أدخلت السلطات التركيّة في الآونة الأخيرة بعض التعديلات الخاصّة بمنح تأشيرات الدخول إلى البلاد أو ما يُطلق عليها "الفيزا" والفيزا السياحيّة والإقامات للوافدين، إذ أصبح هناك نوع من الشروط والقيود عند منح أي نوعٍ من هذه التأشيرات أو الإقامات للأشخاص الوافدين إلى الأراضي التركيّة بغض النظر عن جنسيتهم.
بالتوازي، ورغم تعديل وتفعيل بعض القوانين، إلّا أنّ تركيا والسفر إليها محط اهتمام فئةٍ كبيرةٍ من الشباب الفلسطينيين في قطاع غزّة، حيث يفكّر المئات -إن لم يكن الآلاف- بالسفر إليها بأي طريقةٍ كانت، ومنهم من يعلم بتفاصيل هذه الرحلة الشاقة غير المضمونة النتائج، ومنهم من لا يعلم عنها شيئاً، فسنوات الحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاماً دفعت الكثيرين للسفر إمّا للعمل، أو من أجل أن تكون تركيا المحطّة الأولى ما قبل الهجرة إلى الدول الأوروبيّة بشتى الطرق قانونيّة كانت أم لا.
بدي أشتغل أي شيء
يقول الشاب نعيم حسين من حي الشيخ رضوان في غزّة: إنّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة في قطاع غزّة هي من دفعته للتفكير في السفر إلى تركيا، وبحسب تعبيره فإنّه يريد "العمل في أي شيء في تركيا" من أجل تحسين مستوى دخل عائلته التي تسكن بالإيجار منذ قرابة 20 عاماً.
في الآونة الأخيرة زاد تفكير نعيم بموضوع السفر إلى تركيا، خاصة بعد سفر الكثير من أصدقائي للعمل، ومن وإخبارهم له أنّهم بحالةٍ ميسورة نوعاً ما، ومنهم من نصحه بالسفر ومنهم من قال: أن يتروّى قبل اتخاذ القرار الذي سيُكلفه مبلغاً كبيراً من المال فقط لأغراض السفر، لكنّه أصبح متردداً إلى حدٍ ما بعد سماع التغييرات في بعض القوانين التركيّة بخصوص الشباب الجدد القادمين إلى تركيا.
القوانين لم تتغيّر بل أصبحت تطبّق بحذافيرها
بوابة اللاجئين الفلسطينيين تواصل مع السيّد أسامة البيرق وهو مدير شركة خدمات في تركيا، والذي أوضح عدّة أمورٍ هامّة بكل ما يتعلّق بالسفر إلى تركيا، وماهية التغييرات التي طرأت مُؤخراً على بعض القوانين التركيّة، إذ بيّن البيرق أنّ القوانين التركيّة كانت ولا زالت موجودة كما هي، ولكن السلطات كانت في أوقاتٍ سابقة تغض النظر عن تطبيق هذه القوانين بحذافيرها بسبب حاجة البلاد إلى عدد معيّن من الوافدين، وبعد أن زاد العدد عن الحد المسموح أصبحت السلطات تهتم في نوعية الوافدين بحيث تريد أن يكون الشخص الوافد مقتدراً مادياً ويحمل شهادات علميّة، مشيراً إلى أن قوانين تركيا كما أي دولة حول العالم هي التي تحدّد إذا كان هذا الشخص يمكن منحه الإقامة أم لا، وليس إعلانات وهميّة من هنا وهناك أو آراء وتجارب شخصيّة، لأنّها في النهاية روايات وأحاديث غير قانونيّة.
وحول "الإقامة السياحيّة"، يوضّح البيرق أنّها تُمنح للوافد من ثلاث إلى ستة أشهر، وتركيا منذ سنوات تمنحها للوافدين وتجدّدها، ناصحاًالجميع - بفعل هذه المتغيرات* بالاتجاه نحو الاستثمار في تركيا لمن يمتلك القدرة الاستثماريّة، أو للتعليم لمن يمتلك القدرة العلميّة أو المادية، أو شراء العقار لمن يمتلك القدرة الشرائيّة، وهذا من أجل الحصول على الإقامة بطريقةٍ مضمونة، وأيضاً هناك أنواع إقامات أخرى مثل العلاجيّة بشرط حصول المريض على تقرير طبي وورقة من مستشفى معتمد في تركيا يُخاطب من خلالها دائرة الهجرة وتثبت أنّه بحاجة إلى فترة معينة للبقاء والعلاج في المستشفى ليحصل على الإقامة العلاجيّة.
يحق للفلسطيني المخالف في الإقامة التقديم على "الإقامة الإنسانية"
ويُشير البيرق إلى أنّ الفلسطيني يمتلك عدّة مميّزات دوناً عن غيره من الجنسيات في تركيا، سواء للفلسطيني حامل جواز سفر السلطة الفلسطينية أو حامل وثيقة اللجوء، على حد قوله، حيث إن الفلسطيني جاء إلى تركيا وأصبح مخالفاً بسبب ظروفٍ قاهرة ويستحيل خروجه من البلاد فله الحق في التقديم إلى "الإقامة الإنسانيّة" من خلال دائرة الهجرة، ولكن هذه الإقامة لها أمور موجِبة وعليه تقديم اعتراض لدى المحكمة الإداريّة من خلال محامي لتسوية أموره القانونيّة.
وبحسب البيرق، فإنّ هناك مشكلات تواجه الفلسطيني في مسألة "الإقامة" أيضاً في ظل أنّ الدولة بحاجة إلى نوعية معينة من الأشخاص في الوقت الحالي، فجميع الإقامات صالحة للعمل الآن ما عدا "الإقامة السياحيّة" للقادمين الجدد ونسبة الرفض عليها عالية جداً لأن لا أحد حتى الآن طابق شروط السياحة في تركيا، وهذا لأنّ الدولة تعلم علم اليقين من واقع خبرتها من الذي يأتي للسياحة ومن الذي يأتي لأهدافٍ أخرى، لا سيما وأنّه لا يوجد دولة في العالم تحتوي أكبر عدد من المقيمين واللاجئين مثل تركيا التي تمر في مرحلةٍ انتقاليةٍ حساسّة، مُؤكداً أنّ هذه التغييرات هي "وقتيّة" وستكون الأمور أفضل في الأشهر المقبلة، على حد قوله
لا يجب التهور والسفر من غزة إلى تركيا بناء على معطيات وهمية
وبشأن شباب غزّة الراغبين في القدوم إلى تركيا دون تخطيطٍ أو علم مسبق بكل جوانب السفر والهجرة، يُؤكّد البيرق أنّه من الضروري عدم التهوّر والاستعجال والمجيء إلى تركيا بناءً على معطياتٍ وهميّةٍ أو غير موجودةٍ من الأساس، فمثلاً لا يوجد عقود عمل الآن في تركيا، وأي شركة تقول يوجد عقود عمل لاستقبال الوافدين فهي تمارس الخديعة والنصب، لأنّه لا يوجد عقود عمل للفلسطيني من غزّة، والمتعارف عليه سابقاً يأتي الشخص ويحصل على "إقامة سياحيّة" ومن ثم تتحوّل إلى إذن عمل، وهذا الإجراء متوقّف الآن، والناس بشكلٍ عام يسمعون ويستقون معلوماتهم من مصادر غير موثوقة وليس من أصحاب التجارب والخبرات أو من دائرة الهجرة رأساً، لذلك يقعون فريسة سهلة للنصب والاحتيال.
تركيا لم تعد تقبل أن تكون جسراً لدولة أخرى
يضيف البيرق حول مسألة الهجرة إلى أوروبا انطلاقاً من مدن تركية: أنّ تركيا لم تعد تقبل أن تكون جسراً لدولة أخرى، فالآن الأمور صعبة جداً، وهناك عدّة مفاتيح للحصول على الإقامة القانونيّة في تركيا، وهي: طالب، مالك عقار، مستثمر، زواج من تركي/ة حسب شروط الإقامة العائلية، وأهم عامل يكون هو اللغة التركيّة، لأنّ أهم العوائق التي تواجه الفلسطيني هو عدم إلمامه باللغة التركية، ومن ثم تأتي المسألة الماليّة وضرورة أن يكون لديه مالاً كافياً ليتدبّر أموره في بداية المطاف، لذلك فإنه لا ينصح أي شاب على الإطلاق لا يمتلك أي خطة مدروسة أن يأتي إلى تركيا في الوقت الراهن لأنّ الأمور معقّدة وتم إعادة تفعيل القوانين بشكلٍ قوي وصار هناك تضييق للخناق بحيث يتم استقبال المتعلّمين والمستثمرين وأصحاب المهن السامية، ولا يتم استقبال الأشخاص الذين ينوون الهجرة من خلال تركيا إلى أوروبا.
ليس من المستغرب أن وجهة الفلسطينيين الأولى تكون تركيا، فعلى مدار السنوات العشر الماضية تجاوز عدد الفلسطينيين في تركيا 35 ألفاُ، فيما يُشكّل فلسطينيو سوريا النسبة الأكبر منهم، وهذا بفعل التسهيلات التي كانت تقدّمها الحكومة التركيّة للفلسطينيين، قبل أن تتغير بعض الإجراءات بفعل عوامل السياسة الداخلية والخارجية لهذا البلد ومتغيراتها.
الفلسطينيون في تركيا ينقسمون إلى 4 فئات أضعفهم اللاجئون المهجرون من المخيمات
وحول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في تركيا أو ما يسمى "الجالية الفلسطينيّة" في هذا البلد وظروفهم الحاليّة، يقول حازم عنتر وهو الرئيس السابق للجالية وعضو الهيئة الإدارية للاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا: إن الفلسطينيين في تركيا ينقسمون إلى ثلاث فئات رئيسيّة: الطلاب وهم شريحة كبيرة ومعروفة، وفي السابق كان يقتصر الأمر على الطلاب الوافدين للجامعات الحكوميّة من المتفوّقين وغالبيتهم يدرسون الطب والهندسة، لكن الأمر اليوم اختلف قليلاً فأصبحت الدراسة متاحة للجميع في ظل الانتشار الكبير للجامعات الخاصة.
أمّا الفئة الثانية -بحسب عنتر- فهي فئة المقيمين ممن أنهوا دراستهم في تركيا وأقاموا واستقروا وعملوا وتزوجوا فيها وأمورهم جيّدة، أمّا الفئة الثالثة فهم الوافدون في السنوات الأخيرة بعد "الربيع العربي" سواء ممن جاؤوا من دول الخليج العربي وهم مقتدرون مالياً، ومنهم جاء من بعض الدول العربيّة ويعمل ويستثمر في تركيا وله استثمارات كبيرة، ومنهم من اشترى منازل وأخذ الجنسية التركيّة، وإلى جانب هؤلاء هناك من تم ترحيلهم من مُخيّمات اللاجئين في سوريا وهناك من أتى من وليبيا والعراق ولبنان وقطاع غزّة بحثاً عن العمل والرزق داخل تركيا، وهؤلاء وضعهم المادي معروف لدى الجميع.
ويُشير عنتر إلى أن عدد الجالية الفلسطينيّة في تركيا بحسب أرقام رسميّة اطّلع عليها في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، فتبيّن أن مدينة إسطنبول وحدها يوجد فيها 22 ألف فلسطيني مقيم سواء من حاملي جواز سفر السلطة الفلسطينية أو الوثيقة الفلسطينيّة للاجئين، ويُضاف لهم الفلسطينيون ممن يحملون جواز السفر الأردني وأيضاً الحاملين للجنسية التركية، وفي جميع الأراضي التركية هناك قرابة 26 ألف فلسطيني بحسب الأرقام الرسميّة ولكن تقديره يقول أنّ الرقم أكثر من ذلك بكثير وقد يصل عدد الفلسطينيين في تركيا إلى 40 ألفاً.
وبشأن القوانين التركية وتعديلها، يُبيّن عنتر أنّ أي شخص كان يستطيع الحصول على "الإقامة السياحية" لكنّ السلطات رأت أنّ هناك نوعاً من "الفوضى" في البلاد، وأنّها بحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي خاصّة وأنّها على أبواب تنظيم الانتخابات البرلمانية في يونيو/ حزيران العام القادم، وفي ظل أنّ المعارضة تستغل مسألة الأجانب وقضاياهم وبعض المواقف المسيئة التي تعتبر ضئيلة جداً بالنسبة لأعداد الأجانب الكبيرة، ولكن المعارضة التركيّة تثير هذه المسائل بشكلٍ كبيرٍ جداً على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة للنيل من الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة، لذلك رأت الحكومة أنّها بحاجة لتفعيل القوانين بكافة حذافيرها بحق الأجانب حتى تخرج بصورةٍ مشرقةٍ أمام شعبها في الانتخابات.
حتى إذا وصل الشخص إلى تركيا فأنا أؤكّد له أنّه لن يحصل على الإقامة وهذا ما تؤكّده لنا دائرة الهجرة
يُشار إلى أنّ كل هذه الإجراءات الجديدة لن يكون له تأثير على الفلسطينيين أو الأجانب المقيمين في تركيا في حال تطابقت الشروط على أي شخص من المقيمين فسيتم تجديد الإقامة له، ولكن المشكلة ستواجه الوافدين الجدد الذين لن يحصلوا على "الإقامة السياحيّة" قطعياً ما يُساهم في تقليل عدد الأجانب الوافدين وسيُصاب عدد كبير منهم بخيبة أمل، ولكن هذه الإجراءات اضطراريّة منعاً لمشاكل أكبر في المستقبل، بحسب عنتر.
يدعو عنتر الشباب في قطاع غزّة إلى عدم المجيئ إلى تركيا في ظل الظروف الحالية، لأنّ مستوى الرواتب منخفض للغاية وخاصّة للأجانب الذين لا يمتلكون إذن عمل فيتم استغلالهم ويضطرون للعمل بأي راتب، فيما طالبهم بالتعلّم والاستفادة من تجارب الآخرين وبحث ودراسة مسألة السفر جيداً، و"حتى إذا وصل الشخص إلى تركيا فأنا أؤكّد له أنّه لن يحصل على الإقامة وهذا ما تؤكّده لنا دائرة الهجرة في كل الاجتماعات واللقاءات المختلفة مع المسؤولين الأتراك والجاليات العربيّة، ولا أنصح أي شخص بالقدوم من أجل الهجرة من خلال تركيا إلى أوروبا، فجميعنا شاهد قصص المفقودين والأموات جراء ركوبهم في قوارب الهجرة بعد أن وقعوا فريسة في فخ تجّار الموت والسماسرة، فالعيش في بلادنا أهون من هذا الموت البطيء."