شكلت مصادقة الكنيست "الإسرائيلي" على قانون حظر أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، حالة من "الصدمة" جراء جرأة الكيان الإسرائيلي حد التطاول على منظمة أممية أنشئت بقرار دولي مثلما هو نشأ بقرار دولي أيضاً" بحسب وصف محللين سياسيين وحقوقيين.
وفي إطار مسلسل هجمات "إسرائيلية" شرسة طالت وكالة "أونروا" وتصاعدت بالتزامن مع حرب الإبادة "الإسرائيلية" على قطاع غزة، أقر الكنيست بأغلبية ساحقة (92 مقابل 10) – ما يعكس المزاج السياسي العدائي لكيان الاحتلال- مشروع قانون يحظر عمل "أونروا" داخل الأراضي الفلسطينية عام 48، ما وجد فيه معظم مسؤولي الأمم المتحدة والمستوى الرسمي والفصائلي الفلسطيني وحكومات عربية ودولية وحقوقيين خطراً محدقاً بقضية اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية عموماً، وتطاولاً غير مسبوق في إطار تحقيق هدف إنهاء وجود "أونروا".
ورغم تحذيرات كثيرة ومطالبات سابقة من قبل مؤسسات حقوقية دولية ومحلية بوضع حد للسلوك "الإسرائيلي" العدائي ضد "أونروا" وهي مؤسسة تابعة للأمم المتحدة إلا أن ردود الفعل سواء الأممية أو الفلسطينية أو العربية أو الدولية طيلة سنين من الهجوم الواضح والصريح على الوكالة لم ترتق إلى مستوى الفعل "الإسرائيلي"، ما يرى فيه محللون تجاوزاً مكّن الكيان "الإسرائيلي" من الاستمرار وتصعيد هجومه السياسي والعسكري على منظمة دولية، "رغم مخالفته كافة الشرائع والأعراف الدولية".
مواقف الأمم المتحدة لا ترتقي إلى مستوى الحدث
يقول مدير الهئية (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي في هذا السياق: إن المطلوب اليوم هو حماية المنظمات الأممية من قبل الامم المتحدة لأن الكيان "الإسرائيلي" يسعى لاغتيال وكالة "أونروا" من خلال قرار الكنيست، وهذا من الممكن أن يفتح الشهية "الإسرائيلية" في مراحل لاحقة لاستهداف منظمات أممية أخرى.
ويعبّر لبوابة اللاجئين الفلسطينيين بأن مواقف الأمم المتحدة لا ترتقي إلى مستوى الحدث حتى هذه اللحظة، قائلاً: "تابعنا البيانات وبيان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، وهو لا يسمن ولا يغني من جوع وحتى البيان الصادر عن المندوبين الأمريكي والبريطاني في الأمم المتحدة لا يصب في خانة استحضار اهمية الحدث".
يؤكد هويدي أن "قرار الكنيست يخالف قوانين الأمم المتحدة والقرارات الدولية حتى أنه يضرب الاتفاق الأمريكي -الإسرائيلي الموقع عام 1967 الذي يتيح لوكالة "أونروا" العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948"، موضحاً ضرورة "استشعار" أهمية هذا الأمر لأن الاحتلال "الإسرائيلي" واضح في مخططهى لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة من خلال استهداف وكالة "أونروا".
ويستدرك هويدي أنه حتى لو انتهى عمل وكالة "أونروا" أو تم تحجيم دورها فإن ذلك لا يؤثر على دورها القانوني والسياسي المرتبط بوجود بقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة.
قرار الكنيست يشكل استهدافاً مباشراً لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين
في هذا السياق يحذر الباحث الفلسطيني جابر سليمان من مخاطر هذا القرار الشديدة على عمل وكالة "أونروا" وعلى تداعياته المترتبة على الوضع الاقتصادي والإنساني للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس و قطاع غزة، مؤكداً أن قرار الكنيست يستهدف حق العودة بشكل مباشر "لأن القرار (302) الذي أنشئت بموجبه الوكالة ولد من رحم القرار (194) القاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين".
يقول سليمان لموقعنا: إن القرار ليس مفاجئاً "وكنا ننتظره بعد عودة الكنسيت من العطلة الشتوية والقرار تمتد جذوره الى العام 2018 عندما تم استهداف الوكالة من قبل دونالد ترامب الذي قطع التمويل آنذاك وصولاً إلى كانون الأول/ ديسمبر 2023 حينما سربت مخططات وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تسعى إلى إنهاء عمل وكالة (أونروا) على ثلاث مراحل"، موضحاً أن الخطوة الأولى كانت "تجريم الأونروا" عبر تقارير شاملة تربط الوكالة بالإرهاب واتهام بعض موظفيها بالضلوع في عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والثانية تقليص خدمات "أونروا" عبر البحث عن منظمات دولية بديلة، والثالثة تتعلق بالإدارة التي ستتولى أمر القطاع بعد الحرب هي من ستنتقل إليها مهمات "أونروا".
قرار الكنيست حال تنفيذه سيلقي بآثاره على مئات آلاف الفلسطينيين في الضفة والقدس وقطاع غزة
كذلك يرى مدير مؤسسة (شاهد) لحقوق الإنسان محمود الحنفي، أن القرار "الإسرائيلي" على المستوى السياسي "يقضي على حلم وآمال ملايين اللاجئين الفلسطينيين حول العالم خاصة في المناطق التي حددها في القدس وفي قطاع غزة والضفة الغربية، طبعاً هو لم يستطع فعل ذلك على مستوى الأردن ولبنان ولكن نحن نتكلم عن ثلثي اللاجئين الفلسطينيين" بحسب وصفه.
وحذر من تبعات هذا القرار على المستوى الإجرائي حيث سيلقي بآثاره على مليون وستمائة ألف لاجئ فلسطيني في قطاع غزة بالإضافة إلى 13 ألف موظف سيصير مصيرهم مجهولاً، وهناك أيضاً 8 مخيمات و700 مدرسة و300 ألف طالب و22 مركزاً صحياً.
مضيفاً أنه على مستوى الضفة الغربية بما فيها القدس أيضاً سيكون الوضع كارثياً لأن عدد الموظفين هناك يبلغ 3850 موظفاً فيما يوجد 900 ألف لاجئ فلسطيني تقدم لهم وكالة "أونروا" الخدمات في 19 مخيماً، وهناك أيضاَ 96 مدرسة تابعة للوكالة فيها 46 ألف طالب و43 مركزاً صحياً.
واصفاً الأمر بالخطير جداً ويتطلب تدخلاً كبيراً ليس على مستوى الأشخاص والمنظمات بل على المستوى دولي لان وكالة "أونروا" هي منظمة أممية أنشئت بموجب قرار دولي.
بما أن الأمم المتحدة لم تعترف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل) فإن من حق (أونروا) العمل في شرقي القدس
يعدد الباحث الحقوقي فؤاد بكر الانتهاكات للقوانين الدولية التي يحملها قرار الكنيست في ثناياه، بالتأكيد أن منع "أونروا" كمنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة من ممارسة عملها الإنساني والإغاثي للاجئين الفلسطينيين ودعم حقهم لاسيما في مجال الصحة والتعليم، يعتبر تقييداُ لحقوق الانسان، كما أن حظر "إسرائيل" لعمل وكالة "أونروا" هو انتهاك لالتزاماتها الدولية، حيث وافقت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما في ذلك "إسرائيل" على التفويض الممنوح للوكالة، (ويشمل هذا التفويض تقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في الأقاليم الخمسة بما في ذلك شرقي القدس).
وأوضح لبوابة اللاجئين الفلسطينيين بما أن الأمم المتحدة لم تعترف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" فإن من حق "أونروا" العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك شرقي القدس وهذا معترف به دولياً، مشيراً إلى أن حظر نشاطها يعد خرقاً لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الانساني الذي يحظر على الدولة المحتلة تغيير الوضع القانوني أو الديمغرافي للأراضي المحتلة، كما أن للمدنيين في هذه المناطق حقوقاً إنسانية يجب حمايتها، ومن ضمنها حقهم في الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم والإغاثة التي تقدمها "أونروا".
يضيف بكر أن "إسرائيل انتهكت من خلال هذا القرار مبدأ عدم التمييز، الذي يُعد أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث أن اللاجئين الفلسطينيين في شرقي القدس سيُحرمون بموجبه من الخدمات ما يُعد تمييزاً على أساس الهوية والعرق، ويثبت أن إسرائيل دولة فصل عنصري، وهذه أيضاً جريمة ضد الإنسانية".
المطلوب فلسطينياً تشكيل لوبيات ضغط داخل الأمم المتحدة
والحال هذه مع أبعاد وتداعيات قرار الكنيست بحظر أنشطة "أونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يؤكد علي هويدي أن المطلوب فلسطينياً هو الضغط أكثر في أروقة الأمم المتحدة، وعلى مندوب دولة فلسطين أن يقود حراكاً ضاغطاً لمعاقبة الاحتلال "الإسرائيلي" ومنعه من تنفيذ القرار بقرار أممي، موضحاً: بأنه يجب على مندوب منظمة التحرير تشكيل لوبيات داخل المؤسسة الدولية الأم وهذا الأمر بحاجة إلى جهد مضاعف، وأيضاً "حراك إعلامي دبلوماسي يساهم في مجال التوعية حول أهمية هذه الوكالة وفي نفس الوقت فضح الكيان الإسرائيلي الذي يتعامل مع المنظمات الدولية وقضية اللجوء بشكل سافر ويسعى لتصفية القضية".
في السياق ذاته يرى محمود حنفي أن للسلطة ومنظمة التحرير 100 سفارة حول العالم، و"على هذه السفارات أن تتحرك بشكل مكثف جداً لتبيان مخاطر قرار الكنيست وانتهاكه للقانون الدولي وتأثيره على الخدمات التي تقدمها (أونروا) وتعتبر شريان حياة لبقاء الفلسطينيين، وهذا الضغط مهم جداً مقابل التبني الأمريكي للاحتلال إن لا يمكن أن يمر هذا القرار دون ضوء أخضر أمريكي".
موضوع ذو صلة: أبو حسنة: مواجهة قرار حظر "أونروا" يجب أن يتم في الأمم المتحدة والدول الرافضة له
طرح مشروع قرار على الجمعية العامة لسحب عضوية (إسرائيل) مطلوب في هذه المرحلة
ودعا إلى أهمية وجود تنسيق فلسطيني مع الدول المانحة لـ "أونروا" من أجل تشكيل ضغط دبلوماسي على "إسرائيل"، عبر إعداد مشروع قرار يقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة النظر في قرار الكنيست وتأكيد الدعم الدولي لاستمرار عمل "أونروا" وزيادة تمويلها وتأكيد الاعتراف الدولي بولايتها شرقي القدس.
وأضاف: "المطلوب الآن بما أن إسرائيل لم تعد تعترف بالأمم المتحدة ومندوبها داني دانون مزق الميثاق وانهال بالشتائم على الامين العام للأمم المتحدة، واستهدفت منظمات دولية من ضمنها (أونروا) أن يقابل ذلك بطرح مشروع على الجمعية العامة لسحب عضوية إسرائيل) موضحاً أن الأمر يحتاج إلى تحرك دبلوماسي واستحضار لوبيات ضاغطة من الدول المتعاطفة مع فلسطين.
على الجامعة العربية التحرك بقوة لطرد (إسرائيل) من الأمم المتحدة
يرى الباحث الفلسطيني جابر سليمان أن هذا التحرك المطلوب ليس منوطاً بالفلسطينيين فقط، بل على الجانب العرب تحمل المسؤولية إزاء مجابهة الهجمة "الإسرائيلية" على وكالة "اونروا" وعلى جامعة الدول العربية بالتحديد التحرك في هذا الإطار.
وقال: إن جامعة الدول العربية تعقد مؤتمرات المشرفين على شؤون اللاجئين، و"عليها الآن التحرك في الساحة الدبلوماسية الدولية وفي الأمم المتحدة من خلال حملة واسعة النطاق، خصوصاً ان هناك تأييداً واسعاً لعمل (أونروا) في كل المراحل السابقة" موضحاً أن على الجامعة العربية السعي بشدة لطرد "إسرائيل" من الامم المتحدة، لأن قرار الكنيست يمثل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة ولقرارات الجمعية العمومية الخاصة بفلسطين، مستدركاً بأنه "مع كل ما يجري فإن هذا القرار لا يسقط صفة اللجوء عن الفلسطينيين ولكنه سيؤثر على الخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة وهو محصلة لما يخطط له في اليوم التالي من الحرب على غزة وإبعاد (أونروا) كلياًعن قطاع غزة".
اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ممكن لمواجهة القرار
يوضح الباحث الحقوقي فؤاد بكر أن مواجهة قرار الكنيست عبر الأطر القانونية ممكن من خلال اللجوء الى محكمة العدل الدولية إما بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار فتوى استشارية، أو بتقديم أي دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة شكوى ضد "إسرائيل" لعدم التزامها بتفويض"أونروا" التي وافقت عليه عام 1948، ومحاولتها لتغيير الوضع القانوني لشرقي القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وأوضح أيضاَ أنه يمكن اللجوء إلى المحاكم الوطنية الأوروبية من خلال المنظمات الدولية لإصدار قرارات إدانة لقرار الكنيست وفرض عقوبات على "إسرائيل" ووقف الدعم المالي لها من قبل الحكومات الأوربية.
وأشار أيضاً إلى خيار آخر وهو اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان ودعوته إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية وإصدار تقارير تدين حظر عمل "أونرا" في شرقي القدس، وتضع "إسرائيل" تحت الرقابة الدولية.
هي إذاً دعوات ومطالبات للإسراع في مواجهة الخطوة "الإسرائيلية" التي سبقتها خطوات في تقويض عمل وكالة "أونروا" وزعزعته بأساليب لم تستثن قتل موظفيها في قطاع غزة ولبنان، والتحريض عليها ووسمها بـ "الإرهاب" وتدمير منشآتها في القطاع والهجوم عليها في القدس، ليبقى السؤال هل سيتحرك المستوى الفلسطيني الرسمي أو وكالة "أونروا" ذاتها للدفاع عن نفسها ووجودها، وهل سستستجيب الأمم المتحدة وتتخذ خطوة عملية تمنع حصول الفعل "الإسرائيلي" الذي لم تستطعه منعه في قطاع غزة منذ أكثر من عام؟