في يوم الأسير الفلسطيني، كان لابد من فتح ملفٍ هامٍ من ملفات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة الأسيرة لتسليط الضوء عليه، لا سيما وأنّ هذه المناسبة ليس من المفترض أنّ تكون مناسبة أو ذكرى يتم التعامل معها بشكلٍ موسمي فقط، بل حركة نضال يومي ومتواصل من خلال نقل معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، وتكريس الدفاع عنهم ومحاولات إنقاذهم ببرامج عمل المؤسسات الفلسطينية عامة والحقوقية والإعلامية خاصة.
لاسيما مع تصاعد السياسات الإجرامية "الإسرائيلية" ضدهم، وتشمل أبشع الانتهاكات والاعتداءات اليومية، والقتل البطيء لمناضلين أفنوا سني حياتهم في السجون آخرهم الأسير وليد دقة الذي تزداد حالته الصحية خطورة مع إصابته بورم سرطاني، وقبله الكثير الذين قضوا جراء سياسة إهمال طبي وقتل متعمد بينهم الأسير الشهيد ناصر أبو حميد من مخيم الأمعري و236 أسيراً شهيداً وثقتهم مؤسسات الأسرى في تقرير لها اليوم بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني.
يقدم بوابة اللاجئين الفلسطينيين في هذا التقرير شهادات حية لأسرى من داخل سجون الاحتلال، بينهم الأسير المريض إياد عمر من مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين البالغ من العمر (42 عاماً) ويقبع حالياً في سجن النقب ومحكوم لـ(25 عاماً) أمضى منها حتى يومنا هذا ما يقارب (21 عاماً).
في عام 2019 كان عمر يوجد في سجن "مجدو" وتعرّض لوعكةٍ صحيةٍ بتاريخ 22/12/2019 واستمر وضعه الصحي بالتدهور، من دوخة وتقيؤ حتى شهر آذار/مارس 2020، حين أصابته غيبوبة تم نقله على إثرها لإحدى مشافي العفولة، حيث تم اكتشاف إصابته بمرض أملاح الدم، وبعدها إصابته بمرض السرطان، وبناءً على ذلك أجريت عملية استئصال ورم من المخ، استمرت العملية لقرابة 9 ساعات، وبعد 3 شهور اكتشف عمر أن ما قام به أطباء الاحتلال هو فقط سحب عينة "خزعة" من الورم، وبعدها بأربعة شهور أخذت حالته الصحيّة تتراجع بشكلٍ ملحوظ ما أصابه بشلل نصفي استمر قرابة 4 أشهر.
سجن عسقلان مسلخ حقيقي ولا يوجد سوى الأدوية المخدّرة التي تقدّم لجميع الأسرى المرضى
يقول الأسير إياد عمر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: على إثر ذلك تم نقله من سجن "مجدو" إلى "عسقلان"، واصفاً السجن مسلخ حقيقي يُشبه سجن "عيادة الرملة" كثيراً، والمرضى في هذا السجن مصابون إما بالسكر أو الضغط أو السرطان، فهذا السجن لا يصلح للمعيشة الآدمية. وحتى الآن لا يوجد توازن في جسدي، يضيف عمر: "وبالفعل شاهدت الويلات، فرأيت مبتور اليد، والقدم، وبمعنى الكلمة هناك أسرى مصابون بجميع الأمراض في شجن عسقلان وعيادة سجن الرملة، حاولت قدر الإمكان التهرب من الوجود للعلاج في هذا السجن".
يتحدث عمر عن الأدوية التي تقدّم للأسرى المرضى: لا تسمن ولا تغني من جوع، إلى جانب الأدويّة المخدّرة التي تكون عبارة عن مسكّنات آلام لا غير، ولا تعالج المريض بشكلٍ حقيقي وهم يتعمدون عدم إعطاء أدوية ناجعة للأسرى خاصة الذين يسمونهم "الأسرى الأمنيين".
سمعت أنينهم وأوجاعهم لم أتوجع من آلامي... توجعت عليهم
المرض يلازم الأسير إياد عمر حتى اليوم، إلا أن حالته النفسية جيدة، كما يؤكد، فلا مجال لمواجهة ما يتعرض له سوى بان يكون قوياً وذا إرادة وعزيمة، لكنّ الإهمال الطبّي حقيقة وسياسة متبعه من قبل الاحتلال "الإسرائيلي" لقتل الأسرى الفلسطينيين.
يستذكر عمر حادثة مؤلمة تعرّض لها، حين نقل إلى سجن "النقب" بقرار محكمة رغم مرضي، بعد رفض استقباله من قِبل إدارتي سجني "نفحة وريمون"، وحتى سجن النقب كان يرفض استقباله إلّا أنّه استجاب بعد قرار المحكمة، وفي إحدى المرات داخل سجن "عسقلان" صحى من نومه قرابة الساعة الثانية ليلاً، وكان الأسرى نياماً وعددهم ثمانية منهم 3 مرضى بالسرطان أحدهم هو والثاني المفكّر الفلسطيني وليد دقّة والثالث فؤاد الشوبكي "أبو حازم"، وثلاثة آخرون مرضى بالقلب، وآخر بالسكري، استرق السمع حين أفاق وسمعت أصواتهم جميعاً وهم نيام. سمع أنينهم، سمع من يتوجّع، ومن يحلم، فقال: سبحان الله جميعنا مرضى ولكنّني الآن أتوجّع عليهم وليس من مرضي.
لماذا يصاب الأسرى المحكومون مؤبدات بالأمراض المزمنة وخاصة السرطان؟ هل ذلك صدفة؟
بيئة السجن لها دور كبير في إصابة الأسرى بمرض السرطان، إلى جانب الطعام الذي يقدم لهم، والمياه التي يشربونها لها دور أيضاً، والأدوية لها دور، ولكن الأكيد هو أنّ هذه الإصابة بمرض السرطان تكون بفعل فاعل، وهذه قناعة راسخة لدى الأسير إياد عمر، لأنّه من المستحيل أن يُصاب الأسير بالسرطان هكذا من الهواء، وهنا نسأل: لماذا هؤلاء الأسرى القدامى هم الذين يُصابون بالسرطان؟ أو الأسرى الذين اعتقلوا بسبب عمليات فدائية، معظمهم اليوم يعانون من مرض السرطان، وجميعهم أصيبوا بذات المرض وبذات الوجع.
رفاق الزنزانة: سامي أبو دياك وكمال أبو وعر
يستذكر إياد رفاق الزنزانة ممن رحلوا شهداء وأُضيفت أسماؤهم في سجل الخالدين في الحركة الفلسطينيّة الأسيرة: قال لي كمال أبو وعر ذات يوم: دبّرلي بكيت دخّان "علبة سجائر"، وطبعاً جميعنا مرضى سرطان، فأخبرته فور عودتي للغرفة سأجلب لك السجائر، ولكنّه أردف ممازحاً: "مش تروح تموت وما تجبلي إياه!"، فضحكت كثيراً، وبعد استشهاده تذكّرت هذا الموقف وترحّمت عليه، أمّا سامي أبو دياك، فكان مع إياد في سجن الرملة : كنّا سوياً في عيادة الرملة، وعندما أعطيه حبّة الدواء كنت على يقينٍ تام بأنّها لن تفعل له شيئاً ولن تخفّف من أوجاعه، لأنّ مرض السرطان قوي ويفتك بالإنسان فتكاً.
الأدوية التي يعطيها الاحتلال للأسير عمر هي : "كليكسان، تراموديكس، ميكسيوم، كرتوزن، كروكسين"، وهذه التي آخذها حالياً ليست سوى بعض الأدوية التي تكون مخدّرة، وقد أوقفتها، تتعمد سلطات السجون وضع الأسرى المرضى في غرف مضغوطة وقديمة جداً وقد تكون مبنية منذ زمن الحكم العثماني لفلسطين، ولا تصلح للحياة الآدمية، إضافة إلى وجود الحشرات والقاذورات في السجن، بينما لا يتوفر سوى مواد تنظيف رديئة، لتبقى الأوساخ والبكتيريا منتشرة في الغرف.
كل ما شاهده وخبره الأسير عمر يجعله على يقين بأن إصابة الأسرى بالسرطان يتم بفعل فاعل.
وفي ظل ظروف المرض والأوجاع وانتظار الموت، يمنع الاحتلال عن الأسرى كل وسائل الاتصال، حيث إن أجهزة التشويش منتشرة في كل السجون لعرقلة أي عملية اتصال من خلال الهواتف داخل السجن مع أهالي الأسرى خارجه، وهذه الأجهزة أيضاً تتسبّب بالإصابة بمرض السرطان، حتى أنّ التلفزيونات والأضواء في الغرف والراديو أيضاً فيها أجهزة تشويش.
عاقبوني بالعزل الانفرادي حين اعترضت على إعطائي أدوية بالخطأ
حتى نقل الأسير المريض من مكان اعتقاله إلى مكان العلاج يتضمن كثيراً من الانتهاكات ومحاولات الإذلال يقول عمر: "عيادة العلاج تكون في ذات السجن، وتبعد عن مكان غرف احتجاز الأسرى مسافة 5 دقائق من المشي، ولكن على أرض الواقع الأسير المريض بحاجة إلى قرابة ساعة أو ساعتين من أجل نقله إلى العيادة، وإذا احتاج للنقل إلى المشفى خارج السجن يستغرق الأمر من 5 إلى 6 ساعات مع معاناة كبيرة جداً جداً خلال هذه الرحلة، وأذكر في ذات المرات كان من المفترض أن آخذ حقنة علاجيّة عند الساعة العاشرة صباحاً، إلّا أنّهم أعطوني إيّاها الساعة الحادية عشر ونصف مساءً، وجلست 4 شهور معزول تماماً عندما أعطوني أدوية خاطئة لأني رفعت بناءً على ذلك قضية على إدارة السجن، ورداً على ذلك عاقبوني بالعزل الانفرادي لمدّة أربعة شهور للضغط عليّ وسحب القضية من عند القاضي".
فقد الأسير إياد عمر والديه خلال سنوات اعتقاله، وحرمه الاحتلال من وداعهما، كما حُرمت والدته من زيارته قبل وفاتها لمدة عشر سنوات.
ويبلغ عدد الأسرى القابعين في سجون الاحتلال 4900 أسير، بينهم 31 أسيرة، و160 طفلاً، وأكثر من 1000 معتقل إداري بينهم أسيرتان، و6 أطفال، وفق تقرير أصدرته المؤسسات المعنية بالأسرى الفلسطينيين اليوم الاثنين بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني.