في ظل أزمة مالية غير مسبوقة تواجهها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، عُقدت اجتماعات لجنتها الاستشارية في العاصمة الأردنية عمّان يومي 25 و26 حزيران/يونيو 2025، بمشاركة نحو 30 دولة من الأعضاء الدائمين، وممثلين عن الدول العربية المضيفة، والدول المانحة، والمجموعة الأوروبية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.
استعرضت الاجتماعات تقارير ميدانية شاملة من مناطق عمليات الوكالة الخمس، عكست واقعًا مأزومًا يتسم بتراجع حاد في الخدمات الأساسية، وعجز مالي متراكم يهدد قدرة "أونروا" على مواصلة تقديم خدماتها الحيوية لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني.
وركّزت التقارير على الأزمات المتصاعدة التي تواجه المخيمات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن، والتي أدّت إلى تفاقم الضغوط على خدمات التعليم والصحة والإغاثة.
وفي غزة، سلّطت التقارير الضوء على أثر العدوان المتواصل، والانهيار الصحي، والاحتياجات الغذائية والنفسية المتصاعدة، وسط تحذيرات من تفشي الأمراض وسوء التغذية لدى الأطفال.
أما في لبنان وسوريا، فقد أظهر الانهيار الاقتصادي أثره العميق على القدرة الشرائية للاجئين وتقلّص البرامج الصحية والتعليمية، وتزايد التحديات أمام بقاء المدارس والمراكز الصحية في الخدمة.
وفي الضفة الغربية والأردن، أشير إلى القيود الأمنية وتزايد الفقر والاحتياجات السكانية، ما أدى إلى ضغط إضافي على مراكز الخدمات، وتهديد مباشر لاستدامة البرامج الاجتماعية.
وطالبت التقارير بحماية الكوادر الميدانية وتقديم الدعم النفسي واللوجستي لهم، إلى جانب إشراك اللاجئين في تحديد أولويات التدخلات الإنسانية. وأكدت أن المعالجة لا يمكن أن تتم دون تمويل مستدام واستجابة شاملة تعكس حجم التحديات.
من جهته، دعا رئيس دائرة شؤون اللاجئين الدكتور أحمد أبو هولي إلى حماية ولاية "أونروا" وفق قرار الأمم المتحدة رقم 302، مؤكدًا أن استمرار الوكالة يمثل ضرورة إنسانية وسياسية حتى تحقيق حل عادل للاجئين.
وأشار في كلمته، إلى أن الوكالة تواجه عجزًا بقيمة 200 مليون دولار في موازنة 2025، ما يهدد بدفع رواتب تموز/يوليو واستمرار الخدمات الأساسية، محذرًا من تقويض ولايتها بفعل الإجراءات التقشفية، ومنها إجازة 620 موظفًا من غزة دون أجر.
وطالب أبو هولي بإلغاء هذه الإجراءات، وتوفير تمويل مرن ومتعدد السنوات، وتوسيع قاعدة المانحين، وشدد على ضرورة دمج الوكالة في جهود إعادة الإعمار، بما يعزز ولايتها، ويصون حقوق اللاجئين.
كما دعا إلى إجراء تحقيقات مستقلة بجرائم الاحتلال التي طالت موظفي ومنشآت "أونروا"، ورفض الآلية "الإسرائيلية" الأحادية في توزيع المساعدات، مطالبًا بفتح المعابر دون إشراف عسكري وتمكين الوكالة من أداء مهامها بحرية.
فيما أعلن المفوض العام لـ"أونروا" فيليب لازاريني أن العجز المالي البالغ 200 مليون دولار يهدد تقديم الخدمات خلال 2025، ويقوّض الاستعداد المالي لعام 2026.
ودعا لازاريني المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لسد العجز وضمان الدعم السياسي والمالي، محذرًا من أن المخاطر لا تهدد فقط اللاجئين، بل تطال الاستقرار الإقليمي ككل.
وأكد رئيس الوفد الأردني رفيق خرفان على أهمية استمرار التفويض الأممي للوكالة وضرورة الحفاظ على دعمها السياسي والمالي. وشدد على أن "الدعم السياسي لا يقل أهمية عن الدعم المالي"، مجددًا التزام الأردن بدعم الوكالة في كل المحافل الدولية، ومواجهة أي محاولات لتغيير ولايتها أو تقليص دورها.
وشهدت الاجتماعات مداخلات عدة من دول مانحة، من بينها إسبانيا وبلجيكا والسويد، أعربت خلالها عن قلقها المتزايد من تكرار الأزمات المالية التي تواجهها وكالة "أونروا"، مؤكدة دعمها المستمر للوكالة، ومشددة في الوقت نفسه على أهمية إيجاد آليات تمويل متعددة السنوات تضمن استقرار العمليات والخدمات المقدمة للاجئين.
وقد خلصت اللجنة إلى جملة من التوصيات، أبرزها: ضرورة إطلاق نداء تمويلي عاجل لسد العجز في موازنة العام 2025، والعمل على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الدولية لتوفير تمويل مستدام، إلى جانب توسيع قاعدة المانحين وتحفيز المساهمات غير التقليدية، والتأكيد على الحفاظ على التفويض الأممي الممنوح للوكالة بموجب القرار 302، ورفض أي محاولات للمساس بدورها أو تقليص ولايتها.