الأسبوع الماضي، حرّض المتحدّث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي من خلال صورٍ نشرها على حسابه في موقع "تويتر" ضد عدد من المدارس في حي الشجاعية وحي الزيتون شرق وجنوب مدينة غزّة، ومنها مدارس تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مُدعياً أنّ هذه المدارس تُستخدم كمراكزٍ للمقاومة، أو بجانبها حفر تطلق المقاومة منها الصواريخ، على حد زعمه.

هذا التحريض بكل تأكيد ليس بجديد، إذ أنّها ليست المرّة الأولى التي يطال فيها تحريض الاحتلال المدارسَ الفلسطينيّة وخاصّة مدارس "أونروا" في القطاع، إذ حرّض الاحتلال في أوقاتٍ سابقة ضد المدارس الفلسطينيّة، بل ذهب إلى حد قصفها وتدمير أجزاءٍ منها، بذات الذريعة ونفس الادّعاءات والحجج.

تعقيباً على ذلك، يقول نائب رئيس اتحاد موظفي وكالة "أونروا" في غزّة عبد العزيز أبو سويرح لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ هذا هو جزء من التحريض المُمارس على وكالة "أونروا" بشكلٍ أشمل، إذ بدأت هذه الحملة الممنهجة منذ تولي الرئيس الأمريكي الأسبق "دونالد ترامب" لمقاليد الحُكم في الولايات المتحدة الأمريكيّة في العام 2016، حيث كان من ضمن أجندة ترامب وإدارته تحديد هويّة اللاجئ الفلسطيني والعمل على تقليص خدمات وإنهاء عمل وكالة "أونروا" في مناطق العمليات الخمس.

هجمة مفتعلة

ويرى أبو سويرح أنّ هناك تحريضاً كبيراً على مؤسّسات "أونروا" اليوم، سواء كانت تعليميّة أو غيرها، ومما لا شك فيه أنّ "أونروا" تعمل في بيئةٍ صعبةٍ جداً، لا سيما في قطاع غزّة الذي يُعاني من اكتظاظٍ سكّاني كبير، وتعمل وكالة "أونروا" على تحقيق "مبدأ الحياديّة" خاصّة من أجل التصدي للهجمات التي تتعرّض لها على الدوام، مُشيراً إلى أنّه وخلال حرب العام 2014 حضر وفد دولي من وكالة "أونروا" إلى القطاع، وحينما زار إحدى مدارس الوكالة في مُخيّم المغازي للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع قصفت الطائرات "الإسرائيليّة" هذه المدرسة أمام أعين هذا الوفد، ما يُؤكّد أنّ الهجمة التي يشنّها الاحتلال على مؤسّسات "أونروا" مفتعلة وغير صحيحة.

ونفى أبو سويرح ما يدّعيه الناطق باسم الاحتلال بوجود مواقع أو أي مظاهر عسكريّة إلى جانب مدارس "أونروا"، مُؤكداً أنّ الاحتلال بهذه الافتراءات يحاول التنصّل من مسؤوليّاته عن جرائمه التي ارتكبها ضد المنشآت التعليميّة الخاصّة بوكالة "أونروا" والتي ارتقى فيها شهداء من طواقم الموظفين وأبناء الشعب الفلسطيني الذين لجؤوا إلى هذه المدارس بحثاً عن الملاذ الآمن في أوقات العدوان، إلّا أنّ هذا الملاذ الآمن لم يسلم من جرائم الاحتلال.

المطلوب حملات مضادة

يرى أبو سويرح أنّ المطلوب أمام هذه الحملات الممنهجة، هو تكثيف الدعم لهذه المؤسّسة الدوليّة الموجودة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، إلى جانب تنظيم حملات إعلاميّة كبيرة جداً وعلى مستوى العالم لتبيان أهميّة مؤسّسات وكالة "أونروا" وما تقوم به من دورٍ إنساني وإغاثي لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين هم بأمس الحاجة إلى هذه الخدمات، وقبل أيّام استرشد شيخ الأزهر بقيام إحدى مؤسّسات "أونروا" بدعم طالبٍ في مُخيّم الجلزون، مما كان له الأثر الكبير في التأثير في الرأي العام للشعوب العربيّة، داعياً لتغطيةٍ إعلاميّةٍ متواصلة لفضح انتهاكات الاحتلال بحق مؤسّسات وكالة "أونروا" التي لن تتوقّف في المراحل القادمة.  

 وطالب أبو سويرح بتفعيل لجان التحقيق التي شُكلت للتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال في الحروب السابقة، وتفعيل التوصيات أو القرارات التي اتخذتها أو ستتخذها هذه اللجان وتطبيقها من خلال مجلس الأمن الدولي وفضح الممارسات "الإسرائيليّة" بحق مؤسّسات "أونروا" أمام العالم، بما يستدعي وقوف الدول التي تقول: "إنها تسعى إلى السلام، إلى جانب الحق وعدم الوقوف على الحياد".

التحريض يطال كل ما هو فلسطيني

وزارة التربيّة والتعليم في قطاع غزّة، فنّدت ما وصفتها بـ"الادّعاءات الكاذبة" التي يحاول الاحتلال تروجيها، مُؤكدةً أنّها مُقدّمةٌ لارتكاب المزيد من الجرائم، خاصّة أنّها أعيان مدنيّة يجب حمايتها وعدم المس بها وفق القانون الدولي الإنساني، داعيةً الجهات ذات العلاقة وفي مقدّمتها الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو واليونيسف للتدخّل ووضع حدٍ لهذه الهمجيّة ووقف الاعتداءات المتكرّرة على المنشآت التعليميّة.

  يقول مدير مركز دراسات اللاجئين عماد عفانة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ تحريض "أفيخاي أدرعي" على مدارس "أونروا" ليس بجديد، بل حلقة في مسلسل ممتد ومستمر ومتوقّع أن يستمر في قادم الأيّام، وهذا التحريض يطال كل ما هو فلسطيني، سواء مؤسّسات تعليميّة أو ثقافيّة أو حتى اجتماعيّة بعد أن نفض العدو يده من كل الاتفاقات السياسيّة التي توصّل إليها مع منظمة التحرير مع كل ما لتلك الاتفاقات من عيوب جلبت الويلات للشعب الفلسطيني.

"أونروا" كمؤسّسة دوليّة هي الهدف

ويؤكّد عفانة، أنّ هذه المزاعم المتجددة التي تتهم المقاومة بأنّها تستخدم مدارس "أونروا" كمنصاتٍ لإطلاق القذائف الصاروخيّة على الكيان المحتل هي امتداد للمزاعم القديمة الجديدة التي تهدف للنيل من المقاومة والشعب الفلسطيني، إذ أراد العدو ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فمن جهةٍ يتهم المقاومة بعدم الالتزام بالمعايير الإنسانيّة والدوليّة في مقاومة الاحتلال، ومن جهةٍ أخرى يتهم وكالة "أونروا" بأنّها تتستّر على قيام المقاومة بعمل منصات بالقرب من مدارسها بهدف التحريض عليها دولياً وحث الدول المانحة على حجب الموازنات السنويّة عنها، فضلاً عن مواصلة اتهام وكالة "أونروا" بتدريس المناهج التي تتضمن مناهضة ما يُسمى "اللاسامية".

ويرى عفانة، أنّ الاحتلال يهدف بالأساس لاستهداف "أونروا" كمؤسّسةٍ دوليّة أمميّة ترعى قضية اللاجئين وتمثّل شاهداً دولياً على استمرار هذه القضية منذ أكثر من 74 عاماً بهدف تفريغها من مضمونها أو تقسيم وظائفها على مؤسّساتٍ دوليّةٍ أخرى بهدف حرمانها من بعدها السياسي، ما يُبقي على البعد الانساني بحده الأدنى فقط.

 ويضيف عفانة: أن استمرار تحريض المنظومة الإعلاميّة الصهيونيّة على وكالة "أونروا" هو مقدّمة لمزيدٍ من الاستهداف ومحاولات النيل من الوكالة ومؤسّساتها الإنسانيّة والثقافيّة والتعليميّة، وتمهيد ربما لعدوانٍ جديد يستهدف هذه المؤسّسات لجهة تدميرها وازالتها من الوجود وحرمان ملايين اللاجئين من حقهم الطبيعي في تلقي التعليم والمساعدات الانسانيّة والاغاثيّة التي أنشئت وكالة "أونروا" من أجلها، أي إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهناك مسؤوليّة كبيرة تقع على عاتق المنظومة الإعلاميّة  الفلسطينيّة بمختلف مسمياتها وأماكنها للقيام بالتصدي لهذه الأكاذيب وتفنيدها وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي لتفنيد هذه الأكاذيب بالصوت والصورة من خلال تدشين حملةٍ منظّمةٍ تبرز الدمار الذي لحق بالمؤسّسات التعليميّة والثقافيّة والانسانيّة التي تخدم أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عمليات "أونروا" الخمسة.

مسؤولية المستوى الدبلوماسي الفلسطيني

 ويرى عفانة أنّ هناك مسؤوليّة تقع على عاتق الدبلوماسيّة الفلسطينيّة، من خلال تنظيم حملةٍ في مختلف دول العالم للقيام بجولاتٍ لمعاينة الانتهاكات الصهيونيّة بحق الشعب الفلسطيني والمؤسّسات الإغاثيّة والتعليميّة بهدف ادانة الاحتلال وحشد مزيدٍ من الدعم والتأييد للشعب الفلسطيني في مختلف المحافل الدوليّة والأمميّة.

هذا التحريض وهذه الاعتداءات لم تقتصر على مدارس "أونروا" في غزّة، بل طاولت مدارسها في الضفة المحتلة، إذ قالت وكالة "أونروا" يوم الرابع عشر من ديسمبر الجاري، إن الجيش "الإسرائيلي" لا يحترم حرمة مدارس وكالة الغوث في الضفة، حيث اقتحمت قوات الاحتلال في الخامس من ديسمبر عنوةً أحد مباني مدرسة للبنات تابعة لوكالة "أونروا" في منطقة بيت لحم، حيث تعرّضت سلامة المدارس لمزيد من الخطر خلال الاشتباكات، ونتيجة لذلك "قتل لاجئ فلسطيني" بالذخيرة الحية وأصيب عدة أشخاص آخرين بجروح أمام مدرسة بنات تابعة للوكالة.

وأشارت "أونروا"، إلى أنّه تم إيقاف الخدمات التعليميّة في المنطقة من أجل حماية سلامة وأمن أطفال اللاجئين الفلسطينيين، داعيةً إلى ضرورة احترام حيادية وحرمة مباني الأمم المتحدة في كافة الأوقات، لأنّ انتهاكات هذه الحرمة تعد انتهاكات خطيرة جداً لامتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، بالإضافة إلى أنّها قد تُعيق قدرة "أونروا" على تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يعرّض اللاجئين والموظفين للخطر.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الاحتلال ارتكب مجزرة في مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة "أونروا" خلال عدوان العام ٢٠٠٩م والتي راح ضحيتها 43 شهيداً من ضمنهم 14 طفلاً إلى جانب عشرات الإصابات من اللاجئين الذين احتموا داخل المدرسة من قذائف الاحتلال شمال قطاع غزّة، إلى جانب قصف سبع مدارس بشكلٍ مباشر خلال عدوان العام ٢٠١٤م، وقصف ثلاثة مدارس بشكلٍ مباشر خلال عدوان الصيف الماضي وإلحاق الضرر بعشرات المنشآت التعليميّة.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد