أثارت توصيات تقرير المراجعة الدولية المستقلة برئاسة الوزيرة الفرنسية السابقة "كاثرين كولونا" بخصوص أداء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قلقاً كبيراً لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، خاصة تلك التي تتعلق بـ "حيادية" الموظفين ومحتوى المناهج التي تدرس في مدارس الوكالة، وزيادة الموظفين الدوليين واعتماد نظام الشراكة الذي وصف بأنه "يقوض عمل الوكالة ويؤثر في تقديم خدماتها في المستقبل".
وصدر التقرير الكامل للجنة المراجعة، يوم الاثنين 22 نيسان/ إبريل الفائت، تحت عنوان "مراجعة مستقلة للآليات والإجراءات لضمان التزام الوكالة بمبدأ الحياد الإنساني" من 48 صفحة، وتضمن 50 توصية، من بينها تدابير "لمساعدة الوكالة في التعامل مع التحديات الماثلة أمام حيادها، في 8 مجالات، وطالبت بإدخال تحسينات مهمة وفورية في مجالات متعددة" ورحب المفوض العام للوكالة بتلك التوصيات، وأكد الالتزام بها.
اقرأ/ي الخبر: "أونروا" تؤكد التزامها بتنفيذ توصيات المراجعة الدولية المستقلة، ما التوصيات؟
إلا أن تلك التوصيات قوبلت بأصداء قلق من قبل اللاجئين الفلسطينيين والمختصين بشؤونهم، وأكّد باحثون مختصون حاورهم بوابة اللاجئين الفلسطينيين أن توصيات التقرير جاءت سلبية، وتؤثر سلباً في حياة وعمل اللاجئين الفلسطينيين، ودعوا إلى التدخل الدبلوماسي والإعلامي والثقافي وتفعيل حراك، من أجل تعديل هذه التوصيات وضمان احترام عادات وقيم وتراث اللاجئين الفلسطينيين.
90 % من محتوى التقرير مسيء للوكالة ولقضية اللاجئين الفلسطينيين
وفي هذا الإطار، أكّد مدير الهيئة (302) من أجل الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين علي هويدي، أن التقرير جاء بغالبيته "مسيئاً" لوكالة "أونروا" ولدورها الاستراتيجي المتعلق بالبعد السياسي والإنساني لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وكشف أن 90% من التقرير كان مسيئاً للوكالة ولقضية اللاجئين، بينما كانت نسبة 10% إيجابية فقط، وتتعلق بتبرئة 12 موظفًا من مزاعم الاحتلال "الإسرائيلي" حول مشاركتهم في عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأشار هويدي إلى أن التقرير يتحدث عن جسم دولي إشرافي تنفيذي على وكالة "أونروا" من خارجها، ما يهدد بنزع المسؤولية الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وتابع: طالبت الوزيرة "كولونا" في التقرير أن يكون هناك المزيد من ممارسة الحيادية على وكالة "أونروا"، وهذا طبعاً هدفه تحجيم الدور الوطني لموظفي وكالة "أونرو"ا ونزع انتمائهم الوطني وهويتهم على المدى البعيد، بحسب هويدي.
وأكد مدير الهيئة (302) أن الجزء الثاني والأكثر خطورة في التقرير هو "زيادة عدد الموظفين الدوليين داخل الوكالة، لفرض المزيد من الرقابة وممارسة الأدوار البوليسية على برامج عمل مما يقوض دورها ويمهد لتصفيتها".
وأضاف هويدي: أن التقرير يتحدث أيضاً عن حيادية المرافق وأهمية استبعادها على المستوى العسكري، معرباً عن تأييد الفلسطينيين لذلك، إلّا أنّ التقرير لم يتطرق إلى قتل الاحتلال "الإسرائيلي" لعدد كبير من موظفي "أونروا" واستهداف منشآتها الصحية وقتل المدنيين الفلسطينيين، معبراً أن هذا التقرير يمهد لمرحلة استراتيجية جديدة تتعامل مع وكالة "أونروا" وتهدف إلى حسر دورها في العمل الإغاثي، ما يهدف إلى توطين ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين.
50 توصية حملها التقرير كل منها يشكل قيداً جديداً على عمل (أونروا)
من جهته، أبدى الباحث والمفكر في شؤون اللاجئين جابر سليمان استياءه من تقرير المراجعة الدولية لوكالة "أونروا"، مؤكداً أن نفي مزاعم الاحتلال بمشاركة 12 موظفاً في عملية طوفان الأقصى كان تحصيل حاصلاً لأنه كان ادعاءً كاذباً بالأساس.
وأضاف سليمان لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، أن التقرير يحمل في طياته 50 توصية، كل منها يشكل قيداً جديداً على عمل "أونروا"، مشيراً إلى أن ذلك يندرج في سياق استهداف الوكالة بهدف تصفيتها، في إطار مخطط لم يبدأ في عهد ادارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وبعد حرب الإبادة على غزة، وإنما في عام 2013 عندما أقر الكونغرس الأمريكي موازنته ثم في عهد إدارة "دونالد ترامب" التي قطعت التمويل كلياً عن الوكالة.
وأشار سليمان إلى أن تثبيت فكرة الشراكة في التقرير يعني التعاون مع منظمات دولية أخرى بهدف استبدال "أونروا"، معبراً بأن ذلك تهديد لوجود الوكالة.
وأوضح، أنّ إثارة مفهوم الشراكة في التقرير يشي بالتعاون مع منظمات دولية أخرى لكي تكون خطوة من أجل استبدال الوكالة بمنظمات دولية أخرى خاصة عندما تم التطرق لبرنامج الغذاء العالمي و (USAID) وحتى اليونيسف.
وتابع: "إذاً اعادة النظر في مفهوم الشراكة يحمل في طياته تهديد باستهداف وجود الأونروا"، مشيرا إلى أن الدول التي قطعت التمويل وعلى رأسها الولايات المتحدة مستعدة أن تقدم أضعاف مضاعفة مما تقدمه من مساعدات لتلك المنظمات بشرط ان لا تكون "أونروا" هي الجهة المعنية باستمرار صلاحياتها بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينين.
وطالب سليمان منظمة التحرير الفلسطينية بالتحرك دبلوماسياً في الأمم المتحدة لضمان استمرار عمل وتمويل الوكالة بالشكل السابق.
وفيما يتعلق بموضوع المناهج، أكد سليمان أن توصيات التقرير تستهدف الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية الثقافية، مشيراً إلى أن هذا الأمر يتعارض مع القرارات الدولية التي تكفل حق الشعوب في التعبير عن هويتها.
لماذا لم يتم التعاطي مع آلاف موظفي (أونروا) الفلسطينين في غزة على أنهم موظفون دوليون حين استهدفهم الاحتلال؟
أمّا الحقوقي الفلسطيني فؤاد بكر، فقد تساءل عمّا إذا كانت اتفاقية "فيينا" للعلاقة الدبلوماسية، تنطبق على الموظف الفلسطيني الذي يشغل بعض المناصب في وكالة "أونروا" في حال تحدث بأي شيء يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي المقابل هل تؤمن له الحماية إذا تعرض لأي ظرف.
وقال بكر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: نحن شاهدنا كل المدارس التي قصفت في قطاع غزة من قبل العدو "الإسرائيلي" لماذا لم يتم التعاطي مع آلاف الموظفين في "أونروا" على أساس أنهم دبلوماسيون وموظفون في الأمم المتحدة؟"
وشدد بكر على أنّ هذه نقطة جوهرية، وتؤكد على أن الحياد يمارس فقط على الموظفين الدوليين وليس الموظفين الصغار.
واكد الحقوقي الفلسطيني، على أنه لا يمكن لأحد حرمان اللاجئ الفلسطيني من الثقافة الوطنية، "وبالتالي إذا استمروا بنهجهم في موضوع تنقيح مناهج التعليم في مدارس الأونروا، فهو ضد مبدأ معرفة الثقافة ويحق لكل شخص معرفة ثقافة بلده وموطنه، وبالتالي فإن في ذلك مخالفة للمبادئ الإنسانية الدولية" حسبما أضاف.