دخل شهر أيّار/ مايو 2023 ثقيلاً على الفلسطينيين، مع تصاعد اعتداءات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" على مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية، وذلك في سياق هجمةٍ متواصلة أسفرت عن استشهاد نحو 155 شهيداً منذ بداية العام الجاري 2023، بينهم 33 شهيداً خلال العدوان الذي شنّه الاحتلال على قطاع غّزة في شهر مايو.

وخلال شهر مايو/ أيّار، رصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مئات الاعتداءات التي تركّزت في مُخيّماتٍ عدّة، وتوزّعت آثار الاعتداءات الصهيونيّة ما بين الإصابات بالرصاص بهدف القتل والتسبّب بالإعاقة، وما بين الاعتقالات والمداهمات لمنازل اللاجئين الفلسطينيين، إذ شكّلت مُخيّمات عدّة على طول أراضي الضفة المحتلة، مثل العروب وبلاطة وجنين وعقبة جبر، أبرز نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال خلال الشهر الماضي.

ورصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر مايو/ أيّار، ارتقاء 11 فلسطينياً من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة، فيما تم رصد 116 حالة اعتقال، و342 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و330 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 15 مخيماً بالضفة من أصل 19 مخيماً فلسطينيّاً.

وأوضح الرّصد تصاعداً كبيراً في اعتداءات الاحتلال على المُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة خلال شهر مايو/ أيّار من ناحية العدد مقارنةً بشهر أبريل/ نيسان الذي سبقه وخاصّة في أعداد الشهداء، حيث ارتقى خلال أبريل 5 فلسطينيين، بينما شهدت المخيمات تصاعداً خلال أيار/ مايو في حالات الاعتقال والإصابات والمداهمات مقارنةً بشهر أبريل.

وطاولت انتهاكات الاحتلال خلال الشهر الخامس من عام 2023 المخيمات التالية: مخيم العروب، ومخيم نور شمس، ومخيم جنين، ومخيم الجلزون، ومخيم شعفاط، ومخيم الدهيشة، ومخيم عايدة، ومخيم قدورة، ومخيم عين السلطان، ومخيم الأمعري، ومخيم طولكرم، ومخيم عسكر القديم، ومخيم الفوار، ومخيم بلاطة، ومخيم عقبة جبر.

الشهداء

ارتقى 11 فلسطينياً في مخيمات اللاجئين خلال شهر مايو/ أيّار، 5 منهم في مخيم بلاطة، و2 في مخيم طولكرم، وبقية الشهداء توزعوا على مخيمات: نور شمس وجنين وعسكر القديم وعقبة جبر، فيما شهد مخيم عقبة جبر أكبر عدد اعتقالات بمجموع 30 معتقلاً خلال الشهر المذكور، يليه مخيم جنين بعدد 14 معتقلاً، ويليه مخيمي نور شمس وطولكرم بذات العدد 12 معتقلاً في كل مخيم.

إصابات بالرصاص الحي

وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 342 لاجئاً من ضمنهم برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مخيم العروب أبرز المخيمات التي سُجل فيها إصابات بعدد 66 إصابة، إلى جانب مخيمي عقبة جبر وعسكر القديم في مقدّمة المخيمات التي سُجلت فيها الإصابات بمجموع 83 إصابة منها بالرصاص الحي، يليه مُخيّمي جنين ونور شمس بعدد 55، بالإضافة إلى إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة المختلفة.

تقرير الرصد الشهري.jpg

مداهمات واندلاع مواجهات

وكشف الرصد، أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المخيمات المذكورة 330 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، وكان مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين وللشهر الرابع على التوالي أكثر المخيمات تعرضاً للاقتحام من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر الخامس من عام 2023 بعدد 55 اقتحاماً، يليه مخيم العروب بعدد 52 اقتحاماً، ثم مخيمي جنين ونور شمس بمجموع 66 اقتحاماً.

 وفي تقريرٍ نشره نادي الأسير الفلسطيني بداية حزيران/ يونيو 2023، جاء أن الاحتلال اعتقل منذ مطلع العام الجاري 170 فلسطينياً من أريحا والأغوار، وتركّزت عمليات الاعتقال في مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين، حيث بلغت حالات الاعتقال فيه أكثر من 100، وهي النّسبة الأعلى منذ سنوات في أريحا، وقال: إن عمليات الاعتقال في المخيم رافقتها عمليات إعدام ميداني، وعمليات تنكيل ممنهجة بحق المعتقلين وعائلاتهم، إذ استخدم الاحتلال خلالها كافة أنواع الأسلحة.

ورغم التصاعد الواضح في جرائم الاحتلال بحق المخيمات الفلسطينية، إلّا أنّ الحالة النضاليّة في المخيمات تراكم قوّتها وتتصاعد أيضاً من خلال زيادة وتيرة المواجهات التي تندلع بشكلٍ يومي، والاشتباكات المسلّحة التي تصاعدت بشكلٍ شبه يومي مع قوات الاحتلال التي تقتحم المخيمات، إلى جانب رشق الحجارة وإغلاق الطرقات أمام حركة مركبات قوات الاحتلال والمستوطنين، وبما يجعل تكلفة المواجهة أعلى في المخيمات الفلسطينية من ناحية عدد الشهداء والجرحى، ومئات حالات الاعتداء والاعتقال كما يتبيّن من الرصد الذي نقدّمه بشكلٍ دوري.

المخيمات بؤرة حقيقيّة للمقاومة وملجأ لغير ساكنيها

يقول المحلّل السياسي والإعلامي المختص في الشأن "الإسرائيلي" محمد علان دراغمة لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ اقتحامات الاحتلال الصهيوني وانتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها موجودة في كل الضفة الغربيّة، ولكنّها تتركّز بشكلٍ رئيسي في مخيمات اللاجئين الموجودة شمال الضفة تحديداً مثل مخيمات: بلاطة، ونور شمس، وطولكرم، وجنين، والسبب الرئيسي هو أنّ بؤرة المقاومة موجودة في هذه المخيمات بالدرجة الأولى، ولذلك تزداد عمليات اقتحامها.

ويُضيف دراغمة: لو عدنا بالذاكرة إلى عام 2002 لرأينا ماذا فعل الاحتلال في المخيمات التي يعتبرها بؤراً رئيسية للمقاومة، لذلك يُضاعف اليوم من هجماته على المخيمات ويزيد من عمليات التخريب عند اقتحام أي مخيم، ويرتكب عمليات الإعدام الميداني، في محاولةٍ منه لاستعادة ما يُسمى "نظرية الردع الإسرائيليّة"، ونرى ذلك في زيادة أعداد الشهداء في كامل الضفة منذ بداية العام، إذ أنّ عدد الشهداء الذين ارتقوا في مدن ومخيمات الضفة في الشهور الخمسة الأولى من العام 2023 تجاوز عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال عام 2022 كاملاً، وهذا يدلّل على شراسة الهجمة التي تتعرّض لها الضفة والمخيمات الفلسطينيّة.

كما يرى دراغمة، أنّ جيش الاحتلال يركّز عمليات القمع والقتل في المخيمات لأنّه يعلم أنّها أصبحت ملجأ للمقاومين الفلسطينيين، واليوم يعلم الجميع أنّ اقتحام المخيمات ليس سهلاً على الإطلاق بالمقارنة مع اقتحام المدن الفلسطينية، لذلك يركّز الاحتلال على المخيمات التي توفّر الحماية والملاذ للمقاومين مثل مخيم جنين على سبيل المثال الذي ارتقى بداخله عدد من الشهداء وهم ليسوا من سكّان المُخيّم، وهذا ما جعل الاحتلال يضاعف هجماته أكثر وأكثر على مُخيّمات اللاجئين بالضفة.

هل الضفة بمخيماتها أمام عملية "السور الواقي 2"؟

التحريض الإعلامي والسياسي "الإسرائيلي" يزداد يوماً بعد يوم تجاه مخيمات اللاجئين وبقية المدن والقرى الفلسطينيّة بالضفة، وحول إمكانية لجوء الاحتلال في ظل الحكومة اليمينيّة الفاشيّة الحالية إلى تنفيذ عملية "السور الواقي 2" للقضاء على المقاومة في المخيمات، يؤكّد دراغمة أنّ جيش الاحتلال لا يحتاج إلى ذلك، لأنّ العملية قائمة فعلياً على الأرض، ويقول: هذه الفكرة لم تعد مطروحة للنقاش، لأنّ العمليات العسكريّة للاحتلال ضد المقاومة والفلسطينيين مستمرة فعلياً منذ شهر آذار/ مارس 2022، وأطلق الاحتلال عليها اسم عملية "كاسر الأمواج"، ومنذ ذلك التاريخ ارتقى العشرات من الفلسطينيين، وازداد عدد المعتقلين بشكلٍ كبير وخاصّة المعتقلين الإداريين داخل سجون الاحتلال الذين تجاوز عددهم ألف معتقل إداري، ولذلك فإنّ العمليّة قائمة على مدار الساعة خاصّة في شمال الضفّة الغربيّة.

ويُشير دراغمة إلى فرق كبير بين المقاومة الموجودة حالياً في العام 2023، وبين المقاومة في العام 2002 والتي على خلفيتها تم تنفيذ عملية "السور الواقي" في الضفة، وحينها كانت كافة الفصائل الفلسطينيّة تُشارك في المقاومة أي أنّ هناك عناوين واضحة للاحتلال يمكنه استهدافها أو اعتقالها، إلّا أنّ المرحلة الحاليّة من المقاومة تتمثل بعمليات فرديّة وليست خلايا منظّمة أو من خلال فصائل معيّنة مما يُصعّب على جيش الاحتلال القيام بعملية عسكريّة واسعة، إلّا أنّ هذا لا ينفي إمكانيّة إعلان الاحتلال عن عملية عسكرية واسعة في الضفة على شاكلة "السور الواقي"، ولكن هذا سيكون في حال تنفيذ عملية نوعيّة وكبيرة توقع عدد كبير من القتلى والخسائر في صفوف الاحتلال والمستوطنين، سواء في الداخل المحتل عام 1948، أو في الضفة الغربيّة.

معادلة ترابط الضفة مع قطاع غزّة

يرى دراغمة، أنّ العمليات العسكريّة الحاليّة مستمرة تحت اسم عملية "كاسر الأمواج"، ولكن مسألة إعادة تنفيذ أو تطبيق عملية "السور الواقي" مرّة أخرى هي مطالب للمستوطنين بالأساس وليس مطالب الجنرالات العسكريين، لأنّ الجهات الأمنيّة "الإسرائيليّة" عندما عُرضت عليها هذه الفكرة رفضتها بالمطلق لأنّ تنفيذ هذه العملية سيُؤدّي إلى دفع أثمان، وبالتالي ستتوسّع عمليات المقاومة في مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربيّة، والسبب الآخر لرفضها هو أنّ تنفيذها قد يدفع قطاع غزّة والمقاومة فيه للتدخّل مما يجر الاحتلال إلى مواجهةٍ عسكريّةٍ جديدة لا يريدها مع القطاع على الأقل في المرحلة الحاليّة.

شهر أيار/ مايو 2023 كان مليئاً بالأحداث، فإلى جانب العدوان الشرس الذي شنّه الاحتلال على قطاع غزّة وطال فيه كل شيء، حلّت الذكرى الـ75 للنكبة الفلسطينيّة المستمرة منذ عام 1948، وفي هذا الإطار يقول دراغمة: المخيمات وحدها ليست مصدر قلق للاحتلال، بل كل فلسطيني موجود على هذه الأرض يُشكّل مشكلةً حقيقيّة للاحتلال الذي يُريد تهجير كل فلسطيني إنّ استطاع، فنظرة الاحتلال في هذا الجانب واحدة للكل الفلسطيني وسياسة التهجير والتشريد تمارس ضد جميع الفلسطينيين أينما كانوا.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد