تتواصل الانتقادات وردود الفعل الفلسطينية على التوصيات الأخيرة الصادرة عن "التقييم الاستراتيجي للأونروا"، الذي أعدّه البريطاني إيان مارتن بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وعبّرت منظمات ودوائر فلسطينية عن غضبها وتحذيرها من أن هذا التقييم يعد خطوة تمهيدية خطيرة نحو تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وشطب صفتها السياسية والأممية المرتبطة بحق العودة.
ففي بيان لها، رفضت دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ما جاء في التقرير الذي أعلن عنه رسميًا في 8 تموز/يوليو الجاري، ووصفت السيناريوهات المقترحة بأنها "لا تبتعد كثيرًا عن الرؤية الإسرائيلية–الأميركية لتصفية الأونروا". وأكدت الدائرة أن الخيارات المطروحة في التقييم لا تعالج جوهر الأزمة الحقيقي، والمتمثل في الابتزاز المالي والسياسي الذي تتعرض له الوكالة، بل تذهب باتجاه إنهائها وتفكيك تفويضها الأممي تدريجيًا أو بشكل نهائي.
وسجّلت الدائرة اعتراضها الكامل على ما ورد في التقرير من خيارات، أولها الإبقاء على الوضع الراهن دون معالجة حقيقية، واعتبرته شكلاً من التخاذل والتخلي عن مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين. أما الخيار الثاني، فتمثّل في تقليص الخدمات ونقل بعض مهام "أونروا" إلى جهات أخرى، ما يشكّل خطوة خطيرة نحو تصفية الوكالة وشطب حق العودة، وتكريس مسؤوليات الحكومات المضيفة دون تمويل أو غطاء سياسي، في تجاهل واضح للمادة 18 من قرار الأمم المتحدة رقم 302.
كما رفضت الدائرة مقترح تشكيل مجلس تنفيذي جديد لمساعدة المفوض العام، معتبرة أنه قد يؤدي إلى تقليص صلاحيات المفوض وفتح الباب أمام تدخلات سياسية غير محايدة في شؤون الوكالة. وأبدت رفضها كذلك لنقل تقديم الخدمات تدريجيًا إلى السلطة الفلسطينية أو الحكومات المضيفة، مؤكدة أن دور "أونروا" ليس خدمياً فقط، بل سياسي وأممي مرتبط بحق العودة، ولا يجوز تفكيكه تحت أي ذريعة، سواء كانت مالية أو إدارية.
ودعت الدائرة الأمم المتحدة إلى تجديد تفويض "أونروا" دون تعديل أو تقييد، وحمّلت المجتمع الدولي مسؤولية توفير تمويل مستدام وشامل للوكالة، محذّرة من مخططات تصفوية تستجيب لضغوط إسرائيلية–أميركية. كما دعت كافة القوى الفلسطينية واللجان الشعبية إلى أوسع تحرك شعبي للدفاع عن "أونروا"، بالتنسيق مع الدول المضيفة والمرجعيات الفلسطينية، مؤكدة أن الوكالة ستبقى رمزًا لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بموجب القرار 194.
من جهته، أصدر "ملف الأونروا" في "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" بيانًا مماثلًا، عبّر فيه عن رفضه القاطع للسيناريوهات الأربعة الواردة في التقرير، واعتبر أنها تهدف إلى نزع مسؤولية الأمم المتحدة عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتهميش دور اللجنة الاستشارية لـ"أونروا" التي تضم 29 دولة إلى جانب فلسطين، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، فضلًا عن التمهيد لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، والتدرج في تبرئة الاحتلال الإسرائيلي من جريمة النكبة عبر شطب صفة "لاجئ" من الهوية القانونية والسياسية للفلسطينيين.
وبحسب البيان، فإن التقرير الذي حمل عنوان "التقييم الاستراتيجي للأونروا – مبادرة الأمم المتحدة الثمانين"، جرى إعداده منذ نيسان/أبريل الماضي، واستُكمل في 20 حزيران/يونيو، ويتألف من 28 صفحة تتضمن أربعة سيناريوهات رئيسية للتعامل مع مستقبل الوكالة، في ظل ما وصفه التقرير بـ"القيود السياسية والمالية والأمنية وغيرها".
وتتمثل هذه السيناريوهات في: الانهيار المحتمل لـ"أونروا" نتيجة التراخي الدولي، وخفض الخدمات وتفويض بعض المهام لجهات أخرى، وإنشاء مجلس تنفيذي جديد لتقديم الدعم للمفوض العام وتأمين التمويل، والحفاظ على جوهر "أونروا" مع نقل تدريجي لخدماتها إلى الحكومات المضيفة والسلطة الفلسطينية.
وأكد "ملف الأونروا" أن السيناريوهات الأربعة تتنافى كليًا مع التفويض الأممي لوكالة "أونروا"، وتشكل خطرًا وجوديًا على القضية الفلسطينية برمتها، مطالبًا الأمم المتحدة بتبني سيناريو خامس يقضي بأن تتحمل المنظمة الدولية كامل مسؤولياتها تجاه الوكالة، وأن تؤمّن استمرار عملها بكامل ولايتها، مع توفير دعم مالي مستدام وشفاف.
كما دعا إلى حملة فلسطينية وعربية ودولية شاملة لمواجهة التهديدات المحدقة بالوكالة، من خلال فعاليات شعبية وإعلامية ودبلوماسية وقانونية، دفاعًا عن حقوق اللاجئين، وفي مقدمتها حق العودة.
وأجمعت الجهتان على أن ما يُحاك للوكالة ليس مجرد مسألة إدارية أو مالية، بل مخطط سياسي يستهدف أحد آخر الأعمدة القانونية الدولية التي تحفظ حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ما يستدعي وحدة وطنية وشعبية شاملة للتصدي له.
موضوع ذو صلة: "الهيئة 302": مقترحات التقييم الاستراتيجي لـ"أونروا" تهدد مستقبل الوكالة