في تصعيد خطير للإبادة "الإسرائيلية"، ارتكب جيش الاحتلال مجزرتين منفصلتين صباح اليوم الأحد 1 حزيران/ يونيو، استهدفتا مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الغذائية عند نقطتي توزيع في رفح جنوب القطاع ومحور "نتساريم" وسط غزة، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، في مشهد يؤكد استمرار سياسة القتل الممنهج بحق المدنيين العزل.

حصيلة دموية متصاعدة وأعداد كبيرة من المفقودين

أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن حصيلة المجازر عند نقاط التوزيع المختلفة بلغت 39 شهيداً وأكثر من 220 جريحاً، وذلك في غضون ساعات قليلة فقط. وجاءت هذه الأرقام وسط تحذيرات من صعوبة رفع الحصيلة النهائية بسبب استمرار عمليات البحث عن مفقودين تحت الأنقاض.

وأفاد المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسراً بأنه "يتابع بقلق بالغ المجزرة الوحشية التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي"، مشيراً إلى "أنباء مقلقة عن فقدان عدد غير معلوم من المواطنين وانقطاع آثارهم منذ لحظة الحدث". واعتبر المركز أن هذا الهجوم يمثل "استمراراً لسياسة ممنهجة في استدراج المدنيين إلى مواقع خطرة، وتحويلها إلى كمائن قاتلة".

تفاصيل المجزرتين: رفح ومحور نتساريم

في التفاصيل، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرتين منفصلتين:

أولاً: مجزرة نقطة التوزيع في رفح
أطلقت قوات الاحتلال نيرانها المباشرة على آلاف المدنيين المتجمهرين عند نقطة توزيع مساعدات غرب المدينة، تحت الإشراف المزعوم لقوات الاحتلال. وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بأن طواقمه "نقلت 23 شهيداً و23 مصاباً من موقع المجزرة"، في ظل صعوبات لوجستية كبيرة وعدم تمكن الفرق الطبية من الوصول إلى جميع الضحايا بسبب إطلاق النار المتواصل.

ثانياً: مجزرة محور نتساريم
بشكل متزامن، استهدفت القوات الإسرائيلية نقطة توزيع ثانية قرب محور نتساريم وسط القطاع، حيث نقلت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني 14 مصاباً من الموقع، فيما لا تزال عمليات البحث جارية عن ضحايا آخرين.

الاحتلال يمنع وصول طواقم الإسعاف لموقع الجريمة

أفاد فارس عفانة، مدير الإسعاف والخدمات الطبية في شمال غزة، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي منعت طواقم الإسعاف من الوصول إلى موقع القصف قرب مركز المساعدات الأمريكي غرب رفح، مما عرقل عمليات إنقاذ الجرحى. وأكد عفانة أن قوات الاحتلال "تستهدف سيارات الإسعاف بشكل متعمد"، مشيراً إلى نقص حاد في الإمكانات اللازمة لمواجهة القصف المتواصل.

بدوره، وصف محمد أبو عفش، مدير الإغاثة الطبية في غزة، مراكز توزيع المساعدات بأنها "أصبحت مواقع للقتل المتعمد"، مشيراً إلى أن قوات الاحتلال تستهدف الفلسطينيين بعيارات نارية مباشرة في الرأس والصدر عند اقترابهم من هذه النقاط. وأكد أبو عفش أن الاحتلال يُجبر المدنيين على التوجه إلى مواقع غير آمنة، داعياً إلى تكليف الأمم المتحدة والمنظمات المحايدة بإدارة عملية التوزيع.

أزمة إنسانية طاحنة تعصف بقطاع غزة مع انهيار النظام الصحي

تعاني المستشفيات في قطاع غزة من انهيار كامل في ظل تدفق مئات المصابين جراء المجازر الإسرائيلية الأخيرة، حيث أعلنت وزارة الصحة عن وصول أكثر من مئتي مصاب إلى مجمع ناصر الطبي وحده، بينهم ثلاثون حالة حرجة وخمس حالات موت سريري، بالإضافة إلى واحد وعشرين شهيداً في حصيلة أولية لم تكتمل بعد.

وتواجه المنشآت الطبية في القطاع ظروفاً كارثية غير مسبوقة، حيث تعاني أقسام الطوارئ والعمليات والعناية المركزة من ازدحام هائل يفوق طاقتها الاستيعابية بأضعاف مضاعفة. ويواجه الكادر الطبي نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية الأساسية، خاصة مستهلكات الجراحة ووحدات الدم التي أصبحت شبه منعدمة، مما يعيق بشكل كبير قدرة المستشفيات على تقديم الرعاية المناسبة للجرحى.

وقد وصل النظام الصحي في القطاع إلى مرحلة العجز الكامل عن استيعاب الكم الهائل من الإصابات الخطيرة التي تصل بشكل متواصل، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي وعدم توفر الحد الأدنى من الإمكانات الطبية أو الأدوية اللازمة. وتعمل الفرق الطبية في ظروف بالغة الصعوبة، حيث تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه رغم شح الإمكانات وانهيار البنية التحتية الصحية بشكل شبه كامل.

الإعلام الحكومي يدعو لتشكيل لجنة تحقيق لتوثيق هذه الجرائم

أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بياناً وصف فيه الحادثين بأنهما "جريمتا حرب مكتملتا الأركان"، محملاً الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سياسة "القتل بالجوع". كما طالب بتحرك دولي عاجل لوقف ما وصفه بـ"مسرحية التوزيع القاتلة".

كما دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة على وجه السرعة، لتوثيق هذه المجازر، بما فيها جرائم القتل في مواقع توزيع المساعدات، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية.

من جانبها، ناشدت منظمات حقوقية المجتمع الدولي للتحرك العاجل، مؤكدة أن عمليات التوزيع "تجرى تحت تهديد السلاح"، وحذرت من تحول نقاط التوزيع إلى "مسالخ مفتوحة".

أطباء بلا حدود: إسرائيل تستخدم المساعدات بغزة أداة للتهجير

من ناحيتها أكدت منظمة أطباء بلا حدود أن "إسرائيل" تستخدم المساعدات أداة لتهجير السكان قسرا ضمن ما يبدو أنه استراتيجية للتطهير العرقي.

وأكدت أن "إسرائيل" تتبع نهجا خطيرا في توزيع المساعدات وتوجهها حصرا إلى مناطق تختار حشد المدنيين فيها مشيرة إلى أنها تفرض معاملة مجردة من الإنسانية في غزة منذ أكثر من 19 شهرا.

وقالت أطباء بلا حدود في بيان مقتضب: "البداية الكارثية لتوزيع الغذاء تثبت أن الخطة الأميركية الإسرائيلية غير مجدية".

استمرار الحصار والمجاعة

يواصل الاحتلال الإسرائيلي حصاره الخانق للقطاع لليوم الـ90 على التوالي، فيما تواجه وكالات الإغاثة صعوبات جمة في الوصول إلى المحتاجين، وسط تحذيرات أممية من مجاعة شاملة تهدد 2.4 مليون فلسطيني. وتأتي هذه المجازر الجديدة لتؤكد فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين، واستمرار سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد سكان غزة.

 

 

 

وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد