هذا الاسبوع دفنت الأمم المتحدة نهائيا. فبالذات حول الاحداث الاحتفالية للجمعية العمومية السنوية صدرت شهادة وفاة رسمية للمنظمة التي فقدت حقها الاخلاقي في الوجود قبل عشرات السنين. وسجل النهاية جاء عندما تحطمت القواعد حول المذبحة في حلب. وبالاساس عندما اتهم وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، بتأييد طفيف من الأمريكيين، عضو مجلس الامن ـ روسيا ـ بارتكاب جرائم حرب في حلب وحذر من فتح اجراءات ضدها. اما روسيا من جهتها، فاتهمت بريطانيا بارتكاب ذات الجرائم بالضبط، ولكن في العراق، ومظهر النظام الدولي تحطم نهائيا.
الاتهامات البريطانية صحيحة بالطبع، فحكم بوتين اصبح منذ زمن بعيد شريكا في سياسة القتل الجماعي للجزار من دمشق. ولكن ليس في هذا ما هو جديد، وبالاخص ليس في هذا ما يغير حقيقة ان امم العالم لم تكن موحدة أبدا وعليه فلم يكن أيضا معنى لاقامة منظمة كاذبة تحمل هذا الاسم.
أحداث الاسبوع الاخير باعثة على اليأس على نحو خاص من ناحية من توقع قيام مجتمع عالمي، يعمل حسب قواعد لعب واقتسام خطوط حمراء مشتركة. هذا الحلم يبدأ من وودرو ولسون، الرئيس الأمريكي في الحرب العالمية الاولى، الذي مثل تلميذه براك اوباما عانى من عمى متطرف تجاه الواقع. «عصبة الامم»، التي اقامها ولسون تحطمت امام تحطيم القواعد من جانب ألمانيا، اليابان وايطاليا وتجدد في ميثاق الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية. غير أنه مع قيامها، كان الطموح في اساس الأمم المتحدة زائفا وزائدا. فعلى الفور اندلعت الحرب الباردة وغابت الحاجة أيضا لمعنى قانون الأمم والقوة الاخلاقية القائمة في ايدي «الاسرة الدولية».
وبالذات مع سقوط الكتلة السوفييتية، في 1989، ازدهرت من جديد فكرة بناء «الاسرة الدولة»، ولكن هذه الفكرة كانت دوما مزدوجة وزائفة إذ منذ الازل سمحت الدول الاقوى لنفسها بان تستخف بالقواعد، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا. ناهيك على المقاييس المزدوجة والتمييز المنهاجي ضد دولة إسرائيل، والتي سادت دوما في الاروقة الدولية.
ومع ذلك، فقد بلغ العبث ذروته بالذات في عصر حكم براك اوباما، الذي ادعى بانه سيبعث سياسة دولية تقوم على اساس الحقوق، التسامح واحترام الغير. وبالذات عندما قلص الرئيس الأمريكي بكلتي يديه مواضع القوة الزائدة للقوة العظمى التي يقودها، وقعت، بالطبع، ظاهرة معاكسة لما توقعه: عوامل الظلام المختلفة، من داعش وحتى كوريا الشمالية، من سوريا وحتى روسيا، رفعوا الرأس. ولكن في مواقفه نفسه ايضا ومواقف الحكومات «المتنورة» من أمثاله على نمط قصر الاليزيه سادت ازدواجية اخلاقية مصلحية مثيرة للحفيظة. هنا أيضا تبرز المقاييس المزدوجة التي تمارس ضدنا، إلى جانب المصالح التهكمية التي تختبيء الافكار المحبوبة.
وعليه، فان انهيار وهم الأمم المتحدة هو بالذات بشرى طيبة، بشرى تزيل قناع الكذب والتهكم. انعدام وهم «الاسرة الدولية» هام على نحو خاص من ناحيتنا، في ضوء الخطوات التي يقوم بها اليسار الإسرائيلي المتطرف منذ سنين ـ في اخضاع المجتمع الإسرائيلي من الخارج من خلال عقوبات دولية. ان انهيار الأمم المتحدة والساحة الدولية حول أزمة سوريا وحلب يبشر بالشر ايضا بالمؤامرات الظلماء لمن يريد ان يحطم الديمقراطية والجمهور الإسرائيلي من خلال ذات الساحة الدولية.
وفوق كل شيء من المهم استخلاص الدرس لحلب الدامية. مرة اخرى يتبين كم هي معدومة تلك الذراع الاخلاقية للانسانية التي يمكن أن تأتي من الخارج. لا معنى للاتفاقات والضمانات الدولية، للتحالفات والوعود. الامر الوحيد المهم هو كم نحن أقوياء وراسخون ـ قادرون على الدفاع عن أنفسنا والمناورة بقوانا الذاتية.
معاريف 28/9/2016