تواجه الحركة الرياضية في مخيم نهر البارد شمالي لبنان أزمة وجودية جديدة مع اقتراب موعد انتهاء عقد إيجار "الملعب الكبير"، المقرّر أمس الجمعة 25 تموز/يوليو الجاري، ما يهدد بحرمان المئات من الأطفال والرياضيين من المساحة المجانية الوحيدة المتبقية لممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية، في ظل غياب البدائل وتفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة داخل المخيم.
يمثّل "الملعب الكبير" المتنفّس الوحيد لأهالي المخيم، حيث لا تتوافر ملاعب عامة أخرى، بينما تبقى كلفة استئجار الملاعب الخاصة خارج قدرة غالبية العائلات اللاجئة. ويشكّل إغلاقه المحتمل ضربة موجعة للقطاعين الرياضي والاجتماعي على حد سواء، خاصة في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر، وتراجع الدعم للمؤسسات الأهلية.
الناشط الرياضي والاجتماعي وجدي ديوان اعتبر أن الرياضة في حياة اللاجئين الفلسطينيين ليست ترفاً، بل "أداة نضال وطني ووسيلة لتوحيد المجتمع"، مؤكداً أن فقدان هذا الملعب سيترك أثراً عميقاً على الحياة اليومية داخل المخيم. وأضاف: "الملعب مساحة لتفريغ الطاقات، ومكان للأنشطة الوطنية والاجتماعية، وإذا أردت أن تُغلق سجناً، افتح ملعباً".
تداعيات خطيرة على مستقبل الأطفال
من جهته، حذّر أيمن علي، مدرّب نادي الأهلي للفئات العمرية، من أن غياب الملعب سيشلّ عمل الأندية الرياضية، ويمنع الأطفال من ممارسة الرياضة في ظروف مناسبة.
وقال: "ندرب اليوم 20 طفلاً في هذا الملعب، بينما لا تستوعب الملاعب الأخرى أكثر من 6 لاعبين، إلى جانب كلفتها المرتفعة". وأضاف أن استمرار الوضع الحالي لن يخرج جيلاً رياضياً، بل سيقصي الأطفال عن الرياضة تماماً.
أما وسام بدران، مدرب نادي عرين الأسود، فرأى أن الملعب إلى جانب البحر هما المتنفّسان الوحيدان في نهر البارد، مشدداً على أن "الرياضة ليست مجرد ترف، بل ضمانة لصحة الأطفال ومستقبلهم". وأضاف أن فقدان هذه المساحة سيؤدي إلى تداعيات نفسية واجتماعية سلبية واسعة.
بدوره، وصف أبو عساف، رئيس اللجنة الرياضية في المخيم، ما يحدث بـ"الكارثة الرياضية"، موضحا أن عقد إيجار الملعب ينتهي خلال أيام، ولا توجد أي مؤشرات لتجديده أو توقيع عقد جديد. وأشار إلى أن الملعب لا يستخدم فقط للرياضة، بل أيضا للأفراح والمناسبات الوطنية والمدرسية، ويستقطب يوميا قرابة 500 طفل.
وسط هذه الأزمة، يبرز مطلب جماعي بضرورة تسوية ملف "ملعب الشهداء الخمسة"، الذي يعد المشروع البديل والاستراتيجي القادر على إنهاء الأزمة. ويؤكد ديوان أن "الحل الجذري يكمن في استعادة هذا الملعب، أو على الأقل تجديد عقد الملعب الكبير لخمس سنوات لضمان الاستقرار".
ويشدّد أيمن علي على أن "أزمة الملعب تتكرر كل مرة عند انتهاء العقد، ومع كل تجديد ترتفع الكلفة، بينما يبقى المصير غامضاً"، داعياً إلى تدخل عاجل لإنهاء هذه الدوامة عبر تفعيل ملعب الشهداء الخمسة.
يعود تاريخ "ملعب الشهداء الخمسة" إلى عام 1980، حين اشترته منظمة التحرير الفلسطينية لصالح أبناء مؤسسة "صامد"، وهو عقار مملوك للمنظمة. وبعد حرب نهر البارد، سلم عام 2017 إلى الأندية الرياضية. لكن أحد الورثة تقدم بدعوى قضائية للمطالبة بحصص من العقار، ومنذ ذلك الحين بقي الملف عالقا في المحاكم من دون تقدم.
ويطالب أبو عساف كافة الجهات المعنية، وعلى رأسها سفارة دولة فلسطين، والمؤسسات الوطنية والدولية، بالتحرك العاجل لحل هذه الأزمة القانونية التي عطّلت الملعب، وحجبت عن المخيم حقه في فضاء رياضي مستدام.
ملعب بلا جمهور... ومخيم بلا متنفس
إن أزمة "الملعب الكبير" في نهر البارد لا يمكن فصلها عن الأزمات الوجودية التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، غير أن انعكاساتها تطال بشكل مباشر شريحة واسعة من الأطفال والشباب الذين تصادر أحلامهم الرياضية ومستقبلهم المهني والاجتماعي.
وفي ظل استمرار التعقيدات القانونية لملعب الشهداء الخمسة، وغياب أي تحرك جدي لتجديد عقد الملعب الحالي، يخشى سكان نهر البارد أن يترك المخيم من دون مساحة واحدة للحياة، في لحظة بات فيها الهواء نادرا، والملاذات الآمنة أكثر ندرة.
شاهد/ي التقرير الملعب الرياضي.. المتنفس الوحيد للأطفال في مخيم نهر البارد شمالي لبنان مهددٌ بالإغلاق