اتخذ مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (IDFA)، أحد أضخم المهرجانات الوثائقية في العالم، قرارًا لافتًا هذا العام برفض اعتماد ممثلين عن مؤسسات سينمائية "إسرائيلية" رسمية، من بينها مهرجان "تل أبيب" للأفلام الوثائقية (دوكافيف)، ومؤسسة الإنتاج المشترك "كوبرو" (CoPro)، وهيئة البث العامة "الإسرائيلية" "كان" (Kan)، للمشاركة في فعالياته المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
القرار، الذي كشفت عنه مجلة "فارايتي" الأميركية، جاء في وقت تتصاعد فيه الدعوات الدولية لمقاطعة المؤسسات الثقافية "الإسرائيلية" المتورطة بدعم آلة الحرب وجرائم الإبادة في قطاع غزة، ضمن حملة أطلقها الشهر الماضي تحالف "عاملون في السينما من أجل فلسطين"، بمشاركة نجوم عالميين من هوليوود، بينهم إيما ستون وخواكين فينيكس وأوليفيا كولمان ومارك روفالو وتيلدا سوينتون.
ووقّع على التعهد أكثر من 4 آلاف فنان ومخرج ومنتج من مختلف أنحاء العالم، دعوا فيه إلى مقاطعة المهرجانات وشركات الإنتاج ودور السينما "الإسرائيلية" المرتبطة بتمويل حكومي.
وأوضحت مديرة مهرجان أمستردام، إيزابيل أراتي فيرنانديز، أن القرار لم يتخذ كرد مباشر على دعوات المقاطعة الأخيرة، بل انسجامًا مع سياسة المهرجان التي تمنع اعتماد مؤسسات تتلقى تمويلاً مباشرًا من حكومات متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وقالت: "في هذا العام، لم تمنح المنظمات الإسرائيلية التي تتلقى دعمًا حكوميًا اعتمادًا، رغم أن القرار سيراجع العام المقبل".
وأضافت أن المهرجان يقيّم "الأفلام المستقلة وصانعيها بشكل فردي"، وأن المبدأ التوجيهي ذاته أدى في السنوات الماضية إلى رفض مشاركة أفلام من دول أخرى مثل إيران وروسيا، بسبب ارتباطها بسياسات حكومية قمعية أو حروب.
استياء "إسرائيلي"
في المقابل، أعربت المخرجة "الإسرائيلية" ميخال فايتس، التي ترأست مهرجان "دوكافيف" للأفلام الوثائقية عام 2020، عن استيائها من القرار، قائلة إنها تلقت مع زملائها في "كوبرو" و"كان" رسائل رفض من "إدفا" تتهمهم بالتواطؤ في "الإبادة الجماعية"، ووصفت الاتهام بأنه "باطل وغير عادل".
وأضافت أن "دوكافيف" عرض على مر السنين أفلامًا نقدية لسياسات "إسرائيل" الرسمية، مثل فيلم "محامية" (Advocate) الذي تناول سيرة المحامية لِيا تسيميل المدافعة عن الأسرى الفلسطينيين، وفيلم "1948: تذكّر، لا تذكّر" الذي وثّق مأساة النكبة.
غير أن الكاتبة في صحيفة "هآرتس" حنين مجادلة رأت في مقالة تحليلية أن غضب السينمائيين "الإسرائيليين" يعكس تناقضًا عميقًا، إذ "يرون أنفسهم ضحايا رغم استمرارهم في أداء واجباتهم العسكرية عندما يدعوهم الجيش"، مضيفة أن المقاطعة ليست عملاً عقابيًا، بل "آلية تصحيحية"، مؤكدة أن من يقولون "ليس باسمي" ما زالوا عمليًا جزءًا من منظومة الاحتلال.
من جانبها، أكدت منظمة "عاملون في السينما من أجل فلسطين" لوكالة "أسوشيتد برس" أن مبادرتها تستند إلى تجارب نضالية سابقة، مستذكرة الحملة الدولية لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وشددت في بيانها على أن الطريق الوحيد أمام المؤسسات السينمائية "الإسرائيلية" للحفاظ على شراكاتها الفنية الدولية هو "إنهاء التواطؤ في جرائم الحرب والاعتراف بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني".
وبينما يمثل قرار "إدفا" سابقة في كبرى المهرجانات الأوروبية، يرى مراقبون أنه قد يشكّل تحولًا نوعيًا في موقف المؤسسات الثقافية العالمية التي كانت تتجنب الخوض في المواقف السياسية، لكنه اليوم يأتي منسجمًا مع المزاج العالمي المتنامي لمحاسبة كيان الاحتلال على حرب الإبادة المستمرة في غزة.
