في زوايا المخيمات شمالي لبنان، يعيش آلاف اللاجئين الفلسطينيين بلا اعتبارية قانونية وحقوقية، بلا أوراق ثبوتية، بلا اعتراف رسمي، وبلا خدمات من الدولة اللبنانية أو وكالة "أونروا". يقدر عددهم بنحو 12 ألف لاجئ يعرفون بـ"فاقدي الأوراق الثبوتية"، وهم من الفئات الفلسطينية الأكثر تهميشاً، لا مسجلين في سجلات الدولة ولا في بيانات وكالة الغوث، ما يحرمهم من أبسط الحقوق.

ورغم مضي عقود على وجودهم في لبنان، لا يزال هؤلاء الفلسطينيون يعيشون حالة قانونية معلقة، تحرمهم من أساسيات حياتية من التعليم إلى الصحة، مرورا بالزواج والعمل والسفر. وبينما تطرح الأسئلة حول الحلول الممكنة، يبقى الجواب حبيس المناشدات التي لا تجد آذانا صاغية.

قصص منسيّة خلف الوثائق

أبو ممدوح الرنتيسي، لاجئ من مخيم نهر البارد، وأحد هؤلاء اللاجئين غير المسجلين، يقول لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:"دخلنا إلى لبنان بموجب اتفاقية القاهرة الموقعة عام 1969، والتي نظّمت العمل الفدائي في الجنوب. جئنا شباباً، عزّاباً، واليوم مضى أكثر من خمسين عامًا على وجودنا هنا. تزوجنا، أنجبنا، وبنينا حياة كاملة، لكننا ما زلنا نعامل وكأننا ضيوف مؤقتون لا حقوق لنا".

ويروي كيف حصل، بعد سنوات من المراجعات، على هوية مؤقتة من "دولة فلسطين" في بيروت:"في البداية كانت مجرد ورقة تشبه الجريدة، ثم أعطونا بطاقة بحجم الجيب، لكنها ليست سوى هوية مرور، لا تحدث فيها البيانات، حتى إنني ما زلت مسجلاً كأعزب، رغم أنني متزوج وأب. هذه الأمور تسبب لنا مشاكل في كل تحرك، على الحواجز وفي المؤسسات".

أما ناديا موسى، لاجئة من مخيم البداوي، فتستعيد بداية وجودها في لبنان وتقول: "زوجي جاء مع الثورة الفلسطينية، بتنسيق بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير. في البداية، لم يكن هناك تدقيق على الإقامة أو الأوراق. لكن منذ عام 2000، تبدّل كل شيء، أصبحنا محاصرين داخل المخيمات، وصارت هويتنا مشكوكًا فيها، لا نعترف بها، ولا يعترف بها أحد".

وتضيف في حديثها لموقعنا بأسى حول العراقيل الحياتية جراء وضعهم، والتي تطال حتى حلمهم في الحج أو حقهم في الزواج: "أتمنى الذهاب للحج، لكن الإجراءات تعجيزية. حتى إذا تقدم شاب لخطبة ابنتي، وتبيّن أن جواز سفرها فلسطيني من السلطة، يتراجع بسبب التعقيدات. نعامل وكأننا غير موجودين".

حرمان ممنهج من التعليم والصحة

عاطف محمود، لاجئ آخر من مخيم نهر البارد، يتحدث عن معاناته مع أبسط الحقوق الصحية والتعليمية ويقول: "أصدروا لنا بطاقة إعاشة، وأضافوا اسم الزوج والأولاد، لكننا لا نستفيد فعلياً".

فيما تشير اللاجئة موسى إلى أنّ العمليات والولادة على نفقتهم الخاصة، والتعليم غير مشمول، وإذا اعترضوا، يرد عليهم: "أنتم غير معنيين". وتتابع: "المساعدات للأطفال تحت 18 عاماً لا تشملنا، وزوجي تجاوز الستين، ولا يحصل على أي دعم".

ويتابع اللاجئ ممدوح الرنتيسي: "ابني تقدم منذ سنتين للحصول على جواز سفر، ولم يحصل عليه بعد. السفارة لا تتابع ملفاتنا بجدية، وكل خطوة تأخذ سنوات. في الجامعة، رفضوا قبول ابنتي؛ لأنها تحمل هوية سلطة، بينما يجبر الفلسطيني حامل الجواز على دفع نحو 600 دولار لتصديق أوراقه، وكأنه أجنبي!"

"غرباء في وطن اللجوء"

أسامة النجار، من نهر البارد أيضاً، يصف واقعاً أكثر قسوة ويقول: "إذا طلبنا جوازات سفر من السلطة الفلسطينية، يقال لنا: أنتم أجانب، ولا يحق لكم الإقامة في لبنان. أما الأونروا، فهي تتعامل معنا كل حالة على حدة. لا تعترف بالأبناء بعد زواجهم، وتحرمهم من الحقوق حتى لو كانوا يعيشون في نفس المنزل".

ويضيف:"أولادنا لا يستطيعون العمل أو التحرك بحرية، لأنّ هوياتهم غير معترف بها. الطبابة عبر بطاقة الإعاشة لا تكفي، ولا أحد يتابع أوضاعنا. طالبنا مرارًا بحل رسمي، لكن حتى الآن، لا جواب".

ويشير النجار إلى وعود سابقة من وكالة "أونروا" للنظر في أوضاعهم، لكنها لم تنفذ، ويقول:

"في إحدى المرات، قالت لنا مديرة الأونروا خلال زيارة لمدرسة في الشمال، إنهم يعملون على الملف وسيحل قريبًا. لكن لم يحصل شيء. تسجيل الزواج يتطلب إقامة رسمية، وإذا لم تكن موجودة، لا تحدث البيانات، ولا يعترف بالزواج. يقال لنا إن الحل بحاجة لقرار من مجلس الوزراء اللبناني للاعتراف بهويتنا".

حلم بهوية... ومناشدة أخيرة

أبو ممدوح الرنتيسي يلخص المسألة قائلا:"الحل؟ إما العودة إلى وطننا، أو أن نعامل كما يعامل الفلسطيني اللبناني، وأن تمنح لنا على الأقل الهوية الزرقاء."

أما ناديا موسى، فتختم بما يشبه النداء للمعنيين:"لقد أصبحت جدة، وأحفادي باتوا على أبواب الزواج، والمشكلة نفسها تتكرر! نريد فقط هوية رسمية مثل سائر البشر. نريد أن نعامل بكرامة، أن نسافر، أن نعمل، أن نتم معاملتنا دون إذلال. نطالب بتسوية أوضاعنا القانونية، ليس أكثر."

في ظل هذا الواقع، تظل معاناة الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية في لبنان قضية مفتوحة، لا تداويها الوعود، ولا تخفف التصريحات من تداعياتها السلبية على أصحابها. وما لم تتحرك الجهات المعنية، محلية ودولية، لتسوية هذا الملف الإنساني المزمن، فإن جيلاً جديداً سيولد في الظل، يحمل عبء  انعدام الأوراق واللامكان.
 

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد