وقفت عشرات العائلات الفلسطينية اللاجئة في مخيم نور شمس بمدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، وسط غصات الحسرة والقهر لإلقاء النظرة الأخيرة على منازلها التي لم تتمكن حتى من وداعها أو دخولها للمرة الأخيرة واستخراج ما يمكن من الحاجيات وبعض من الذكريات، بعد إعلان قرار الاحتلال "الإسرائيلي" هدمها وتنفيذ القرار.
واليوم مع استمرار العدوان "الإسرائيلي" على مخيم نور شمس شرقي طولكرم في شمال غربي الضفة الغربية لليوم الـ 26 على التوالي، باشرت جرافات الاحتلال بهدم 17 بناية سكنية تضم خمسين منزلاً لفلسطينيين لم يعد لهم مأوى بعدما هجروا قسراً من مخيمهم من ضمن نحو 10 آلاف فلسطيني تم تهجيرهم بقوة السلاح منذ بدء العدوان الذي تسبب أيضاً في دمار مروع بالبنية التحتية، وقطع للمياه والكهرباء والاتصال وسط حصار عدد من الفلسطينيين داخل المخيم.
لم تلك اللحظة متوقعة من قبل الأهالي الذين ظلوا يعتقدون للحظات الأخيرة أنهم سوف يتمكنون من العودة إلى منازلهم ولو بعد حين، في مشهد يشبه كثيراً مشاهد النكبة الفلسطينية عام 1948، حين اعتقد آباء وأجداد هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم أنهم لن يغيبوا عن بيوتهم سوى مدة قليلة وظلت مفاتيح البيوت بحوزتهم ولكن الغياب استمر حتى يومنا هذا.
وعبّر عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين منعهم رصاص وقناصة الاحتلال من الدخول إلى منازلهم وإحضار احتياجاتهم منها، عن مشاعر الحسرة والخذلان التي تملكهم منذ اللحظة التي خرجوا فيها مذعورين من مراكز الإيواء متوجهين نحو منازلهم للدخول إليها أو الحصول على أي شيء من داخلها إلا أن جنود الاحتلال قابلوهم بزخات من الرصاص.
آلاف اللاجئين الفلسطينين من المخيم بلا مأوى
وروت المسنة أميرة شلبي من مخيم نور شمس لبوابة اللاجئين الفلسطينين أنها جاءت لتفقد بيتها مخاطرة بحياتها من أجل أخذ بعض المستلزمات منه إلا أنها لم تتمكن من دخول المنزل وأخذ ما تريد.
وقالت في صوت مختنق: "أبنائي من زهرتهم كبروا داخل هذا المنزل وجاؤوا كثيرا لزيارتي، ذكريات كثيرة تعز عليا وعلى عائلتي نواسي بعضنا البعض الآن لا يوجد لي مأوى لا أستطيع استئجار منزل يعز علي هذا المنزل".
تضيف شلبي: إنها اعتقدت أن نزوحها لن يدوم طويلاً، معبرة عن أسفها بان الأمر طال ولا توجد بارقة أمل لها بالعودة خاصة بعدما تم هدم منزلها، "لن نشعر بالاطمئنان أبداً من الآن فصاعداً"،.
وناشدت "الأمة العربية والإسلامية ومن يحمل ضميراً بأن يوفروا للفلسطينيين النازحيم مأوى ينامون فيه".
ذكريات صارت ركاماً
خالد أبو سريس نازح آخر من مخيم نور شمس أبلغته سلطات الاحتلال بهدم منزله قبل نصف ساعة من عملية الهدم، حيث تضمنت القائمة منزله أيضاً برفقة منازل جيرانه ضمن مسار معين يخطط الاحتلال لشقه داخل المخيم حيث أعداد المنازل المشرعة للهدم كثيرة.
وبعيون تفيض من الدمع حزناً على منزله، يقول أبو سريس: "أعيش في هذا المنزل مع عائلتي منذ عام 1950، تربيت منذ الطفولة وانا طفل صغير في هذا المنزل ماذا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل".
هدية محمود مسنة ونازحة أيضاً من مخيم نور شمس وقفت طويلاً حائرة أمام منزلها لتتمكن من دخوله والحصول على بعض حاجياتها، وهي على شفا حافة الانهيار والحزن قهراً على عدم التمكن من دخول المنزل للمرة الأخيرة في حياتها قبل أن يصبح ركاماً فوق الركام.
شهادات مؤثرة لأهالي #مخيم_نور_شمس بمدينة #طولكرم النازحين بفعل العدوان "الإسرائيلي" المستمر منذ 26 يوماً وتلقوا قرار هدم بيوتهم ثم منعهم رصاص جيش الاحتلال "الإسرائيلي" من الدخول للمخيم وأخذ أغراضهم#الضفة_الغربية pic.twitter.com/eA604mRTRO
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) March 5, 2025
وتمكن لاجئون فلسطينيون آخرون بشق الأنفس، من دخول المخيم وقاموا بنقل بعض الأجهزة الكهربائية وقطع من الأثاث لبيوت مجاورة، فيما اصطحب آخرون مقتنيات خفيفة معهم لخارج المخيم.
وعادة ما يبلغ جيش الاحتلال "الإسرائيلي" إنذارات الهدم إلى جهات رسمية في السلطة الفلسطينية تبلغها بدورها إلى مؤسسات في المخيمات، لكن الوقت لا يكون كافياً لنقل الأثاث من هذه البيوت.
وبحسب رئيس لجنة خدمات المخيم التابعة لمنظمة التحرير، نهاد الشاويش، فإن هذه "العملية هي الثانية خلال أسبوع، حيث هدمت جرافات إسرائيلية قبل أيام 11 منزلاً".
وأفاد الشاويش لوكالة "الأناضول" بأن المنازل التي هدمت اليوم تضم عددًا من الطبقات والشقق السكينة، ما يعني ترك عشرات العائلات دون منازل، مؤكداً "عمليات الهدم عقاب جماعي، وتهدف إلى تغيير بيئة المخيم الجغرافية بحجج أمنية واهية".
ومنذ 21 كانون الثاني/ يناير الماضي شن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عدواناً عسكرياً على مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية، بدأ من مدينة ومخيم جنين حيث يتواصل العدوان لليوم الـ 43 على التوالي، وامتد إلى مدينة طولكرم ومخيميها (طولكرم ونور شمس) ولاحقاً مخيم الفارعة وبلدة طمون في طوباس، قبل أن تنسحب منهما قوات الاحتلال مخلفة شهداء ومصابين ودماراً واسعاً.