فلسطين المحتلة-بوابة اللاجئين الفلسطينيين
شهدت الأيام الماضية ردود فعل فلسطينية وعربية رافضة للتصريحات والتهديدات الأمريكية الأخيرة حول وقف الدعم والمساعدات التي تُقدمها الولايات المتحدة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بالإضافة إلى تحريض "إسرائيلي" على الوكالة الأمميّة ومحاولة نقل قضيّة اللاجئين الفلسطينيين إلى مفوضيّة شؤون اللاجئين.
على الصعيد العربي، حذّر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من التداعيات الخطيرة التي ستحل جراء احتمال تقليص ميزانية "الأونروا".
ولفت أبو الغيط في حديث له يوم الاثنين، إلى الأثر السلبي الذي سيتركه هذا التقليص على الخدمات التي تُقدمها الوكالة لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، مُعرباً عن خشيته من وجود خطة مُمنهجة لتصفية قضايا الحل النهائي، خاصة القدس واللاجئين.
عبّر الأمين العام للجامعة العربية كذلك عن قلقه إزاء التقارير الإعلامية التي تُشير إلى احتمال إقدام الولايات المتحدة على تخفيض مساهمتها السنوية في ميزانية وكالة الغوث.
من جانبه، أكّد مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية في الأردن، ياسين أبو عوّاد، رفض الأردن لأي طرح أو حديث عن إلغاء أو إنهاء عمل وكالة الغوث، مُضيفاً أنها ستواصل عملها وتستمر في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، إلى حين حل قضيّتهم وفق القرار الدولي (194).
ونقلت صحيفة "الغد" الأردنية تصريحات أبو عوّاد، الثلاثاء 9 كانون الثاني، أنّ دعوة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لإغلاق "الأونروا"، يُعتبر مرفوضاً جُملةً وتفصيلاً، موضحاً أنّ الوكالة أنشئت بقرار أممي ولا تستطيع أي جهة التأثير في وجودها.
كما شدّد عوّاد على أنّ "الأونروا ستبقى مستمرة وفق قرار إنشائها، إلى حين حل قضية اللاجئين، وستستمر في تقديم خدماتها الصحية والتعليمية والإغاثة الاجتماعية، لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مُسجلين لديها، منهم زهاء مليوني لاجئ في الأردن، وذلك حسب التفويض الأممي الممنوح لها."
وأضاف أنّ برامج "الأونروا" في الأردن مُستمرة كالمعتاد دونما توقّف، داعياً الدول المانحة لمواصلة دعمها والإيفاء بالتزاماتها تجاه "الأونروا"، حتى تستطيع الأخيرة القيام بواجباتها والاستمرار بعملها وتقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين.
رئيس الهيئة الشعبيّة العالميّة لدعم غزة، عصام يوسف، أعرب عن مخاوفه من تفاقم مُعاناة اللاجئين الفلسطينيين في حال تقليص الدعم المالي المُقدم لوكالة الغوث.
وأوضح يوسف في تصريح صحفي أنّ موازنة "الأونروا" لا تُغطي كافة الحاجات الإنسانية لجميع اللاجئين، لافتاً إلى أنّ الأنباء المتداولة مؤخراً حول تجميد الولايات المتحدة (125) مليون دولار أمريكي من مساهماتها في ميزانية الوكالة، ستكون لها انعكاسات سلبيّة على أوضاع اللاجئين.
واعتبر أنّ خفض الدعم المُقدّم لـ "الأونروا" سيؤدي إلى تقليص خدماتها المُقدّمة للاجئين، مُشيراً إلى أنّ هنالك أكثر من مليون لاجئ في قطاع غزة المُحاصر، يعتمدون بشكلٍ كلّي على مساعدات الوكالة، إضافةً إلى ملايين اللاجئين في الضفة المحتلة ومخيّمات اللجوء في دول الشتات.
وأضاف يوسف أنّ الانعكاسات ستكون كارثية على أوضاع اللاجئين الإنسانية، سيّما وأنّ تقليص الخدمات سيطال قطاعات حيويّة أساسيّة عديدة، كالإغاثية والصحية والتعليمية، وغيرها من القطاعات.
كما حذّر يوسف من أنّ تقليص خدمات وكالة الغوث سيُشكّل خطراً على حياة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين المُنتشرين في غزة والضفة المحتلة ولبنان وسوريا والأردن.
وطالب المجتمع الدولي الالتزام بواجباته الإنسانية والأخلاقية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وعدم التخلّي عنهم تحت أي ظرف من الظروف، بالإضافة إلى مُطالبته الدول العربية والإسلامية لزيادة دعمها للاجئين الفلسطينيين، كي لا يتحوّلوا إلى ورقة ضغط تُستخدم لصالح الاحتلال، وتهدف إلى تنفيذ مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية.
في الساحة الفلسطينية، اعتبرت حكومة التوافق الفلسطينية أنّ تحريض الاحتلال ضد وكالة الغوث يهدف إلى تصفية قضية اللاجئين، وحذّرت من استمراره، مُبديةً استغرابها من تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي زعم فيها أنّ الوكالة الأمميّة "تسعى لتدمير دولة إسرائيل."
وقال المُتحدث باسم الحكومة يوسف المحمود، أنّه "لا يُعقل أن يصل التحريض إلى مثل هذا المستوى الذي جاء به نتنياهو ضد الأونروا، ولم يكن نتنياهو يبلغ هذا المستوى لولا المواقف الأمريكية الأخيرة، وما تناقله عن عزم واشنطن وقف مساهمتها في الوكالة."
وأضاف المحمود أنّ ما تقوم به واشنطن في هذا الإطار، يأتي ضمن سياسة الابتزاز والضغط على القيادة الفلسطينية للمساومة على الثوابت، وهي سياسة مُستنكرة ومُدانة ولن تُقبل فلسطينياً بأي حال من الأحوال.
واعتبرت الحكومة أنّ المواقف والسياسات الأمريكية الأخيرة من شأنها أن تدفع باتجاه إنعاش التطرّف في المنطقة، وطالبت المجتمع الدولي بمواصلة وزيادة تقديم الدعم اللازم لـ "الأونروا"، لتمكينها من الاستمرار في أداء مهامها التي أنشئت من أجلها، وذلك حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها، حسب قرارات الشرعيّة الدوليّة.
من جانبه، اعتبر رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، زكريا الأغا، أنّ التهديدات الأمريكية بوقف المساعدات لـ "الأونروا"، خطوة غير مُبررة، وتهدف إلى إنهاء عملها وتصفية القضيّة الفلسطينية.
وفي حديثه لبرنامج "ملف اليوم" عبر تلفزيون فلسطين الرسمي، قال الأغا "إنّ هذه الخطوة غير مُبررة وليس لها أي داعي أو أي تفسير، سوى أنها تصب في المحاولات التي تبذلها إسرائيل وبعض الأوساط في الكونغرس الأمريكي لإنهاء عمل الأونروا."
وحذّر الأغا من خطورة هذه الخطوة مؤكداً أنّها تمس عمل الوكالة التي أنشئت خصيصاً من أجل اللاجئين الفلسطينيين ورعايتهم وتشغيلهم والاهتمام بهم إلى أن تحل قضيّتهم حلاً نهائياً.
وقال "يكفي اللاجئين الظلم التاريخي الذي ألمّ بهم منذ سبعين عاماً، وهم ينتظرون حق العودة، الذي تعطّل بفعل الرفض والتحدي الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية، والدعم الأمريكي لموقف إسرائيل وحمايتها في المنظمات الدولية."
كما اعتبر الأغا أنّ ما تقوم به الدول المتبرعة لـ "الأونروا" واجب أقرّته الأمم المتحدة بقرارها رقم (302)، ومن المُفترض استمرار هذه التبرعات، وقال "إذا ما تأكد قرار الولايات المتحدة غير المُبرر، فله تفسير واحد هو تصفية قضية اللاجئين والقفز عنها، كخطوة ثانية بعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وغض البصر عن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأتاحت المجال لحكومة الاحتلال باتخاذ قرارات لشرعنة المستوطنات واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل."
وأشار كذلك إلى أنّ "الأونروا" مسؤولية دولية ومسؤولية الأمم المتحدة تجاه اللاجئين، قائلاً "إذا تم انهيار عمل الأونروا، فالجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمين العام للأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، مسؤولين عن تدبير الأموال والميزانية لعمل الأونروا."
وطالب الأغا بعقد اجتماع عاجل للجنة الاستشارية لوكالة الغوث، تمهيداً لنقل القضية بالكامل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لحل هذا الإشكال، وإيجاد وتخصيص ميزانية للوكالة لا تخضع للتهديد أو الابتزاز من أي دولة في العالم.
بدوره، قال عصام عدوان رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة "حماس"، أنّ تقليص دعم واشنطن لوكالة الغوث يأتي في إطار المساومة بسبب التاريخ الطويل من محاولات الإدارة الأمريكية في إنهاء عمل "الأونروا" من جهة، إنهاء قضيّة اللاجئين من جهةٍ أخرى.
واعتبر عدوان خلال حديث إذاعي لـ "صوت الأقصى"، أنّ محاولات الإدارة الأمريكية لا يُمكن فهمها إلا من خلال ذات السياق الذي قامت به مؤخراً تجاه القدس.
وأضاف أنّ هذه الخطوات تهدف نحو تصفية كل قضايا الحل النهائي أمام المفاوضات، باعتبار أنّ هذه القضايا تُعطّل المسار التفاوضي، الذي تحاول من خلاله واشنطن الضغط على السلطة الفلسطينية لانتزاع المزيد من التنازلات، وذلك بعد أن تأكد لدى الإدارة الأمريكية بأنّ السلطة الفلسطينية لا يمكنها أن تُقدّم أية حلول تجاه قضايا القدس واللاجئين، ولذلك قررت واشنطن استثناء هذه القضايا من طاولة البحث، وبذلك تسحم الصراع لصالح الكيان الصهيوني.
وحول مرجعيّة "الأونروا"، قال عدوان بأنّ وكالة الغوث تُدرك أنها لا تعمل لدى الإدارة الأمريكية، وأنّها منظمة دولية مرجعيّتها الأمم المتحدة، وبالتالي لا تملك لا أمريكا ولا أي دولة أخرى من الدول المانحة إنهاء عملها.
وطالب عدوان وكالة الغوث بالاستمرار في مهامها، مع التأكيد على أنّ أي إدارة أو مسؤولين في "الأونروا" غير قادرين على القيام بمهامهم في ظل هذه التقليصات فعليهم أن يتنحّوا، وأن يستقيلوا، وأن تقوم الجمعية العامة بتعيين موظفين قادرين على جمع التمويل اللازم لاستمرار عمل وكالة الغوث، فـ "الأونروا" منظمة قائمة على التبرعات؛ ويجب أن يكون الأشخاص الموظفون لهذه المهمة يتمتعون بالمقدرة على إقناع المجتمع الدولي بأهمية تقديم هذه التبرعات للشعب الفلسطيني.
وعبّر عدوان عن رفضه أي إعلان من قِبل "الأونروا" تقليص أي من برامجها التي تخدم بها اللاجئين الفلسطينيين، وطالب "الأونروا" بأن تطرق كل أبواب دول العالم دون استثناء، من أجل جلب التمويل وأن تسعى في سبيل اقناع العالم نحو دفع تبرعاتهم لوكالة الغوث، وإذا ما فشلت "الأونروا" بعد جهود حثيثة، فعليها التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب تعويض كل نقص في ميزانية "الأونروا" من الصندوق الأساسي للأمم المتحدة.
وأكد عدوان في ذات السياق على ضرورة أن تتوجه منظمة التحرير الفلسطينية نحو تقديم مشروع قرار لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب تعويض كل نقص في ميزانية "الأونروا" من الصندوق الأساسي للأمم المتحدة لتتمكن "الأونروا" من الاستمرار في عملها. وأضاف: "قطع الدول العربية تمويلها عن الأونروا أمر وارد؛ لذلك يجب على الأخيرة الخروج من دائرة الابتزاز، والتوجه نحو الجمعية العامة لضمان التمويل."