ما إن تجدد الحراك الطلابي التضامني مع قطاع غزة والقضية الفلسطينية، في عدد من الجامعات الأوروبية والأمريكية حتى سارعت شرطة بعض الدول إلى قمعه، وفض الاعتصامات الطلابية بالقوة واعتقال عدد من الطلاب.
في جامعة فيينا أعاد عدد من الطلاب نصب خيامهم في اعتصام احتجاجي في جامعة فيينا التقنية التي تملك اتفاقات تعاون مع المعهد التقني التابع للاحتلال الإسرائيلي، سرعان ما فضته الشرطة واعتقلت 16 طالباً أطلق سراحهم، بعد توقيف ليوم واحد.
وهو ما حصل أيضاً في جامعة "همبولت" بالعاصمة الألمانية برلين، بعد تجدد الاعتصام فيها، حيث عمدت الشرطة إلى طرد المعتصمين بعد تفكيك خيامهم، وكذا الحال مع طلاب جامعة "أوتريخت" بهولندا.
هذا الحراك شكل حالة لافتة لجهة اتساعه وانخراط طلاب جامعات كثيرة في أنحاء مختلفة من دول العالم، فما إن بدأت المخيمات الطلابية في جامعات النخبة بالولات المتحدة الأميركية بحراك التضامن، حتى وصل الحراك إلى الجامعات الأوروبية وإلى اليابان وغيرها.
وتجاوز عدد الجامعات التي ضمت مخيمات احتجاجية المائة في الولايات المتحدة، ما دفع السلطات إلى قمع المحتجين واعتقال أعداد كبيرة منهم، وتفكيك الاعتصامات الاحتجاجية، وسط توقعات باتساعه، رغم القمع الذي يتعرض له الطلبة.
وأثارت هذه الاحتجاجات التساؤلات حول مستقبلها وإمكانية اتساعها والاستفادة منها سياسياً وقدرتها على التأثير على صانع القرار في الدول الأوروبية، حيث شكلت حالة داعمة للحركة التضامنية العالمية التي تشهدها الكثير من الدول الغربية والعالمية.
قمع الحراك التضامني مع غزة ساهم في اتساعه
وقالت الدكتورة رباب عبد الهادي المديرة التأسيسية للبرنامج الأكاديمي لدراسات الجاليات العربية والمسلمة بالمهجر: إن "هذا التضامن الواسع في الجامعات الأميركية نتاج لعمل تراكمي منذ سنوات، حيث الجهد الأكبر كان لطلاب من أجل العدالة في فلسطين ولهم لجان في كل جامعة تقريباً وينظمون ويشاركون بالاحتجاجات بهدف وقف الاستثمارات بين إسرائيل والجامعات الأميركية لكونها تدعم الإبادة الجامعية والعنصرية والفصل العنصري والاستعمار".
وأضافت أن "الحراك التضامني انتشر بسرعة، بعد طوفان الأقصى لأن الجامعات اتخذت قرارات تعسفية بحق الطلاب الذين تظاهروا واحتجوا في خرق للحريات الأكاديمية وحتى للدستور الأميركي، الذي ينص على الحق في تنظيم أنفسهم وحرية التعبير عن الرأي".
وتابعت: أن "الطلاب رفضوا ما يسمى قرارات التأديب، خاصة أن مطالبهم مشروعة بوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وادعت إدارات الجامعات أنها تسعى لحماية الطلاب اليهود، وهذا غير صحيح، فما يقارب نصف الطلاب المشاركين من اليهود ويتحدثون أن إسرائيل لا تمثلنا ورغم ذلك تصر الجامعات على رأيها لكن الحقيقة أنهم يسعون لحماية المصالح الصهيونية".
ولفتت عبد الهادي إلى أن أكثر من 100 جامعة شاركت حتى الآن ويتعرض الطلاب إلى القمع، فمثلاً جامعة كولومبيا أحضرت شرطة نيويورك لقمع الطلاب، وبعض الطلاب فصلوا وطردوا من مساكنهم، لكن بعض الناشطين والمتضامنين، وفروا لهم بيوت وأماكن للسكن للاستمرار.
وأوضحت أن دور الأكاديميين بارز في هذا الحراك، فمن خلال المناهج الدراسية في الجامعات يجري الكتابة حول فلسطين كي يتعلم الطلاب ما جرى ويجرى فيها، "فمعرفتهم بما يجري هناك يمثل دافعاً للتحرك، لذا تحاول إدارة الجامعات تجريم تدريس ما يرتبط بفلسطين" وفق ما تضيف.
حراك تراكمي توقعات بتصاعده
وتوقعت عبد الهادي أن يؤدي الحراك إلى زيادة التفاعل في المدى القصير، لأنه "حراك تراكمي"، كما أنه على المدى الطويل، سيتسع، بسبب وعي الطلاب، ودعم الكثير من المحاضرين لهم، والمثال على ذلك اتخاذ العديد من المحاضرين قراراً بمقاطعة جامعة كولومبيا لقمعها الطلاب والأساتذة.
وأشارت عبد الهادي إلى هذه التحركات يمكن أن تتصاعد، "بشكل يرفع معنويات الصامدين في غزة وكل فلسطين، وهذا مهم لكونه يضغط على الحكومة الأميركية لوقف الدعم العسكري المباشر وهو ما ينبغي أن يحدث لإيقافه، لأنه أساس استمرار الحرب على الشعب الفلسطيني".
بدوره الناشط الطلابي في جامعة أوترخيت بهولندا مدحت العيماوي أكد أن التضامن الطلابي يتفاوت في قوته واتساعه تبعاً لتطور الأوضاع في فلسطين المحتلة، لذا توسع في الفترة الأخيرة بسبب استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة منذ نحو 8 أشهر.
ورأى أن الحراك الطلابي في هولندا تأثر بالحراك الجاري في الولايات المتحدة الأميركية، لذا نصب الطلاب الخيام في عدد من الجامعات التي تعرضت للقمع من قبل الشرطة.
كما عبر العيماوي عن صعوبة التوقع بمسار الحراك الطلابي الحالي، لكونه مرتبط بالطلاب أنفسهم ورد فعل السلطات الأوروبية عليه، وتبعاً لتطور مجريات حرب الإبادة في القطاع.