ارتبط العيد بالفرح والبهجة واجتماع الأهل والأقارب، إلا أنّ الحال مع العيد بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، صار وكأنه بضعة أيّام تتكثّف فيها كل متاعب العام وهمومه، لتبثّ مرّة واحدة في قلوب الآباء والأمّهات.

مراسل بوابة اللاجئين الفلسطينيين في درعا جنوبي سوريا خلال جولته لرصد استعدادات اللاجئين الفلسطينيين في المخيم، وجد نفسه يرصد "هموم العيد" لا بهجة الاستعداد لاستقباله، فهناك، يصف الأمر بمعركة يخوضها الآباء في مخيم درعا من أجل تجهيز الأبناء للعيد وشراء احتياجاتهم، حيث إنّ الفقر المدقع وسوء الحال وغلاء الأسعار، كلها عوامل حالت دون شراء الملابس الجديدة للأطفال، رغم أن الملابس تكاد تكون أحد أهم الطقوس الاحتفالية في العيد للصغار والكبار معاً.

كسوة طفل واحد تعادل ضعفي الراتب!

"أبو أحمد" لاجئ فلسطيني في مخيم درعا ويعمل موظفاً براتب شهري ثابت، قال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ كسوة طفل واحد لديه تعادل ضعفي راتبه الذي يتقاضاه شهرياً، فاقل كسوة لأي طفل تكلّف حوالي 100 ألف ليرة سورية، عدا عن الأحذية والكماليات.

يضيف "أبو احمد" الذي لديه ابن وابنة: "قمت بالشراء لطفل واحد فقط، علما انني قمت بالاستدانة بضمان معونة وكالة "أونروا" فابني لم يسكت أبداً طول شهر رمضان فهو يريد شراء لباس العيد أسوة بأصدقائه، فيما استطعت إقناع أخته الكبيرة بعدم الشراء هذا العيد ووعدتها بأن نشتري لها بعد العيد".

وتلجأ شرائح من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلى البرامج الخيرية، التي تستهدف حالات معينة، كـ "أبو مالك" وهو لاجئ فلسطيني في مخيم درعا، ومن ذوي الاحتياجات الخاصّة، حيث تكفلت إحدى البرامج الخيريّة بتوفير كساء العيد لأبنائه، بحسب مراسلنا، فيما ارتفع الاعتماد على ما يرسله الأخوة والأقارب المغتربين لدى لاجئين آخرين.

لولا مساعدة شهرية من أخي المغترب لم يكن بالإمكان شراء هذه الملابس الرخيصة لأولادي

مراسل بوابة اللاجئين الفلسطينيين، تحدث لـ "لأبو سمير" من أبناء مخيم درعا ويعمل في سوق الخضار ولديه 5 أبناء، ويلجأ إلى المحال والأسواق الرخيصة التي تناسب العائلات الفقيرة، لكساء أبنائه بأقل تكاليف، اعتماداً على مساعدات مالية من شقيقه المغترب.

يقول "أبو سمير" لمراسلنا: "أموري أفضل من غيري فلولا مساعدة أخي الشهرية في الغربة ببعض مصاريف المنزل لا أستطيع شراء لباس العيد لأطفالي لأنه بأقل التكاليف، لـ 5 أطفال نحتاج حوالي مليون ونصف المليون ليرة سورية وذلك حسب نوعية اللباس فيوجد بضاعة تجارية على الرغم من أنها رخيصة فهي تساعد العائلات الفقيرة"

ولا يتحدث "أبو سمير" عن بقية لوازم العيد، كالحلويات ومعمول العيد والقهوة، وما اعتاد الأهالي على توفيره لضيوفهم وزائريهم خلال المناسبة، فهذه الأمور تحتاج إلى تكاليف باهظة، لا يمكن أن تغطيها مساعدات المغتربين ولا المداخيل الشهرية.

وحول معونات المغتربين، لا شك انها تشكل عاملاً مساعداً، ولكن ليس حاسماً في توفير مستلزمات العيد كاملة، او الارتقاء بمستوى المعيشة الى درجة توفير كامل الأساسيات، فالكثير من المغتربين ايضاً قادرين على دعم اهاليهم بشكل واف ويحقق الكفاية في تدبير لوازم العيد.

