أجرت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مؤخراً سلسلة لقاءات حول أوضاع الفلسطينيين في لبنان، فور انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وكان آخرها اجتماع مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك، ووكالة غوث وشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في السراي الحكومي في بيروت.
وناقش الاجتماع ملفات مهمة وحساسة تتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وبحقوق اللاجئين الفلسطينين المسلوبة في لبنان، وأهمها حقا العمل والتملك، واقتراح قانوني لتأمين الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينين في لبنان، وطريقة إدارة المخيمات الفلسطينية "بما لا يضعضع الأمن فيها".
ولعل انتخاب الرئيس الجديد في لبنان جوزف عون، وتكليف الرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة يفتح نافذة أمل في المستقبل نحو وضع أفضل للاجئين الفلسطينين وتحسين أوضاع المخيمات الفلسطينية التي عانت لعقود في هذا البلد.
وللإطلاع أكثر على بعض الملفات التي تتعلق بما يجري العمل عليه في المرحلة المقبلة، أجرى موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين حواراً مع مدير لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني عبد الناصر الأيّي للحديث عن ملفات "حساسة" يجري العمل على وضعها على جدول أعمال الحكومة الجديدة وستطرح أمام مجلس النواب وعلى رأسها، حقوق الفلسطينييين وملف السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات.
ملف السلاح خارج المخيمات
الأيّي لموقعنا: إنّ إغلاق ملف السلاح خارج المخيمات هو الخطوة الاخيرة لإنجاز هذا الملف الصعب والمعقد الذي استمر النقاش فيه لمدة سنتين وأكثر، معبّراً أن تسليم كل القواعد العسكرية الموجودة خارج المخيمات للجيش اللبناني أواخر العام الماضي جاء كتتويج لمسار عمل تم إنجازه يضمن وجود الجيش اللبناني في هذه المراكز.
وفيما يتعلق بالسلاح الفلسطيني داخل المخيمات، قال مدير لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني: "نحن نتفهم المخاوف الفلسطينية من تسليم السلاح الداخلي خاصة التجارب الماضية المريرة ونحن مدركين لهذه المخاوف الحقيقية"، مضيفاً: "نحن جميعاً تحت مظلة القوة الأمنية اللبنانية سواء الجيش اللبناني أو الأجهزة الأمنية، وسيتحول أمن المخيمات لمسؤوليتها، مثلها مثل أمن أي منطقة لبنانية من حيث المسؤولية وضبط الأمن والتأكد من حماية السكان الموجودين".
ولفت عبد الناصر الأيّي إلى أن إنهاء ملف السلاح خارج المخيمات نهائياً جاء لتجاوب الفصائل وهيئة العمل الفلسطيني المشترك حيث ترك انطباع ايجابي لدى اللبنانيين لامكانية ايجاد حلول لمسألة السلاح.
وأشار المسؤول اللبناني إلى مسار يتم العمل عليه، متعلق بحل إشكالية المطلوبين داخل المخيمات، وبشكل أساسي يعتمد الحل قائم على فكرة أن يكون هناك تسليم طوعي، وفق ضمانات بتلقيهم محاكمات سريعة وعادلة، وفي نفس الوقت تقوم المنظمات والمؤسسات المعنية بتأمين دخل عائلاتهم خلال فترة المحاكمة.
حقوق الفلسطينيين
وأكد عبد الناصر الآيَي لموقعنا أن ملف منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم، لا سيما العمل والتملك، نوقش أيضاً في اجتماع السراي الحكومي ببيروت، وظهرت بوادر ايجابية وجدية متعلقة بتقديم حقوق مدنية واجتماعية واقتصادية للفلسطينيين في لبنان.
وكشف الآيّي، عن مشروع قانون شامل سيُطرح لأوّل مرة بطريقة مختلفة، حيث كان في السابق يجري طرح حقوق اللاجئين بشكل مجتزأ، موضحاً أنّ الطرح الذي قدمته اللجنة، يتضمن قانوناً متكاملاً يُعرف أولاً، ما هو التوطين ورفضه، ومن هو اللاجئ الفلسطيني، ويعرّف أيضاً ما هي الحقوق الاساسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتشمل حق العمل والتملك وما هي الشروط المطلوبة.
وأشار إلى أن القانون اليوم سلك المسار القانوني وأصبح بين يدي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل اللبنانية، قائلاً: "نحن نملك خياراً من خيارين في هذا المسار، إما التشريع من قبل المجلس النيابي أو التشريع عن الحكومة بشكل مباشر".
العمل دون إجازة مسبقة للاجئين الفلسطينيين
وأكد أن الطرح غايةً في الجدية، خاصة بعد قبول الكتل النيابية التي كانت تقف عائقاً أمام منح الفلسطينيين حقوقهم وحصل تحول في موقفها خلال السنة الماضية، "وذلك بعد أن عمل رئيس لجنة الحوار الدكتور باسل الحسن بشكل مكثف وأجبر بعض الكتل على تغيير موقفها من الفلسطينيين".
