يقف آلاف الفلسطينيين في غزة في صفوف طويلة أمام الأفران، التي باتت مهددة بالإغلاق بسبب نفاد الموارد الأساسية، فيما يحاول الأهالي تأمين ما تبقى من أرغفة الخبز وسط أزمة إنسانية متفاقمة، مع استمرار عدوان الاحتلال وإطالة أمد حرب الإبادة.
وتستخدم "إسرائيل" أساليب التجويع والتعطيش كأدوات ضغط عسكرية، مما جعل الأوضاع أكثر قتامة في القطاع، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء، إلى جانب الانهيار شبه التام للبنية التحتية الأساسية، ما يفاقم من معاناة مليوني فلسطيني محاصرين.
وفي شمال غزة المحاصر يقترب الأهالي من كارثة مجاعة وشيكة بفعل تعنت "إسرائيلي" بمنع تدفق المساعدات الإنسانية من الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية، ما يهدد بموت آلاف الفلسطينيين المحاصرين.
ويشكل توقف غالبية المخابز العاملة في مختلف محافظات قطاع عن العمل مؤشراً خطيراً على اقتراب مجاعة واسعة النطاق يصحبها أزمة عطش في الجنوب تلوح بالأفق ما يمثل تدهوراً سريعاً في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين والنازحين.
توقف غالبية مخابز قطاع غزة عن العمل
ويأتي ذلك التطور بعد إعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أنه لا يزال 7 مخابز فقط من أصل 19 مخبزاً مدعومة إنسانيًا تعمل في قطاع غزة، فيما تؤكد أن محافظتي دير البلح وخان يونس يعمل بها 3 مخابز بكامل طاقتها، ولكنها قد تتوقف لنفاد الدقيق في غضون أيام.
وبيّنت "أونروا" أن نقص الوقود في محافظة غزة أدى إلى انخفاض الإنتاج إلى 50%، بينما في محافظات شمال غزة ورفح المحاصرين، لا تزال المخابز مغلقة.
وحذرت الوكالة الأممية من أن التأخير في تسليم الوقود والدقيق يزيد تفاقم الأزمة، مما يترك عددًا لا يحصى من الناس دون الحصول على الخبز مشددة على أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لدعم المحتاجين بشدة.
ووثقت تقارير أممية زيادة حادة في أعداد الأسر التي تعاني الجوع الشديد، حيث باتت حياة مئات آلاف الفلسطينيين الجوعى أو المتضورين جوعا في غزة مهددة؛ بسبب إغلاق المعابر وشح الإغاثة، والتهديد الوشيك بتوقف الأفران بفعل نقص الدقيق والوقود.
من جهته، حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" من أن النهب المسلح الذي يفاقمه انهيار النظام العام والسلامة في غزة أصبح منظما بشكل متزايد بما يعرض أيضا العاملين في مجال الإغاثة للخطر، ويجعل من المستحيل تقريبا على المنظمات الإنسانية القيام بعملها.
وعلى مدار الأسابيع الستة الماضية منعت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" الواردات التجارية الذي ترافق مع تصاعد النهب المسلح الذي يستهدف القوافل الإنسانية وسائقي الشاحنات مع انهيار النظام العام والسلامة الأمر الذي عرقل بشكل أكبر قدرة المنظمات الإنسانية على جمع الإمدادات من المناطق الحدودية وتوصيل المساعدات الضرورية وفقاً لتقارير أممية.
شاحنات الأمم المتحدة تحت طائلة النهب والسرقات
وفي هذا الصدد قال مهند هادي منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة:" إن المدنيين الفلسطينيين يكافحون من أجل البقاء، في ظروف لا تصلح للحياة مع استمرار الأعمال العدائية، "إنهم يُدفعون إلى حافة الهاوية، ويفتقرون إلى الوصول للدعم الضروري الذي يحتاجونه بشدة، ليعانوا من كارثة إنسانية لا تُضاهى".
وأضاف المسؤول الأممي أن شاحنات الأمم المتحدة نُهبت 75 مرة - هذا العام - منها 15 هجوما منذ الرابع من الشهر الحالي. في الوقت ذاته اقتحم مسلحون منشآت الأمم المتحدة نحو 30 مرة. وفي الأسبوع الماضي تعرض سائق في قافلة لإطلاق النار على رأسه، ودخل المستشفى للعلاج مع زملائه.
ويشدد هادي على أن الوكالات الإنسانية في غزة تظل ملتزمة بالبقاء والعمل، ولكن التساؤلات تطرح بشكل متزايد حول مدى قدرتها على العمل. وناشد من أجل "وصول آمن وبدون إعاقات" للمساعدات لأنحاء غزة عبر سبل قانونية.
أزمة عطش تهدد نازحي جنوبي قطاع غزة
وفي جنوب قطاع غزة، تزداد أوضاع السكان والنازحين في مدينة خان يونس تدهورًا، لا سيما مع إعلان البلدية توقف مرافق المياه والمضخات والصرف الصحي وآليات جمع النفايات؛ بسبب نفاد الوقود ومنع الاحتلال إدخال الشحنات المطلوبة.
ويشكو الفلسطينيون من انقطاع المياه في محافظة خانيونس بعد توقف محطة تحلية المياه حيث لا يتمكن النازحون من الحصول على الماء بعد قطعهم مسافات طويلة للوصول إلى المحطة التي تضخ الماء الصالحة للاستخدام، إلا أنهم يضطرون اليوم لاستعمال المياه غير النظيفة وغير المؤهلة للاستخدام.
نقص الوقود يدفع بالنظام الصحي إلى حافة الانهيار
ولم يقتصر تأثير أزمة انقطاع الوقود على المياه فحسب، بل عمل على انتشار الحشرات والبعوض والقوارض نتيجة تراكم النفايات على الطرقات، وفي أزقة الشوارع وذلك بعد تعطل الخدمات الأساسية للبلدية ما أدى إلى تراكم أكثر من 250 ألف طن نفايات في الشوارع والمكبات العشوائية المؤقتة.
ويلقي نقص الوقود بتبعاته أيضاً على النظام الصحي الذي يقف على أعتاب الانهيار الكلي وتوقف المستشفيات عن تقديم خدماتها للمرضى وجرحى العدوان والحرب المستمرة على قطاع غزة.
وفي سياق متصل، وجهت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة إنذاراً عاجل من خطورة توقف مستشفيات قطاع غزة كاملة عن العمل أو تقلص من خدماتها خلال 48 ساعة؛ بسبب عرقلة الاحتلال إدخال الوقود، ودعمه لقطّاع الطرق الذين يمنعون إدخال المعونات.
كما دعت وزارة الصحة المؤسسات الدولية لاستغلال قرار الجنائية الدولية لوقف حرب الإبادة الجماعية، وإدخال كل ما يحتاجه قطاع غزة من وقود ودواء واحتياجات أساسية، وإرسال وفود طبية، والحفاظ على استمرارية المستشفيات في تقديم الخدمة الإنسانية والصحية.