مساعدة ابني المغترب وكل دخلي لا يمكن أن يوفروا متطلبات العيد كافة  

هذا الأمر أوضحه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين اللاجئ " محمد سمور" من أبناء مخيم العائدين في حمص وسط سوريا، ولديه ابن هاجر عبر البحر عام 2017 هرباً من الظروف الأمنية والتجنيد العسكري، وصار عاملاً داعماً لوالده وأمه و2 من أشقائه.

يقول سمّور: إنّ ابنه الذي هاجر إلى المانيا، يرسل لهم مبلغاً يتراوح بين 150 إلى 200 يورو شهرياً، يقتطعها من المخصص المالي الذي ترفده به الحكومة هناك، فهو ما يزال طالباً والتحق بالجامعة منذ سنتين ولا يعمل، ولا يستطيع رفدهم بمبلغ أكبر.

اللاجئ سمّور الذي يعيش على مرتب وظيفته الحكومية، يضيف: أنّ الأولويات في العيد صارت لشراء الملابس لأولاده، "لأنّ مساعدة ابنه المغترب وكل دخله لا يمكن أن يوفر كافة متطلبات العيد، بين ملابس وأحذية وعيديات للأبناء، وكذلك توفير حلويات العيد والضيافة وتقديم الطعام للأهل واستقبال الضيوف، فهذه كلها صارت كماليات وليست أساسيات الاحتفال بالعيد." حسب قوله.

وبالتالي فإنّ قدرة الكثير من المغتربين على تلبية احتياجات ذويهم في سوريا، صارت محدودة نظراً لمحدودية دخل هؤلاء المغتربين، فهم بغالبيتهم ما يزالون طلبة أو يعيشون على إعانات الحكومة للاجئين هناك، أو مازالوا في بداية طريقهم بعد تخطيهم حاجز تعلم اللغة والاندماج، وما يحصلون عليه لا يتعدى بضع مئات من "اليوروهات"، يقتسمها المغترب مع أهله في سوريا.

إلا أنّ ارتفاع الأسعار في سوريا قلل بشكل كبير من قيمة معونة المغترب، وهو ما تشرحه لنا اللاجئة " أم علي شعبان" وهي فلسطينية مهجرة من مخيم اليرموك المدمّر وتسكن منطقة ركن الدين في العاصمة دمشق.

تقول "أم علي" لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ ما أرسله لها ابنها المغترب في السويد، بلغ 200 يورو، كدعم قبل حلول العيد، لعل المبلغ يساعد في شراء الحاجيات الأساسية وتدبر اللوازم، إلا أنّ المبلغ بالكاد يكفي لدفع إيجار المنزل، وشراء ملابس لابنها البالغ من العمر 15 عاماً، بينما لوازم معمول العيد غالية جداً ولا يكفيها مبلغ كهذا.

وتشير اللاجئة الفلسطينية، إلى أنّ قبل سنوات كانت قيمة ما يرسله المغتربون، تكفي لسد الحاجيات، إلا أنّ ارتفاع الأسعار، ورفع الدعم صارا يحدان من قدرتها الشرائية كما السابق، ولا يستطيع ابنها المغترب زيادة المساعدة لمحدودية دخله.

وبلغت نسبة الفقر في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عتبة 90 % حسبما أشار المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" "فيليب لازاريني" في تصريحات سابقة، وهو ما يزيد الطلب على الإغاثة. في وقت لا تغطي مداخيل معظم اللاجئين الفلسطينيين، المعيار الدولي للفقر المطلق، والمحدد بـ 1.9 دولار يومياً للفرد.

يأتي ذلك، في وقت لم تتوخَ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في سوريا، في سياساتها الإغاثية، مسألة رفع الدعم عن الغذاء والأساسيات في سوريا، ما أدى الى ارتفاع في الأسعار يوازي السوق العالمية، حيث مازالت تقدم معونة مالية كل 3 أشهر، لا تتعدى قيمتها 25 دولاراً، ولا تغطي أبسط الاحتياجات الغذائية والحياتية، حسبما يجمع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.