ويتضمن القانون، بحسب ما كشف المسؤول اللبناني مسألة الإدارة المستقبلية للمخيمات، وآلياتها، إضافة إلى بنود حول البطاقة الممغنطة البيومترية للاجئين الفلسطينيين بدلاً من الهوية المكتوبة بخط اليد، وهي الأساس لاعطاء الفلسطينيين جملة الحقوق.
وقال: "التشريع المطروح في نص القانون يتيح حق العمل للاجئين دون إجازة مسبقة ، وبمجرد حيازة اللاجئ الفلسطيني على البطاقة البيومترية يحق له العمل بكافة المهن".
وفيما يتعلق بالمهن الحرة المنظمة بالنقابات، أشار الآيّي إلى أنّ الحوار جار مع النقابات حول هذه المسألة، موضحاً أن النقابات التي لا تشترط الجنسية اللبنانية لعضويتها كثيرة ضمن المهن الحرّة.
وأضاف: "من الممكن إزالة بند التعامل بالمثل على اللاجئين الفلسطينيين أما المهن التي تنظم بشرط الجنسية فهذه تحتاج إلى نقاش وخلق حالة استثنائية بما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين".
واوضح الآيّي، أن اللاجئين الفلسطينيين موجودون في سوق العمل اللبناني، ولكن بطريقة غير منظمة، معبراً بأن ذلك مؤذ للعامل الفلسطيني باعتبار أنه لا يأخذ حقوق العمل الطبيعية مثل العقود والضمان والتأمينات، ومجحف بحق الدولة اللبنانية باعتبار أنه لا يدفع أي ضرائب.
ولفت إلى المساهمة الإيجابية الكبيرة التي يقدمها اللاجئون الفلسطينيون في الاقتصاد اللبناني وتدوير الحركة التجارية في لبنان. مؤكداً أنّ الفلسطيني هو الوحيد من غير الفئة اللبنانية الذي ينفق مدخوله في لبنان ولا يرسله إلى الخارج، بل إنّ هناك اجتلابٌ لرؤوس أموال فلسطينية إلى لبنان، وكما أن مساعدة المقيمين في الخارج وإرسال أموال لعائلاتهم الفلسطينية في لبنان يشكل رافداً اقتصادياً مهماً.
أما عن المخاوف من العدد الكبير للاجئين الفلسطينيين الموجودين في سوق العمل اللبناني، أوضح الآيي أنّ تلك مخاوف واهمة، حيث أنّ الأعداد ليست بالأعداد الهائلة، وبالأساس جزء منها يعمل في السوق اللبناني، وبالتالي فإن عملية الاستيعاب بسوق العمل لن تكون بالصعوبة التي يتخيلها البعض.
قانون تملك جديد
وفيما يتعلق بقانون التملك، قال مدير لجنة الحوار اللبناني: إن هناك طرحاً لمجموعة قيود متعلقة بالتملك، وتتضمّن: "حجم العقار المستملك، بمعنى لا يستطيع اللاجئ استملاك عشرات العقارات، وفي نفس الوقت هو غير مقيد، بمعنى أنه سيسمح للاجئ الفلسطيني بالحد الادنى استملاك شقة يستطيع أن يسكن فيها مع عائلته وقادر على توريثها".
ولفت الآيّي إلى عدم وجود أطر زمنية فيما يتعلق بالتشريع لأن الموضوع مفتوح للنقاش والحوار و"هذه هي الطريقة التي أرادتها الحكومة اللبنانية للتعامل مع الإخوة الفلسطينيين".
وقال: "نحن متفائلين خيراً ونعمل بكل جدية لإنجاز هذا الموضوع خلال أقصر فترة ممكنة، متأملين خيراً بالعهد الجديد، ولدينا رئيس جمهورية كان خطابه واضحا بالقسم حول مسألة العيش الكريم للاجئ الفلسطيني وفرض سيادة الدولة بالوقت نفسه، ولدينا رئيس حكومة معروف تجاه القضية الفلسطينية ولكن لديه رلأي تشريعي وقانوني لأساسي فيما يتعلق بمسالة الحقوق وإعطائها للاجئين الفلسطينيين".
أمن المخيمات الفلسطينية
وأضاف: لا شيء يحدث بالغصب وبالقوة، بل هناك حوار منفتح وتفاهم حول ما هي المصلحة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، موضحاً أن الاجتماع الذي عُقد مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك ثبت قواعد التفاهم على أساس عدم المقايضة بمسألة الحقوق والسلاح، فهذان موضوعان منفصلان عن بعضهما البعض.
وأكد أن موضوع الحقوق يجب أن يتم لأنه "التزام لبناني تجاه حقوق الإنسان داخل البلد بشكل أساسي، فكيف إذا كانت فئة من السكان موجودة على الاراضي اللبنانية منذ أكثر من 75 سنة بدون أدنى مقومات للحياة الانسانية داخل المخيمات الفلسطينية".
وقال: "نحن اخترنا هذا المسار في الحديث مع كل الفصائل الفلسطينية دون إقصاء لأي أحد ونحن نعتبرهم جميعاً مشاركين وشركاء في تأمين استقرار وتعزيز الأمن في البلد".
وفيما يتعلق بدخول الدولة إلى المخيمات الفلسطينية، قال مدير لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني: إنّ دخول الدولة الى المخيمات لن يكون بمنظور أمنى فقط، بل نريد الدولة أن تكون موجودة في المخيمات للمشاركة في تأمين الخدمات العامة مثل الكهرباء وتحسين البنية التحتية.
وأشار إلى أنّ المخيمات تعاني من فراغ هائل، وبالتالي يجب إيجاد لآليات حل بهدف تنظيم شبكات الكهرباء وبالبنى التحتية وكل المسائل التي لا تقوم بها وكالة "أونروا"، وأنّ تكون رعايتها عبر المؤسسات الحكومية، مع التأكيد على وجود التمثيل المحلي، "أي أن آليات الحكم المحلي ستكون تشاركية، وسيشارك فيها الإخوة الفلسطينييون الموجودون داخل المخيمات، وهم من حقهم أن يعبروا عن مطالبهم وأن يكونوا جزءاً من إدارة مخيماتهم".
وتابع:" نحن نتعامل مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك وهي الإطار السياسي الجامع لكل الفصائل الفلسطينية بما فيها القوى الإسلامية، ونحن دائماً نحث على ضرورة توحد الفلسطينيين، خاصة في لبنان بعد كل الظروف التي مرت فيها المنطقة بأكملها سواء الحروب والنزاعات".
ولفت إلى أنّ لجنة الحوار تتبنى نفس الخطاب حول الوحدة الفلسطينية بالشراكة مع السفارة الفلسطينية، حول ضرورة توحد الفلسطينيين حول ماذا يريدون من لبنان، خاصة في هذه المرحلة، وإلا من الممكن أن يكون هناك عرقلة لكل المسارات الإيجابية التي يتم العمل عليها.
تحديات وعوائق
وتحدث الآيَي، عن تحديات كبيرة كانت تعترض طريق لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خاصة أمام واقع اقتصادي صعب، الدولة عاجزة فيه عن القيام بتقديم الخدمات الأساسية للسكان.
وقال: هناك صعوبة أن نطلب من المؤسسات الرسمية والوزارات الحكومية ان توسع نشاطتها لتشمل المخيمات الفلسطينية، وهذا كان تحديا ًصعباً، اما التحدي الآخر الذي يواجه لجنة الحوار وهو تراجع دور وكالة "أونروا" في تقديمها للخدمات داخل المخيمات، وهذا يترك ضغطاً وعبئاً على كل اللاجئين.
كما أشار إلى تحديات لبنانية سياسية معروفة، موضحاً وجود اختلاف بوجهات النظر بالرغم أنها تقلصت في الآونة الاخيرة بين اللبنانيين حول منح الفلسطينيين حقوقهم في لبنان، "ولكن ما زال هناك تباينات لا يمكننا أن نغفل عنها وهذا يدفعنا للعمل بجهد وكثافة مع هذه القوى السياسية حتى نتمكن من تحقيق حلول على المدى الطويل لمسألة اللجوء الفلسطيني"، بحسب الآيّي.
دور وكالة "أونروا"
وتطرق الآيّي للتحديات التي تواجهها وكالة "أونروا"، إذ تتعرض في هذه المرحلة لظرف صعب ولأكبر هجوم بتاريخها، وهي في مرحلة التحدي الحقيقي الوجودي في الاستمرار.
وشدد الأيّي دعم لبنان لاستمرار دور "أونروا" وقال:" نحن أخبرنا المجتمع الدولي أنه لا إمكانية للحكومة اللبنانية أن تحل مكان (أونروا) ولا أن تستلم أي دورمن أدوارها، ولا بديل عن الوكالة مهما كلف الثمن وبالتالي وجودها ضروري وأساسي، ونحن مع التأكيد لعدم نقل صلاحياتها لأي جهة، وهذا مرفوض بالنسبة لنا بشكل قاطع ومحسوم".
وأوضح أن لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني تعمل على دعم الوكالة من خلال ثلاثة مسارات إساسية وهي إصلاحات "أونروا" الداخلية، فعلى الوكالة مواكبة العصر وأن تجري الكثير من الإصلاحات التي تتعلق بخدماتها وكيفية تحديد أولوياتها بما يتناسب مع حاجات اللاجئي.
وحول المسار المتعلق بالتمويل وكيفية التواصل ومخاطبة المجتمع الدولي لتأمين الاحتياجات الاساسية لـ "أونروا"، عبّر أنه يجب بذل الجهود، حتى تبقى الوكالة قادرة على القيام بدورها داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان.