تمر الذكرى 74 لنكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948، فيما لا تكف نكبة فلسطينيي سوريا عن مواصلة مفاعيلها السلبية على هذه الشريحة من اللاجئين الفلسطينيين، منذ أكثر من 10 سنوات، خالقة تحديات كبيرة على جودهم وهويتهم.
نكبة أخرى حلت بهم، عناوينها حاضرة في المخيمات، من نكبة مخيّم درعا وخان الشيح إلى حندرات، مروراً بأكبرها في مخيّم اليرموك، نظراً لحجم المخيّم الذي رمز له بعاصمة الشتات الفلسطيني، وهول ما حلّ به من نكبة متكاملة الأركان، سُردت أحداثها ومآسيها كما تُسرد قصص المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، من ناحية الوقع والتأثير والمُصاب، والمفاعيل المتواصلة.
ويستعمل مصطلح " النكبة" للدلالة على تشابه ما حصل لهذه الشريحة من اللاجئين، بما حصل مع آبائهم وأجدادهم إبان نكبة احتلال فلسطين عام 1948، من مفردات قتل واعتقال وتهجير، وللترابط بين النكبتين، بحيث لم تحصل الثانية لو كان الفلسطينيون في وطنهم.
هنا وجد الفلسطينيون في سوريا أنفسهم في "نكبة داخل نكبة" تواجههم فيها تحديات كبيرة تتعلّق بالبقاء والفاعلية، قد يشكّل فشلهم في مواجهتها انتصاراً للاحتلال، يراهن عليه في المستقبل للخلاص من أبرز مشكلة وجودية تواجه كيانه وهي مسألة اللاجئين.
فكتلة بشرية من الفلسطينيين تقدّر بـ 650 ألفاً قبل العام 2011، استقروا لعقود في مخيّمات، حافظوا فيها على هويتهم وحيويتها، وأنتجوا تراثاً ثقافياً ونضالياً أغنى الهوية الوطنية الفلسطينية المعاصرة، انتزعتها "النكبة الثانية" من استقرارها في سياقها النكبوي أساساً، ودفعت بجموع اللاجئين هذا إلى مختبرات المجهول، وبدؤوا من جديد في محاولات إنتاج أنفسهم، وجودهم وفاعليتهم، ضمن سياقاتهم الجغرافية والسياسية الجديدة.
عناوين متعددة وجد فلسطينيو سوريا أنفسهم تحت تعريفها، (لاجئ نازح) يشمل من دمرت مخيماتهم ونزحوا إلى منقطة أخرى داخل سوريا، و (لاجئ صابر) يقاسي ظروفاً معيشية وخدمية مأساوية في مخيمه ويتحدى من أجل البقاء، و(لاجئ مهجّر) خارج سوريا يواجه تحدي لملمة فلسطينيته وووضعها في سياق جديد مستقر وفاعل يمكن رصدها من خلال واقع من يعايشونها يومياً.
تحدي البقاء
المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني، أشار مؤخراً في كلمة له أمام "مؤتمر بروكسل السادس حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، إلى أنّ مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا "من ضمن مجتمعات اللاجئين الأشد عرضة للمخاطر في المنطقة. حيث نزح معظمهم مرة واحدة على الأقل، مثل العديد من السوريين، وتعرض اللاجئون الفلسطينيون للقتل والاحتجاز والاختفاء خلال الصراع الشاق."
توصيف لازاريني، يخفي خلفه تفاصيل كثيرة، تكشف بعضها أرقام "أونروا" ولا سيما نسب الفقر الذي يلف 90% من الفلسطينيين، من مجموع 438 ألف لاجئ فلسطيني بقوا في سوريا من أصل 650 الفاً قبل العام 2011، يشكّل الأطفال منهم قرابة 36%. و قرابة 40% منهم نازحون داخلياً.
أرقام تعكس تفاقماً تدريجياً لسوء الأوضاع المعيشيّة للفلسطينيين في سوريا عاماً بعد عام، منذ بدء الأحداث السوريّة عام 2011 وانعكاسها على المخيّمات وأوضاع الفلسطينيين كما السوريين، ليصل الحال بالكثير منهم، للاعتماد على وجبة غذاء واحدة في اليوم، يوفرها لهم مبلغ أقل من دولارين يومياً كحد أعلى معيشي، حسب "أونروا" ذاتها، التي لا تكف عن إطلاق النداءات الدولية، نظراً للحاجات المتزايدة للإغاثة، التي تفرضها ظروف الانهيار الاقتصادي المتسارع في سوريا، كما لا تكف عن تقليص خدماتها وتقديماتها.
التفكير بالهجرة يحتل أذهان الصغار والكبار من الفلسطينيين في سوريا خاصة النازحين
الحال هذه ترقى إلى مستوى التهديد الوجودي لـ 40% النازحين، كحالة لجوء "مستقرة" في سوريا، فلا تفكير لدى غالبيتهم سوى بالهجرة، خصوصاً مع تضاؤل الآمال بإمكانية عودتهم إلى مخيماتهم المدمَّرة، وذلك لاستمرار حالة التدمير وانعدام آفاق إعادة الإعمار وغلاء تكاليفه، والإجراءات غير المتعاونة سواء من حكومة النظام السوري أم من الوكالة ذاتها، التي لم تطرح أي دعم يتعلق بإعادة الإعمار، ولم تقم بخطوة وازنة حيال تأهيل منشآتها ولا سيما في مخيم اليرموك حيث ترجع إليه النسبة الأكبر من النازحين.
ما ورد أعلاه، إفادة مباشرة من اللاجئة النازحة عن اليرموك "أم عمار عودة" والمقيمة في منطقة قدسيّا بضواحي العاصمة دمشق، التي صارت تضم تجمّعاً وازناً من النازحين، و طلبت التعريف عن نفسها باسم أوّل مستعار، وتؤكد لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ التفكير بالهجرة يحتل أذهان الصغار والكبار من الفلسطينيين في سوريا.
تعمل "عودة" معلّمة في المنازل لطلاب المرحلة الإعدادية، وتُساعد زوجها الموظف الحكومي، بإعالة أسرتهم المكونة من 4 أبناء في سن المدارس، تقول: إنّ تفكيرها بمستقبل أبنائها يجلب معه التفكير بالهجرة بشكل تلقائي، فلا يمكن تصوّر مستقبل أفضل في هذا البلد، حسب وصفها.
تضيف عودة: إنّ الهجرة صعبة من ناحية عدم سهولة توفرها وتوفر تكاليفها وضمان نتائجها، كما أن البقاء تضيق ممكناته كلما كبر أبناؤها وكبرت احتياجاتهم، في ظل تدهور متواصل للأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وانعدام الخدمات التدريجي في سوريا، وتقلص فرص العمل المتواصل وضعف القدرة الشرائية للأهالي.
وتوضّح، أنّ عملها مرتبط بقدرة الأهالي على دفع أجرة الدروس الخصوصية، إلا أنها أحيانا تحظى بفرصة استلام طالب من أسرة مرتاحة مادياً، فينتظم الدفع لها بما يعينها على المساهمة في مصاريف المنزل وأجرته وتكاليف الحياة.
عملها هذا رغم عدم مضمونيته، يوفر لها رافداً بحد أدنى من الاستقرار، نسبياً، فهي بيدها شيء ينتج دخلاً وكذلك زوجها، ولكن هناك من ليس لديه أيّة مقومات للصمود بعد تدمير مصادر رزقه في المخيم، ويذهب نحو أخطر خيارات للهجرة. حسبما أشارت.
ضعف أمل العودة للمخيم
ولعلّ أحد أبرز العوامل التي تدفع شريحة النازحين للتفكير بالهجرة، هو الضعف الكبير في آمالهم بعودتهم إلى مخيماتهم، وهو ما تؤكده "عودة" وتقول: إنّه في حال بدأ العمل جدياً على إعادة إعمار مخيّم اليرموك وتأهيل البنى التحتية فيه ودعم الأهالي لإعادة تأهيل منازلهم، فلا حاجة وقتها بالنسبة لها إلى الهجرة.
وتشرح "عودة" التي تمتلك منزلاً دُمّر بشكل شبه كامل في اليرموك، أنّ "اللاجئ الفلسطيني لم يشعر يوماً بالاستقرار نظراً لكونه لاجئاً، حتى لو عومل كمواطن في مكان وجوده.
إلّا أنّ وجوده في منزل يملكه في المخيّم، يشعره بحدّ من الاستقرار المادي والمعنوي، بين أهله وأقاربه ويشعره بفلسطينيته، وهو ما تفضله بالنسبة لأبنائها، بأن يكبروا في بلد عربي قريب من فلسطين وبين أهلهم وناسهم إلى حين عودتهم إلى فلسطين، حسب قولها.
لعل في حالة اللاجئة "عودة" وأسرتها ملامح واضحة لتحدي البقاء في سوريا، الذي يواجه النازحين عن مخيماتهم، وارتباطه بعوامل الاستقرار المادي والمعنوي المفقودة إلى حدّ كبير، وارتباطها بحالة المخيّم، التي لم تبرز مؤشرات جديّة حتى اليوم، من قبل أية جهة لتوفيرها.
فلا خطط جديّة وشاملة لإعمار مخيّم اليرموك وتأهيل بناه التحتية، وتعويض ساكنيه. وما حُكي عنه وما يزال، عن موافقات للعودة والترميم، لم تعيد منذ العام 2018 سوى بضعة مئات، وبعضهم عاودوا الخروج، لعدم قدرتهم على العيش بين الأنقاض.
اللاجئ النازح "محمود" متزوج ولديه ابنان، و استحصل على موافقة عودة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 الفائت وفق الشروط المطروحة، ورمم منزله بتكاليف باهظة، إلّا أنّه لم يقوى على العيش فيه فعاد للإستئجار مع شقيقة في منطقة بستان الدور في دمشق.
يبدو أنّ عوامل الاستقرار كلما حاولنا أن نوفرها ونقترب منها تبتعد عنّا
يقول "محمود" لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ منزله الذي تعرّض للنهب الشامل وحفرت جدرانه، كلّفه كل مدخراته للترميم والتجهيز بالحد الأدنى من المستلزمات، واضطر في سبيل ذلك إلى طلب مساعدة مادية من أقارب له في الخارج، ليُؤهّله ويسكنه، ويعود لاستقراره دون الحاجة لاستنزاف دخله في دفع الإيجارات.
لكن محمود يقول: "يبدو أنّ عوامل الاستقرار كلما حاولنا أن نوفرها ونقترب منها تبتعد عنّا" فهولم يقوى على الاستمرار أكثر من شهر واحد في منزله، مع ارتفاع تكاليف العيش في المخيم نظراً لانعدام الخدمات، واضطراره إلى تكبد تكاليف تدفئة المنزل في الشتاء، وتأمينه بالمياه والكهرباء غير المدعومة، ومصاريف المواصلات، إلى جانب غياب المدارس المستوصفات والطرقات، والأهم الأمان والجيران والحياة الطبيعية.
يشير "محمود" إلى أنّ معظم العائدين إلى المخيّم، يضطرون لشراء المياه الصالحة للشرب، نظراً لكون العديد من الأحياء لا يغطيها خط المياه الوحيد الذي أعيد تأهيله، إضافة إلى توفير بدائل الكهرباء من بطاريات شحن وسواها لتوفير الإنارة، فضلاً عن تكاليف المواصلات ونقل الحاجيات إلى داخل المخيّم، وشحّ وسائل النقل وطلب السائقين لأجرة متضخمة للدخول إلى المخيّم.
يصف هذا اللاجئ الفلسطيني الشهر الذي أمضاه في المخيّم بعد تأهيل منزله، بأنه كان حياة بين الأنقاض واستنزافاً مادياً أكبر مما كان عليه خارجه، فهو بيئة عيش موحشة و مرعبة وخصوصاً للأطفال، ويفاقمها انعدام الأمان، واستمرار حملات اللصوص لسرقة المنازل والمقتنيات، ما دفعه لإفراغ محتويات المنزل ونقلها للسكن مع شقيقه في منزل مُستأجر، حيث تكاليف الحياة أقل، وبجودة أفضل نسبيّاً.
وفي هذا الصدد، تؤكد معطيات دائمة الورود من مخيّم اليرموك، على انسداد نسبي في أفق العودة، وهذا يدعمه مؤشرات ورد بعضها على لسان مدير عام "أونروا" في سوريا "أمانيا مايكل إيبي" الذي ربط إعادة إعمار الوكالة لمنشآتها الأساسية، بالتمويل، في حين أنها تعاني عجزاً كبيراً مزمناً في تمويل خدماتها الأساسية القائمة، والاحتياجات الطارئة المتزايدة للاجئين في سوريا.
في حين يصرّح المفوض العام للوكالة، أنّ "النقص السنوي في ميزانية البرامج الأساسية للوكالة يقترب بانتظام من 100 مليون دولار أمريكي على مدى السنوات الماضية"، وهو عجز لموازنة لا تتضمّن إعادة إعمار وتأهيل المراكز الخدمية المدمرة في سوريا، و التي يضعها اللاجئون في مقدمة مؤشرات بزوغ أفق عودة جديّة إلى المخيم في حال وجدت.
ما يعني أنّ الأمر مازال بعيداً عن برامج الوكالة على المدى المتوسط على الأقل وسط تسارع في نمو الحاجات وتعمّق الانهيار، ولا يوجد في جعبة النظام السوري، ولا منظمة التحرير الفلسطينية والجهات الرسمية الفلسطينية نوايا للتحرك، من قبيل الدعوات لمؤتمرات دولية لإعادة إعمار اليرموك وسواه من مخيمات مدمرّة، كحندرات في حلب ودرعا جنوبي سوريا اللذين يعانيان ذات معاناة اليرموك وأهله، ولم يسجّل سعي جديّ أو مؤشر نوايا في ذلك.
بيئة طاردة
كل ما سبق، يحتوي مفردات لواقع عام، يعيشه غالبية الفلسطينيين المتبقين في سوريا، بما فيهم "الصابرون في مخيّماتهم" التي لم يطلها التدمير المباشر، إنّما أفاضتها تبعات الحرب والانهيار، وأحالتها بؤر بوس حقيقية، من النواحي المعيشيّة والخدميّة، إلّا أنّ استمرارهم في منازلهم، يعزز قدرتهم على الصبر على البقاء، إلى حين مجيء الفرج، حسب تعبير "أبو رامي شحادة" من سكان مخيّم العائدين في حمص وسط سوريا.
يعيش "أبو رامي شحادة" في مخيّم يلفّه الفقر، فقد معظم شبانه في نزيف الهجرة القسريّة إلى خارج البلاد، التي ضربت مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا كما ضربت السوريين وبلغت ذروتها خلال الأعوام 2013 - 2016، لعوامل معروفة تتعلّق بالقمع والحرب والتدمير وانعدام الأمان.
يعتمد أبو رامي في إعالة أسرته المكوّنة من 4 أفراد، على ما يتقاضاه من تأجيره لمحل تجاري صغير يمتلكه، وما يتقاضاه من مرتب حكومي، بموجب وظيفته في إحدى المصالح الحكومية.
يقول شحادة: "لا سمح الله لو كان مخيّمنا قد دمّر لكنّا لا نعلم أين سنكون الآن" ويقارن بين وضعه وأوضاع المهجّرين والنازحين، ويحمد الله كثيراً، فيكفي بالنسبة له أنّه يعيش في منزله وملكه ومخيمه، ويعتبر ما يمر به الآن من ضيق، أمر يمكن تحملّه حتّى إلى الآن، لذلك لم يفكّر بعد في الهجرة، حسبما أضاف.
فتحدي البقاء في سوريا بالنسبة له، أقل قسوة من اللاجئ النازح، إلّا أنّ حاله لا ينطبق على كل الذين يعيشون استقرارهم السكني في مخيماتهم، فما يزال الفقر وانعدام الأمان على الذات والمستقبل، والكثير من العوامل كالخدمة الالزاميّة في جيش التحرير الفلسطيني، وبعض العوامل الأخرى.
وبمعزل عن صعوبة الهجرة في السنوات الأخيرة، مع تشديد دول الجوء الأوربية لإجراءاتها لمنع تدفق المزيد من اللاجئين، واعتماد سياسيات قاسية عند "دول الممرات" كاليونان وصربيا ودول أوروبا الشرقية التي تعتبر مداخل لدول اللجوء الأوروبية بالنسبة للمهاجرين، الّا أنّ التفكير بالهجرة طاغٍ، والبحث عنها والارتماء في خيارات الوصول الخطرة مازال متواصلاً.
