لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
تقرير: زينب زيّون
لم تعد الحياة تُطاق في مخيّمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، خصوصاً بالنسبة للشباب، أولئك الذين فُرضت عليهم قوانين عنصرية حرمتهم من أبسط حقوقهم كبشر، من فرصة عمل تؤمن لهم حياة كريمة. فيشعر الفرد منهم أنّه يسير في نفق مظلم لا نهاية له. مشكلة تعاني منها الاغلبية الساحقة من خريجي المعاهد والكليات وحتى أصحاب المهن، فالفلسطيني ممنوع من مزاولة كافة المهن تقريباً، ولهذا يجد الشاب نفسه أمام خيارين، إما الهجرة أو العمل بما تيسر من فرص، فنرى الطبيب يعمل في مقهى، والمهندس سائق أجرة.
خالد النصر(26 عاماً) عاطل عن العمل، يقيم في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوبي لبنان، يقول لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": " كنت متفوّقاً بالمدرسة، لكنّ الظروف حالت دون التحاقي بالجامعة، تمضي الأيام دون تحقيق أي من أحلامي". درس خالد الميكانيك في أحد المعاهد التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين "الأونروا" وتخرّج عام 2009. بحث عن عمل في مجال اختصاصه، علماً أنّ لا مشكلة لديه بالعمل ولو في مجال لا علاقة له باختصاصه، لم يوفق بأي منهما وفقد الأمل. يشعر خالد أنّ الجدار الموجود حول المخيّم يخنق الشباب الراغبين في العمل، وبأنّ القوانين التي وضعتها الدولة اللبنانيّة جعلت فرص الحصول على عمل ضئيلة.
جابر سليمان، الباحث في دراسات اللجوء واللاجئين قال في حديث ل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": " ثمّة إشكالية تطال تعريف البطالة لدى مختلف الباحثين والمهتمين بهذا الملف، ما ينعكس في اختلاف معطياتها الرقمية التي تحدّد حجم ذلك لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فبحسب تعريف منظمة العمل الدولية للبطالة، فإنّ معدل البطالة لدى الفلسطينيين هو 8%". متابعاً: "شهد معدل البطالة في صفوف الفلسطينيين تقلبات عديدة في السنوات الأخيرة، حيث وصل لغاية 17% سنة 1999، ثمّ تراجع لغاية 10% سنة 2006، مع تقلبات أكثر حدّة في صفوف الإناث (معهد فافو 2003، و 2006). ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا أنّ نسب البطالة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين المستندة إلى تعريف منظمة العمل الدولية أو حتى تعريف "الفافو" كانت على الدوام عرضة للنقد لتدني مستواها وعدم تطابقها مع الواقع المعاش الذي تظهره مختلف المؤشرات الديموغرافية لمجتمع اللاجئين، والتي تشي بنسب بطالة أعلى ممّا تعلنه تلك الدراسات".
ترتفع معدلات البطالة مع ارتفاع المستوى الدراسي، فالبطالة في صفوف الجامعيين تبلغ ثلاثة أضعاف ما هي عليه لدى الأميين او لذوي التحصيل العلمي المتوسط، لأنهم لا يقبلون بأي عرض عمل، وينتظرون فترة أطول حتى إيجاد عمل مناسب، أما الذين لم يكملو تحصيلهم العلمي فهم يقبلون بأيّة وظيفة وبرواتب متدنية جداً.
"الحال بات أشبه بالكارثي"، بهذه الكلمات بدأ محمد العيسوي حديثه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين". يعيش العيسوي في منطقة وادي الزينة، شمالي صيدا، أكمل دراسته الجامعية، تخرّج من كلية الفنون ويحمل شهادة في هندسة الديكور، حاول الحصول على عمل لكن دون جدوى . يقول العيسوي "أسعى للهجرة إلى بلد أوروبي لعلّي أجد عملاً مرتبطاً باختصاصي". وتابع "عندما كنت في الجامعة، سعيت لإيجاد عمل، بدوام ليلي، في مؤسسات عدّة مثل KFC و H&M بالإضافة إلى شركات لبنانية، لكنّ بمجرد معرفة جنسيتي يأتي الاعتذار.
وحمّل العيسوي المسؤولية للدولة اللبنانية أولاً، بسبب القوانين القاسية التي أهلكت كاهل اللاجئ الفلسطيني، على حدّ قوله، أما المسؤول الثاني فهي وكالة "الأونروا" التي اتّبعت سياسات تقليصة بحق اللاجئين لتزيد الطين بلة وتجعل الحياة أكثر صعوبة.
يتابع الباحث سليمان "يشكل عنصر الشباب النسبة الأكبر من الفلسطينيين العاطلين عن العمل، فحوالي 77% من العاطلين عن العمل هم من دون 34 سنة".
أما بالنسبة لقرارات وزارة العمل اللبنانية، فقد أصدر أكثر من وزير عمل سابق، إستناداً إلى صلاحياته الممنوحة، قرارات وزارية بشأن حصر ممارسة بعض المهن باللبنانيين دون غيرهم، مع مراعاة مبدأ الأفضلية الوطنية، وإذا كان أجنبي، فيجب أن تنطبق عليه عدّة شروط، أوّلاً أن يكون مقيم في لبنان منذ الولادة، ثانياً أن يكون من أصل لبناني أو مولوداً من أم لبنانية، ثالثاً أن يكون متأهل من لبنانية منذ أكثر من سنة.
ولكن هذا الإستثناء يظلّ مشروطاً بموافقة الوزير النهائية، علماً أنّ المرسوم الوزاري يمكن إلغاؤه بموجب قرار يصدره الوزير اللاحق. وفي حال أتاح هذا القرار الاستثنائي الفرصة لعمل الفلسطينيين في مهن محددة، كالموظف والمحاسب وناطور البناية وغيرها، فإنّه لم يبدل الواقع إزاء الفلسطيني المؤهل لممارسة المهن الحرّة، لأنّ أنظمة تلك المهن تشترط الانتساب إلى نقاباتها المهنية لممارسة المهنة، مثل شرط حمل الجنسية اللبنانية منذ أكثر من عشر سنوات، إضافة إلى تطبيق شرط المعاملة بالمثل، علماً أن ذلك يخرج عن حدود صلاحيات وزير العمل، ليقع في إطار الأنظمة والتشريعات التي ترعى العمالة في المهن الحرة.
وقال سليمان أنّ على الفلسطيني تقديم الطلبات للحصول على إجازة العمل ودفع الاشتراكات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من دون الاستفادة من كامل تقديماته.
وتابع أنّه يتوجب على لبنان، كدولة مضيفة للاجئين، أن تؤمن بيئة مناسبة لهم، وأن يتم التعاون بينها وبين دولة فلسطين والأونروا لتوفير حقوق اللاجئ في لبنان وعلى رأسها حق العلم والعمل.
في ظل هذا الواقع لا يمكن الحديث عن خيارات لدى الشباب، أما الهجرة أو التيه في أنفاق الآفات الاجتماعية.