أثار تصنيف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا كـ"مقيمين أجانب" في بعض الحالات التي ظهرت في سجلات النفوس المدنية، ردود فعل غاضبة وموجة استنكار واسعة، وسط مطالبات رسمية وشعبية بتوضيح هذه التغييرات الإدارية التي وصفت بأنها تشكل انتهاكاً للهوية القانونية والتاريخية لفلسطينيي سوريا، الذين يعيش معظمهم في البلاد منذ النكبة عام 1948.
وكان تلفزيون سوريا قد نقل عن مصدر حكومي أن ما جرى من تعديلات في بيانات اللاجئين الفلسطينيين في بعض السجلات، يعود إلى "خطأ تقني غير مقصود"، خصوصاً في محافظة إدلب، حيث جرى خلال عملية دمج السجلات المحلية مع السجل المركزي، إدراج الفلسطينيين ضمن خانة "المهاجرين" أو “المقيمين” عوضا عن "اللاجئين"، نتيجة لكون سجل إدلب المدني كان مفصولاً زمن "النظام البائد"، على حد تعبير المحامي الفلسطيني غياث دبور، الذي أكد أن ما حدث "إشكال فني طبيعي لا يحتمل التأويلات"، وأن الجهود جارية لتصحيحه.
لكن عدم صدور بيان حكومي رسمي، أبقى الشكوك حول تغيير سوري في قراءة الوجود الفلسطيني في سوريا، قائمة، ولم تخفف وقع الصدمة تصريحات نقلت عن مصادر حكومية لجهات إعلامية تنفي فيها الواقعة. خاصة أن التعديلات لم تقتصر على إدلب، بل رصدت حالات مشابهة في درعا ودوما واللاذقية، حيث حذفت صفة "فلسطيني سوري" واستبدالها بـ"فلسطيني مقيم – محافظة الأجانب"، بحسب ما وثقته صحيفة "زمان الوصل" وعدد من النشطاء.
اقرأ/ي الخبر: جدل في سوريا بعد إدراج صفة "أجنبي" للاجئين الفلسطينيين في السجلات الرسمية
وقال الحقوقي الفلسطيني السوري أيمن أبو هاشم قال في تعليق شديد اللهجة: "وضع صفة"أجنبي" في سجلات النفوس للاجئين الفلسطينيين السوريين مخالفة قانونية صريحة للقانون 260 لعام 1956، وتجهيل خطير لصفتهم الحقيقية "فلسطيني".
واعتبر أبو هاشم أنّ نظام الأسد السابق، لم يجرؤ حتى على تغييرها في وثائق الأحوال المدنية. معتبراً أنّه على وزارة الداخلية تصحيح هذا الخطأ الكبير الذي تكرر في عدة حالات مؤخراً، عسى أن يكون ناجماً عن جهل الموظفين، لكنه يبقى غير مقبول إطلاقاً".
من جهته، كتب اللاجئ الفلسطيني مؤيد نجم، وهو أحد الناجين من مجزرة التضامن وناشط سابق في الثورة السورية مذكراً بالتضحيات الفلسطينية في الثورة عبر، منشور مؤثر قال فيه:
"أكلنا خبزها وزيتونها وسياطها.. عم بجرب أكتب هون عن خبر تسمية فلسطينيي سوريا بالـ "مقيمين الأجانب، أو المقيمين الفلسطينيين".. ما عرفت شو أكتب وشو مسحت، بس فعلياً ما في شي جديد.. منعرف إننا لاجئين فلسطينيين. وبنفس الوقت منعرف إننا أبناء البلد، كوننا ولدنا وعشنا ومتنا هون. فصار اسمنا "فلسطينيين سوريين".
وتابع :"من البديهيات إننا مكون أساسي بحراك 2011 وحاضرين بكل مراحل الثورة. وضريبة هالشي إننا صرنا نخاف لما حاجز أمني يطلب الهويات، والعسكري يعرف إننا فلسطينيين سوريين، وتصير معاملته قاسية وأحياناً تنتهي بالإخفاء القسري. خسرنا صبايا وشباب بالمعتقلات بأعداد لا تحصى. انفرض على مخيم اليرموك حصار أشبه بإبادة جماعية، راح ضحيته قرابة 150 طفلاً وامرأة ورجل ماتوا جوعاً. المخيم تعرّض لسياسة الأرض المحروقة، وتدمّر بشكل شبه كامل فوق السكان (المقيمين الأجانب). في كتير محطات لا تحصى لوجودنا هون، مثل مجزرة التضامن الشهيرة يلي أغلب ضحاياها فلسطينيين سوريين.
أنا لما تم اعتقالي هناك، كان الشب المعتقل معي سوري، ولما نجوت من نفس المجزرة وطلعت، تابعت نشاطي، لأني بدي الأسد يسقط".
ورأى الناشط الفلسطيني باتر تميم أن الرد الحكومي لا يكفي، رغم تأكيد أحد موظفي وزارة الداخلية أن ما جرى هو "خطأ تقني سيتم إصلاحه"، معلناً عن نية مجموعة من المحامين والناشطين الفلسطينيين السوريين تشكيل وفد رسمي لمقابلة وزير الداخلية أو من ينوب عنه، للمطالبة بتصحيح السجلات ووقف هذه الأخطاء المتكررة.
أما الناشط الفلسطيني محمد أبو حامد، الذي عمل في توثيق الشهداء الفلسطينيين في الثورة السورية، ومن أبناء مخيم خان الشيح، كتب أيضاً غاضباً: "أجنبي؟! لكننا كنا سوريين، حين كانت الكلمة ثمنها الدم. الفلسطيني الذي شارك بالمظاهرات، وهتف للحرية، وتعرض للقصف والقتل، والاعتقال والخذلان، مثله مثل أي سوري، وظل يردد: "من سوريا لفلسطين، شعب واحد ما بيلين، واحد واحد واحد، فلسطيني سوري واحد، مش أجنبي".
وأضاف: "من شارك السوريين هتافهم الأول، ودمعتهم الأولى، وقبرهم الأول، ليس أجنبياً.
لماذا بكل هذا البرود تشطبون "سوري" من جانب اسمنا؟ كأننا لم نحمل النعوش، ولم نقصف في خان الشيح واليرموك وحندرات، ولم نبكِ درعا وحلب والغوطة كما بكينا يافا وحيفا وغزة.
فلسطيني سوري، ليس توصيفاً في خانة السجل، بل تجربة حياة وجرح مشترك".
وختم أبو حامد: "إن أنكرَنا السجل المدني، فالتاريخ لن ينكرنا. وإن محونا من الأوراق، فعيون الأمهات تحفظ أسماءنا، والمقابر تشهد أننا كنا هنا، ولم نكن يوماً أجانب".
أما الصحفي فايز أبو عيد مدير مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا، أشار إلى أن “معاملة الفلسطيني في سورية كأجنبي تشكل سابقة خطيرة”، قائلاً: "تداعيات هذا القرار ستكون سلبية، من جهة إلغاء تاريخ اللجوء للفلسطينيين واعتبارهم مقيمين، ما يؤثر على حقوقهم القانونية، إضافة إلى حذف اسم المحافظة في بعض الوثائق كما في إدلب، وهو ما يوحي بتغيير إداري جوهري في التعاطي مع الفلسطينيين".
الصحفي السوري المقرب من سلطة دمشق قتيبة ياسين بدوره أكد أن: "ليس من حق أحد اعتبار إنسان ولد هو وأبوه وجده في هذه البلاد مواطناً أجنبياً. هو مثلي، ويتمتع بمثل حقوقي وواجباتي دون زيادة أو نقصان. تعديل: ما حدث مجرد خطأ تقني تم تصحيحه ولا يوجد أي تغيير بوضع الفلسطينيين السوريين، ونتمنى أن يتم مستقبلاً فتح باب التجنيس لمن يرغب منهم، فهذا حق لا مكرمة".
أما الكاتبة والمخرجة السورية إيناس حقي، فكتبت في نبرة احتجاج واضحة: "كيف يعني أجانب؟ الفلسطينيون السوريون اللي كانوا من أعمدة الثورة.. كيف لكم عين تعملوا فيهم هيك؟ كيف لكم عين قدّام شهداء المخيم والرمل وغيرهم؟"
فيما علّق الكاتب السوري والروائي إبراهيم الجبين بشكل مقتضب وشديد الاستهجان قائلاً: "الفلسطيني السوري العربي "أجنبي"، والإيغوري والقسدي القنديلي "مواطن"!.
فيما قال الكاتب الفلسطيني خليل الصمادي: "نرجو من الحكومة الجديدة توضيح المقصود من هذا التبديل بكل شفافية ووضوح. من غير المعقول أن يحمل التركماني والأرمني والشركسي والشيشاني الجنسية السورية، ويصنف العربي الفلسطيني المولود هو وأبوه وربما جده في سورية كأجنبي".