رغم تأزم الأوضاع الاقتصادية، فإن شهر رمضان يعكس صورة مغايرة للتكافل الاجتماعي، إذ مر شهر الصوم هذا العام وثمّة عائلات تكافح من أجل تحصيل ربطة الخبز اليوميّة، فلم يرأف الانهيار المادي المتسارع بأحوال اللاجئين الفلسطينيين المتدهورة أصلاً في لبنان، وتحول التفكير بتكلفة الإفطار إلى عبء إضافي يُقلق شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني في لبنان، لكنّ الأيادي البيضاء لم تنقطع، فمدّت العون، من خارج الحدود، إلى الأهالي المتعففة داخل مخيمات اللاجئين الفلسسطينيين.
مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان، كغيره من المخيمات التي تشهد ارتفاعاَ مطّرداً في معدلات الفقر، وتجلت ملامح الفقر بشدة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين داخله خلال رمضان، ولكنه في المقابل شهد مبادرات إنسانية عدة وبأفكار مختلفة.
في السنوات الأخيرة انتشرت هذه المبادرات بشكل كبير في المخيم خاصة مع تزايد الأوضاع المعيشية صعوبة، حيث دشن هذه المبادرات شباب وفتيات بجهود ذاتية لتقديم المساعدات للمستحقين في أحياء المخيم.
"مطبخ إفطار صائم... الإفطار لباب الدار"
تعمل مبادرة "مطبخ إفطار صائم... الإفطار لباب الدار" التي ينظمها النادي الثقافي الفلسطيني العربي للسنة التاسعة على التوالي على تحضير وجبات إفطار لنحو 400 صائم على مدار شهر رمضان المبارك، هذا المطبخ الرمضاني مبني على التطوع إذ تقوم النساء يومياً مع بدء شهر رمضان بتحضير وطهي وجبات الإفطار منذ الصباح، يعاونهن فريق آخر من الشباب يقومون بتغليف الوجبات وتوزيعها.
يقول أحمد الأمين مسؤول العمل الاجتماعي والصحفي في النادي الثقافي الفلسطيني العربي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "إنه رغم الصعوبات والضائقة المالية التي تمر على الجميع إلا أن أهل الخير دائماً موجودون ويمدون الأيادي البيضاء لأهالي مخيم البداوي وقطاع غزة".
وأشار الأمين إلى أنه في هذه السنة كان هناك توجه لإقامة مطبخ رمضاني في قطاع غزة وبدؤوا العمل به قبل شهر رمضان المبارك ليساعد في تأمين ولو جزء بسيط من الوجبات للفلسطينيين المنكوبين، وهذا كله يتوقف على التبرعات.
وأضاف الناشط الفلسطيني: "هذه السنة واجهنا صعوبات كثيرة وكان أهمها هو كيف يمكننا الموازنة فيما نقدمه بين المخيم وقطاع غزة، ما اضطرنا إلى تخفيف عدد العائلات المستفيدة من الوجبات في المخيم بحيث وصل العدد السنة الماضية إلى 850 عائلة، إلا أنه في هذه السنة بدأنا بـ 150 عائلة والآن استطعنا أن نصل إلى توفير وجبات إفطار لـ 400 عائلة".
مطبخ الوجبة النية واللحمة بعجين
"مطبخ الوجبة النية واللحمة بعجين".. حملة شهدها شهر رمضان للسنة الخامسة على التوالي في مخيم البداوي، حيث يتم إعداد المواد الأولية التي تحتاجها السيدة في المنزل لإعداد وجبة كاملة، وتوزع هذه المواد من خضار ولحم ودجاج وأرز وزيوت وسمن وحبوب وغيرها على 100 عائلة يومياً، من خلال متطوعين من الشباب والأطفال، وأيضا السيدات اللاتي حرصن على المشاركة الكبيرة فيها وإعداد المواد.
وتقول سناء شعبان المتطوعة في الحملة: إنها "عبارة عن وجبة نية يتم تجهيز جميع مكوناتها ونحرص على ألا يكون هناك أي نقص في الوجبة ونوزعها على العائلات المستهدفة الأكثر فقرًا في مخيم البداوي".
وأشارت شعبان إلى أن وجبة "اللحمة بعجين" اختاروها ويتم تقديمها جاهزة لأن الكثير من المنازل المستهدفة في مبادرتهم لا يملكون غازاً أو فرناً للطهي وهناك أيضًا من لا يستطيع أن يعجن العجين بسبب صعوبة أوضاعهم الصحية، لذلك اختاروا أن يقدموها جاهزة.
وتضيف شعبان: "في السنوات الأربع السابقة كانت المبادرة تقدم الوجبات النية واللحمة بعجين إلى حوالي 400عائلة تقريبًا بشكل يومي، إلا أنه في هذه السنة اضطروا إلى تخفيف عدد الوجبات الموزعة إلى 100 وجبة كحد أقصى وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الذي يمر به أهالي المخيم وكذلك لتوجه جزء من التبرعات إلى قطاع غزة الذي يواجه حرب إبادة "إسرائيلية".
برنامج "شو عبالك"
هو برنامج رمضاني تقوم فكرته على تلبية رغبات الصائمين من حالات العسر الشديد في مخيم البداوي.
ويقول فؤاد البنا منسق برنامج "شو عبالك" لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن البرنامج كان تجربة رمضانية مختلفة داخل المخيم استطاعوا من خلاله الوصول إلى الأسر الأشد فقرًا داخل المخيم وذلك عبر تلبية رغبات الصائم.
وأضاف البنا: "السنة الماضية بدأنا، كانت مخاطرة بالنسبة لنا مخافة من عدم تقبل الناس في المخيم فكرة البرنامج لأنه قائم على التصوير، استطعنا من خلال برنامج شو عبالك، الإضاءة على هذه الأسر المتعففة لتقديم المساعدة لهم وتلبية رغباتهم".
ولفت البنا إلى "أن هذا البرنامج سيستمر بعون الله وأنهم سيسعون إلى تطويره".
تظهر المتابعة اليومية للحالات الاجتماعية في مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان أنّ هناك من يحتاج حقّاً إلى رغيف الخبز، وعبر مثل هذه المبادرات يحاول متطوعون ووسطاء بين المحتاجين والمتبرعين سد العجز لدى عائلات أثقلت الأزمات كاهلها، في ظل غياب ملموس لأي دور رسمي وفصائلي فلسطيني في حل المشكلة الأساسية لهذه العائلات، سواء من خلال إيجاد مشاريع لتشغيل نسبة من اللاجئين في المخيمات أو الضغط لتحصيل الحقوقية الإنسانية للاجئين الفلسطينيين وفي مقدمتها حق العمل.