ورغم عدم وجود أرقام إحصائيّة عن أعداد المهاجرين من سوريا خلال الأشهر والسنوات الفائتة وخصوصاً من الفلسطينيين، الّا أنّ النزيف يستمر، وهو ما نلحظه من خلال تسجيل أعداد متزايدة من "الفارّين" الذين تعيدهم السلطات اليونانية أو التركية وسواها، فيما تطغى أنباء الغرق والضحايا، على استمرار سقوط لاجين فلسطينيين ضحايا لطرق الهجرة، وآخرها كحدث مأساوي جماعي، قضاء 8 لاجئين فلسطينيين من سوريا بغرق مركب في بحر ايجه مطلع العام 2022 الجاري، خلال محاولتهم الوصول إلى دول اللجوء الأوروبيّة هرباً من الأوضاع الإنسانيّة والمعيشيّة المنهارة في سوريا.
فاعلية سياسية محدودة
فتحدي البقاء، والحفاظ على الوجود في ظل العوامل القاهرة، كما تشير لها المعطيات أعلاه، أفرز غياباً نسبياً للنشاط و الفاعلية السياسة والوطنية للاجئين الفلسطينيين.
و في ظل غياب مخيم اليرموك، الذي طالما اختزن الحراك الثقافي والسياسي والإعلامي وسواه لفلسطينيي سوريا، ماذا بقي من الوجود الفلسطيني كوجود هوياتي وسياسي؟
تقول اللاجئة الفلسطينية "أم عمار عودة: إن حالة النزوح عن المخيّمات، لا يمكنها بعثرة الفلسطينيين وتذويبهم، وتغييب طابعهم الفلسطيني الخاص، رغم اندماجهم مع السوريين وعدم وجود فوارق جوهرية بين الشعبين الفلسطيني والسوري من النواحي الثقافية والإثنية.
وتدلل على ذلك، بأن المنطقة التي تسكنها وهي ضاحية قدسيّا، والتي كانت في السابق تضم تجمعاً صغيراً لعوائل فلسطينية، تحوّلت اليوم إلى مركز تجمّع كبير نسبياً للفلسطينيين، بعد النزوح عن المخيّمات، وصارت أحياء في المنطقة يشار إليها بـ "مخيم الفلسطينيين" شعبياً، وتقول: "الفلسطينيون يتجمّعون مع بعضهم أينما حلّوا ولا خوف من تذويبهم."
الّا أنّ حالة الحفاظ على الهويّة لا تعني بالضرورة فاعلية سياسية، دون خلو الأمر من أنشطة فصائلية الطابع، ومضبوطة وفق إيقاعات المناخ السياسي والأمني لسوريا في ظل نظام الحكم، وغياب المبادرات السياسية والنشاطات المباشرة من قبل مجتمع اللاجئين أنفسهم، وهو ما نراه مختلفاً في حالة اللاجئ المهجّر إلى دول اللجوء الأوروبيّة على سبيل المثال.
لاجئ ويعيد
تقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين هاجروا من سوريا هرباً من الحرب والقمع والظروف القاهرة، قرابة 120 ألف لاجئ، وفق أرقام سُجّلت حتى العام 2019، قرابة 120 الف لاجئ، بين 50 إلى 70 ألفاً منهم، وصلوا إلى بلاد اللجوء الأوروبيّة، فيما توزع الباقون على دول الجوار.
"رياض سلّام" من أبناء مخيّم اليرموك، وصل إلى السويد عام 2013، وجرى استقباله في مخيم لجوء لمدّة عام كامل، قبل فرزه إلى منطقة في شمال البلاد، بعد إعطائه صفة لاجئ.
يقول رياض: استلمت بطاقة إقامة بصفة لاجئ في السويد، لتضاف إلى بطاقة الإقامة المؤقتة للاجئين الفلسطينيين التي كنت أحملها في سوريا، لتنطبق علي طرفة " لاجئ ويعيد".
حينها وجد سلّام نفسه في حالة إعادة تشكيل اجتماعي، في منطقة تخلو من العرب والفلسطينيين، مضطراً لأقلمة نفسه وفق معطياتها الاجتماعية والثقافية.
الميل للتجمع هو أول فعل سياسي يمارسه اللاجئون الفلسطينيون في المنفى
بيد أنّ حرصه على الحفاظ على احتكاكه بالفلسطينيين والعرب، وتربية طفله في أجواء تحتضن الهوية الفلسطينية دفعه للتوجه إلى مدينة مالمو حيث تقطن نسبة كبيرة من الفلسطينيين المهجرين من مخيم اليرموك، وأيضاً ممن هم موجودون في البلاد قبل الحرب في سوريا.
الميل للتجمّع، هو أوّل فعل سياسي يمارسه اللاجئون في المنفى وفق سلّام، الذي يوضح بأنّ هذا الفعل يناقض حلم الاحتلال بإنهاء الظاهرة الفلسطينية حول العالم.
يقطن هذا الشاب مع زوجته وطفله في منطقة تبرز فيها الهوية الفلسطينية لكثرة عدد الفلسطينيين، وتظهر فيها فاعلية فلسطينية ونشاطات في المناسبات الوطنية، إلى جانب الحراكات التي أسسها اللاجئون القدامى.
تحدي استدامة الفعل السياسي
ويتشابه الحال، في معظم دول اللجوء الأروبيّة، التي تضم حراكاً فلسطينياً سياسياً قديماً، قوامه لاجئون ومهاجرون قدامى وجاليات عمر بعضها أكثر من 40 عاماً، كما الحال في ألمانيا على سبيل المثال، إلّا أنّ انضمام اللاجئين حديثاً من سوريا زاد من حجم الحراك، وفق الناشط السياسي الفلسطيني السوري المهجّر إلى ألمانيا أحمد جبر.
إلّا أنّ حراكهم السياسي المرتبط بوطنهم الأم، لا يخلو من المشاكل والعقبات الذاتيّة، ويواجه تحدّياً بارز بأن يتحوّل إلى ديمومة مستدامة وفاعلة.
ويشير جبر لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ اللاجئين الجدد الذين قدموا بعد الثورة السوريّة، يشبه وضعهم بشكل من الأشكال، وضع اللاجئين القدامى من حيث اتخاذ فعلهم السياسي شكلَ ردّ الفعل.
ويوضح أنّ الحراك السياسي الفلسطيني في أوروبا، بقي كما كان معمولاً به قبل توافد الفلسطينيين من سوريا، من ناحية انتظار الحدث في فلسطين، ليمارس على أساسه أنشطة وفاعليات، وغياب كبير ومؤثر للعمل المنسق والدائم والمبرمج، غير أن زخم هذا الفعل ونتائجه اتخذت منحى تصاعدياً.
ويطرق جبر كمثال، ما شهدته مدن القارة الأوروبية، خلال الهبّة الشعبية الفلسطينية في أيّار/ مايو العام الفائت، من مظاهرات حاشدة، وقدرة كبيرة على تعبئة الرأي العام لصالح القضيّة الفلسطينة، بشكل غير مسبوق وخصوصاً في ألمانيا، في وقت كانت بالسابق محصورة بالجالية في برلين.
ينبه جبر لأهميّة تحرير الحراك السياسي الفلسطيني في أوروبا، والذي اكسبه اللاجئون الجدد زخماً كبيراً، من أسلوب "رد الفعل" إلى الوصول لصيغة عمل وبرنامج ورؤية، تضمن عملاً دائماً ومستداماً ومؤثراً، على مستوى الكتلة الضخمة، وليس على صعيد الأفراد.
وأكّد جبر، أنّ معطيات ومؤشرات كثيرة، تشير إلى أنّ هذه الكتلة البشرية الفلسطينية الضخمة، بالنهاية ممكن أن تفرز شيئاً جديداً، ولكن بدون محرضات، أي بدون تنظيم وبرنامج منظم، ستبقى خارج فاعلية مؤثرة بشكل مطلوب، فيما يعمل النشطاء والمنظمات بشكل فردي، ولا نرى إنتاجية واضحة، رغم أنهم يحققون بعض التأثير المقبول. حسبما أضاف