربي كإنسان ذي حقوق، وغالباً ما قدمت سردها عن تعطيل الحقوق متذرعة بخطاب تحقيري لشعوبها، وفي علاقاتها مع الدول المهيمنة على هذا العالم ترى هذه النظم ذاتَها في موقع أدنى، لا بالنظر لعلاقات القوة والثروة، ولكن بشكل أكثر عمقاً وأكثر تجذراً يشكل احتقار الذات العربية مكوناً أساسياً فيه.

الشاهد البارز الذي يظهره التعامل الرسمي العربي مع تداعيات الأزمة الأوكرانية، هو الترحيب والاستعداد لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، من قبل بعض النظم، وتقديم المساعدات المالية من نظم أخرى، في مقابل الصد والتحريض والإجراءات التعجيزية التي فرضتها معظم النظم العربية، ضد اللاجئين العرب الذين هجروا من فلسطين وسوريا والعراق في مراحل مختلفة، وهو ما يعكس تلك الدونية في تمثل الذات، والعدائية والاحتقار تجاه كل ما هو عربي، فليس سراً أن أوكرانيا ليست إحدى الدول المهيمنة في هذا العالم، ووزنها السياسي كما العسكري أو الاقتصادي ليس استثنائيا وكذلك علاقتها بهذه الدول، ولكن ما يحكم السلوك والقرارات التي تتخذها النظم العربية هو خشية مضمرة من كل إنسان عربي - اللاجئ الى دولها والمواطن الأصلي فيها-  والنظر إليه كمصدر تهديد، ونظرتها للإنسان العربي عموماً كعبء لا كمورد بشري يفوق في قيمته الموارد المالية بقدرته على صناعتها إذا ما وجد بيئة ملائمة، ذلك إلى جانب رغبة هذه النظم في مجاراة المزاج العام الدولي الذي صنعته الدول المهيمنة.

المعتاد أن المخاوف التي تتعلق بقدرة الدول على استيعاب اللاجئين، تتمثل في صعوبات الإدماج لمكونات سكانية ذات لغة وثقافة مختلفة وقادمة من بيئة تعليمية وأرضية وثقافة مهنية مغايرة، هذه الصعوبات يستهلك التغلب عليها موارد مالية وجهود كبيرة من منظومات استيعاب اللاجئين، كما تحفز الفوارق الثقافية بعض النزعات لدى المجموعات العنصرية والمتطرفة في البلدان المضيفة، لكن بالحالة العربية وتجاه اللاجئ العربي لا توجد مثل هذه الصعوبات، ولن تترتب على الدول المضيفة أعباء مماثلة، وغالباً ما ارتبط قدوم اللاجئين لهذه الدول بدفق مالي من المساعدات الدولية التي استفادت منها هذه الدول، بل وبالنظر لموجات اللجوء العربي الرئيسية، فقد ارتبطت هذه الموجات بقضايا حظيت بتعاطف كبير من الجماهير العربية، بل واستعداد من هذه الجماهير للتضحية في سبيل هذه القضايا، وتضامن واضح مع الأشقاء العرب الذين وقعت عليهم المعاناة ضمنها، ولكن وبوضوح شديد، هذه الحكومات في معظمها اختارت مخالفة الالتزام الإنساني بأبسط أشكاله، وتجاهل القانون الدولي والاتفاقات الدولية التي وقعتها وما تنص عليه بشأن اللاجئين ووجوب استقبالهم وحمايتهم،  وأرخت العنان لمخاوفها حين تعلق الأمر باللاجئ العربي.

إن حال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو السوريين أو أوضاع اللاجئين العراقيين في البلدان العربية، تمثل لائحة إدانة حقيقية لهذه الدول، واذا كان هذا النص أشار لازدواجية المعايير وتدنيها إنسانياً في نظرتها للاجئ العربي، فإن غرضه ليس بناء سياسة تمييزية أو مانعة تجاه اللاجئين من أي جنسية كانت، ولكن التذكير بوجوب التحرك لإزالة كل أشكال التمييز والقيود الموجهة ضد اللاجئين العرب، وإحداث تغيير جوهري في ظروف عيش اللاجئين على أراضي الدول العربية.

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد