في الثاني من أيلول/ سبتمبر الجاري نجحت والدة الطفلتين حنان ومسك الدقي من تطعيم طفلتيها في أحد المراكز المخصصة للتطعيم ضد فيروس شلل الأطفال بدير البلح وسط قطاع غزة، وظنت أنها حمتهما من المرض، ولكن "ترف" التطعيم بالنسبة لشعب يواجه حرب إبادة لا يحمي من الصواريخ والقذائف المميتة.
لم تمر 24 ساعة، حتى ارتقت الوالدة شيماء شهيدةً جراء قصف "إسرائيلي" استهدف المنزل الذي تقيم فيه العائلة، وتيمت طفلتاها وليس هذا فقط، بل فقدتا سيقانهما، وكذلك أصيب الأب.
اللقاح الذي كابدت منظمات أممية بأكملها لإدخاله إلى قطاع غزة بعد تعنت "إسرائيلي" لم يحمي الطفلتان من الصواريخ "الإسرائيلية"، وهكذا ما يزال مجتمع دولي بأكمله (ظن أنه حقق إنجازاً بإدخال اللقاحات لأطفال غزة) عاجزاً عن حماية الأطفال الفلسطينيين من النيران "الإسرائيلية".
حنان الدقي (3 سنوات) وأختها مسك (لم تكمل العامين) أصبحتا بلا سيقان، وقتلت مباهج الدنيا في نفسيهما قبل أن يسيرا فيها خطوات قليلة، وهذا نصيب الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة دون أطفال العالم أجمع من الحياة.
وكان جيش الاحتلال "الإسرائيلي" قد ادعى أن المناطق التي سيتم فيها إعطاء لقاحات شلل الأطفال ستكون "آمنة"، وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت عن موافقة الاحتلال على "هدنة إنسانية" لمدة ثلاثة أيام على الأقل في أجزاء من قطاع غزة ابتداء من 31 آب/أغسطس لتسهيل حملة التطعيم بعد أن سجلت المنطقة أول حالة إصابة بشلل الأطفال منذ ربع قرن.
ولكن هذا لم يحدث، واستمر الاستهداف "الإسرائيلي" لمناطق في وسط قطاع غزة في اليومين الأولين من شهر أيلول/ الجاري حيث كانت مراكز التطعيم تعج بالفلسطينيين، ولم تنته فترة التطعيم في المحافظة الوسطى حين قُصف منزلُ الطفلتين اللتين تلقتا التطعيم، ولكنهما أصيبتا بالشلل الدائم وفقدان الأم بعد يوم واحد.
تقول شفاء الدقي عمة الطفلتين لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" استهدف منزلاً يعج بالنازحين والسكان يوم 3 أيلول/ سبتمبر في محافظة دير البلح المنطقة خلال فترة الهدنة الإنسانية للتطعيم ضد شلل الأطفال، وكان أخوها وزوجته وابنتاه ضحايا القصف، حيث ارتقت الزوجة وأصيب الأخ وكذلك الطفلتان.
حنان الصغيرة التي فقدت ساقيها تصيبها الحمى وتهذي طوال الوقت بطلب والدتها التي رحلت
تقاسي الطفلة حنان معاناة أخرى إلى جانب بتر ساقيها الاثنتين فهي بحاجة الى عملية استرجاع أمعاء وعملية أخرى لغلق ثقب في الأمعاء، كما تعاني من جروح وحروق أخرى في وجهها، ومنعت من الطعام والشراب بسبب عملية في معدتها خضعت لها جراء الإصابة، وسمح لها الطبيب بشرب 5 سم مياه كل ساعة فقط، وفق ما تؤكد العمة.
تضيف العمة شفاء الدقي: "حنان تعاني أيضاً من حمى تصيبها بشكل متكرر وتهذي طوال الوقت بطلب المياه ووالدتها (25 عاما) واستشهدت في ذات الاستهداف"
تتألم شفاء الدقي جراء استشهاد زوجة أخيها وتركها هاتين الطفلتين مع عاهة مستديمة، وتقول: "والدتهما شيماء عانت طيلة أشهر العدوان من وضع نفسي صعب جراء خوفها من غارات الاحتلال حيث كانت تخشى على ابنتيها، وكانت لا تستطيع تناول الطعام وفقدت الكثير من وزنها، وها هي اليوم غادرت الحياة شابة صغيرة مخلفة وراءها طفلتين وقد فقدتا سيقانهما، وزوجاً يرقد في العناية المركزة جراء القصف الإسرائيلي".
في غزة تحول حلم الفتيات من الحصول على حذاء سندريلا إلى الحصول على طرف اصطناعي
تحاول الدقي التخفيف عن طفلتي أخيها بقدر المستطاع إلا أن عاطفتها تخونها في كثير من الأحيان فتذرف الدموع على حاليهما، فهي تعجز أن تحل محل والدتهن في الوقت الذي لا يفارق مخيلتها "شكل المستقبل الذي ينتظرهن لاسيما حينما تبدأ حنان بالاستيقاظ والوعي لحالتها" وتضيف "كل ما أفعله الآن هو إعطاؤها الماء وتمنيتها برؤية أمها والذهاب إليها".
تتابع: "أشعر بالذعر مما سيحل بهذه الفتاة وأتخيل دائماً الأطفال الذي هم بنفس عمرها من بنات خالتها ومحيطها في المنزل بنفس، أشعر بالخوف، كيف ستشعر هذه الفتاة؟ ماذا سوف أفعل معها حينما ترى نفسها مختلفة عمن هم بعمرها؟ كيف سترتدي ملابسها؟ سوف تقول: لي أتمنى مثل هذه وتلك، أريد فستاناً أريد حذاء".
تذرف شفاء الدموع وتناشد "جميع الدول والمؤسسات والعالم لتوثيق هذه الجرائم الوحشية الموجهة بشكل مباشر على أطفال غزة" مشيرة إلى أن أطفال قطاع غزة جميعهم يعيشون يومياً حالات الخوف والرعب والصدمات النفسية المتتالية، "لم يعيشوا شيئاً من هذه الحياة لم يلعبوا كسائر أطفال العالم ولم يتناولوا الطعام اللذيذ".
وتطالب من تسميهم الجهات المختصة بالمساعدة في تركيب أطراف اصطناعية لابنتي أخيها، قائلة: "هنا في غزة تحول حلم الفتيات من الحصول على حذاء سندريلا إلى الحصول على طرف اصطناعي".