أنهت محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة 26 كانون الثاني/ يناير، جلستها للنطق بحكمها الأولي في القضية التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد كيان الاحتلال "الإسرائيلي" بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وأقّرت المحكمة جملة من القرارات التي تلزم "إسرائيل" بإجراءات مؤقتة، عكست تلبية للائحة المطالب التي قدمها الادعاء الجنوب أفريقي، باستثناء الدعوة الصريحة والمباشرة لكيان الاحتلال بوقف إطلاق النار.
رئيسة محكمة العدل الدولية جوان دونوغو، استهلت تقديم قرارات المحكمة، بالتأكيد على اختصاص العدل الدولية بالنظر في الدعوة المرفوعة ضد "إسرائيل"، وأكدت رفض طلب "إسرائيل" رد الدعوى، وأعلنت عن جملة من الإجراءات الطارئة، لمنع القتل بحق مجموعة بشرية أو التسبب بضرر جسيم لها.
ونظرت المحكمة في القضية بموجب المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، وأكّدت بموجب تلك المادّة أنّه على "إسرائيل" أن تتخذ "كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية..
وصوت أغلبية القضاة على قرارات محكمة العدل الدولية، بواقع 16 قاضياً من أصل 17 وامتناع القاضي "الإسرائيلي" عن التصويت للقرارات ضمن هيئة المحكمة.
وأكدت المحكمة أن "15 قاضيا في المحكمة صوتوا لاتخاذ "إسرائيل" تدابير لمنع أي أفعال تتعلق بالإبادة الجماعية"، كما صوّت 15 قاضيا مقابل اثنين، لصالح إلزام "إسرائيل" بمنع تدمير الأدلة المتعلقة بالإبادة الجماعية.
وشددت محكمة العدل الدولية، على حق الفلسطينيين بالحماية، ودعت "إسرائيل" على الفور للتأكد من أن جيشها لا يرتكب أي إجراءات موصوفة تندرج ضمن إطار الإبادة الجماعية، واتخاذ كل الإجراءات من أجل معاقبة التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد مجموعة الفلسطينيين في قطاع غزة.
كما قررت المحكمة، أنّه على "إسرائيل" أن تقوم فوراً باتخاذ إجراءات من أجل ضمان توفير الحاجات الإنسانية والمساعدات الملحة للفلسطينيين قطاع غزة.
ودعت المحكمة ضمن قراراتها كبان الاحتلال، إلى رفع تقرير خلال شهر واحد، بشأن التدابير الفورية التي تتخذها لمنع الإبادة الجماعية، والتي اقرتها المحكمة، وتسليم نسخة منه إلى دولة جنوب أفريقيا.
القرار تضمن إدانة لـ "إسرائيل" ووقف لإطلاق النار في مضمونه
جمهورية جنوب افريقيا، رحبت بقرارات المحكمة والتي وصفتها بالتاريخية، رغم انها لم تتضمن أمراً فورياً بوقف إطلاق النار، واعتبرت وزيرة الخارجية الجنوب أفريقية، أنّ القرارات لا يمكن تنفيذها دون وقف فوري للإطلاق النار.
وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندو في مؤتمر صحفي عقب انتهاء الجلسة، إنّ بلادها كانت تأمل أن تتضمن القرارات أمراً بوقف فوري لإطلاق النار، إلّا أنها اعتبرت القرارات "انتصار حاسم لسيادة القانون ومنعطف مهم في البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني".
وعبرت وزيرة الخارجية باندو، عن وقوف بلادها الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعت إلى عدم فقدان الأمل بتحقيق العدالة.
بدورها رحبت السلطة الفلسطينية، بالأمر القضائي التاريخي لمحكمة العدل الدولية، بفرض تدابير مؤقتة في قضية جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل"، وقبول الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في مخالفة لأحكام الاتفاقية الأممية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وأكدت السلطة الفلسطينية، "أن القرار المصيري لمحكمة العدل الدولية، يذكر العالم أن لا دولة فوق القانون، وأن العدل يسري على الجميع، ويضع هذا القرار حداً لثقافة الإجرام والإفلات من العقاب لـ"إسرائيل"، والتي تمثلت بعقود من الاحتلال، والتطهير العرقي، والاضطهاد، والفصل العنصري".
ودعت السلطة الفلسطينية "المجتمع الدولي للضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها المتواصل على قطاع غزة، ووقف جريمة الإبادة الجماعية، وجميع عمليات التدمير، وجريمة التهجير القسري، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2720 بسرعة إدخال المساعدات الإنسانية، والسماح الفوري بعودة النازحين لمنازلهم".
وفي تعليق قانوني، علّق الحقوقي الفلسطيني والمختص بالقانون الدولي المحامي أيمن أبو هاشم، بأنّ قرار محكمة العدل الدولية، مهم قانونيا إلى درجة كبيرة، حيث انه تضمّن في تعليل منطوق القرار وخلاصته النهائية إدانة واضحة لـ "إسرائيل."
ورأى أبو هاشم، أنّ القرار يحتوي في مضمونه مطالبة عاجلة لـ "إسرائيل" كي توقف تأجيج مسؤوليتها عن اعمال الإبادة، وبكل ما يتصل بالفقرات التي تحدد اركان هذه الجريمة الدولية، وهذا يعني بطريقة غير مباشرة وقف لإطلاق النار وإدخال مباشر للمساعدات الإنسانية العاجلة.
وكانت دولة جنوب أفريقيا قد تقدمت أمام محكمة العدل الدولية أواخر كانون الأول/ ديسمبر الفائت بدعوى تتهم "إسرائيل" بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حربها على قطاع غزة، وعقدت المحكمة جلستي استماع يومي 11 و12 كانون الثاني/ يناير إلى الدعوى التي قدمتها جمهورية جنوب أفريقيا، ضد كيان الاحتلال "الإسرائيلي" التي قدمت فيها دلائل على إثبات نوايا الاحتلال بارتكاب إبادة جماعية.