علي بدوان*
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يَضَع وكالة الأونروا تحت سقفِ المساومةِ أو الشطب، ويربِطُ بين استمرارِ مساهمةِ الولاياتِ المتحدةِ، الماليةِ، بميزانيةِ الوكالة وبين عودةِ الطرفِ الرسمي الفلسطيني لطاولةِ المفاوضاتِ المتوقفةِ أصلاً منذ عدة سنوات مع الطرف "الإسرائيلي".
محاولة أميركية، ومطرقةٌ جديدةٌ من الضغوط، على الحالةِ الفلسطينيةِ عموماً، تَسقُطُ هذهِ المرةِ لتصيب اللاجئين الفلسطينيين، الذي يُشكّلون نحو 65% من أبناء فلسطين في الداخل والشتات. لكنها تأتي أيضاً في إطار المساعي "الإسرائيليةِ" الأمريكيةِ المحمومةِ، القديمة/الجديدة، والهادفة لإنهاءِ ولايةِ وكالةِ الأونروا وإحالتها على التقاعد. وكل ذلك بهدف تحقيق البُعد الإستراتيجي الأكبر والأهم، من الوجهةِ الأميركية "الإسرائيليةِ" بإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي تُشَكِّلُ العقبة الكأداء على طريقِ التسويةِ الأميركيةِ "الإسرائيليةِ"، وتحطيم حُلمِ حق العودة المشروع لغالبية أبناء فلسطين الذين شردتهم نكبة العام 1948.
الملفت للنظر، أن تهديدات واشنطن الأخيرة، بوقف المساهمة بتمويل وكالة (الأونروا)، جاءت هذه المرة من خلال تغريدةٍ رئاسيةٍ أطلقها الرئيس دونالد ترامب، ومن خلال تصريحٍ مباشر للمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، التي ربطت بين استمرار المساهمة الأميركية بتمويل الأونروا وبين موافقة الفلسطينيين على العودة لطاولة المفاوضات المتوقفةِ أصلاً منذ عدةِ سنوات، في عملية مقايضة وابتزاز موصوفة، وهذا ماينذر بالمزيد من المخاطر التي ستتعرض لها الوكالة الأممية خلال العام الجاري 2018 الذي سيحيي فيه اللاجئون الفلسطينيون ذكرى مرور 70 سنة على نكبتهم في أيار/مايو 2018.
نتنياهو، كرر يوم الأحد 7/1/2018، دعوته لإنهاء عمل وكالة الأونروا بتصريح علني مباشر، فجاءه الرد من الناطق الرسمي باسم الوكالة سامي مشعشع، الذي قال "إنَّ مهام ولاية الأونروا تُحددها الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي يُقدم أعضاؤها دعماً قوياً وواسعاً لمهمة الوكالة في مجالات التنمية البشرية والمجالات الإنسانية، في الشرق الأوسط". وأضاف سامي مشعشع في بيان صحفي "أنَّ ما يعمل على إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين هو فشل الأطراف في التعامل مع القضية، وهذا بحاجة لأن يتم حله من قبل أطراف الصراع في سياق محادثات السلام، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهو يتطلب مشاركة فاعلة من قبل المجتمع الدولي".
إنَّ التهديد الأميركي الأخير بوقف المساهمة بتمويل أعمالِ ومهامِ وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى والمعروفة بــ (الأونروا) ليس بالجديد على الإطلاق. فقد سَبَقَ وأن أطلقت واشنطن تهديداتٍ مُماثلة بحق (الأونروا) خلال العقدينِ الماضيينِ، بل وأكثر من ذلك حاولت أكثر من مرةٍ طرح مسألة إنهاء خدمات الوكالة وإحالتها على التقاعد، في سياق التوافق مع المساعي الدؤوبة لدولة الإحتلال "الإسرائيلي" الهادفة لإنهاء عمل الوكالة نظراً لما يُمثله استمرارها من معنى سياسي عميق باعتبارها الشاهد التاريخي والأممي على كارثة تهجير الشعب الفلسطيني من أرض وطنه عام 1948، ولدورها الكبير في التنمية البشرية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وتحديداً لحوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني مُسجّلين في قيود الوكالة، عبر توفير الإغاثة الإجتماعية والصحة والتعليم للاجئي فلسطين في الضفة الغربية والقدس والقطاع وفي دول الطوق الثلاثة (سوريا + لبنان + الأردن)، والتي لايُمكن الإستغناء عنها إلاَّ بعد زوال أسباب قيام الوكالة بعودة لاجئي فلسطين إلى أرض وطنهم التاريخي وفق قرار الجمعية العام للأمم، الرقم194، والصادر بتاريخ 11/12/1948.
إنَّ المواقف الأميركية بشأن قطع المساعدات عن وكالة الأونروا، بلطجة سياسية، وترجمة فعلية لشريعة الغاب التي تعتمدها الولايات المتحدة في تعاطيها مع القضايا الدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. كما هي اعلان حرب سياسية واقتصادية ضد الشعب الفلسطيني، وهذا ما يملي مسؤوليات مضاعفة على الأمم المتحدة صاحبة الولاية القانونية على وكالة الأونروا التي دائما ما كانت تحذر من عواقب نقص التمويل، ليس على اللاجئين الفلسطينيين فحسب، بل على كل المنطقة.
لقد ارتبط قرار تأسيس وكالة (الأونروا) الرقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1949 بالقرار 194 الذي أكَّدَ على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات لكل لاجئي فلسطين، فقد تَضَمَنَ القرار في ديباجته والفقرة الخامسة والفقرة العشرين الإشارة إلى تطبيق القرار 194، مما يعني بأن حل (الأونروا) مُرتبط بتطبيق حق العودة. فوكالة (الأونروا) خط أحمر، وهو مايفترض فلسطينياً، وعربياً، وأممياً، التحرك الجاد في المجتمع الدولي لمنع المساس بها، إلى حين عودة كل لاجئي فلسطين إلى أرض وطنهم التاريخي طبقاً لقرار قيامها.
أن أي تقليصٍ لخدماتِ وكالةِ غوثِ وتشغيلِ اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يُشكّل في واقع الحال، خطراً على حياة نحو ٧٥% من اللاجئين الفلسطينيين، وحرباً جديدة عليهم. فهناك على سبيل المثال أكثر من مليون مواطن من لاجئي فلسطين في قطاع غزة يعيشون على المساعداتِ الإغاثيةِ المُقدمةِ لهم من وكالة (الأونروا)، كما أن نكبة لاجئي فلسطين بسوريا في ظل الأزمة الطاحنة التي عانوا ومازالوا يعانون من تداعياتها تتطلب الآن زخماً متزايداً من نشاط (الأونروا) ورفعاً لمستوى خدماتها المقدمةِ لهم.
وعليه، نحن الآن أمام موقفٍ قلق بالنسبة لما يُحاكُ لمصير وكالة (الأونروا)، وهو مايتطلب انتباهاً، وتحركاً عربياً، وإسلامياً، على كل الصعد والهيئات الدولية، لمنع المساس بوكالة (الأونروا) الى حين انتفاء أسباب تأسيسها وقيامها، وحث دول العالم للمساهمة بميزانيتها، والسعي من أجل دَفعِ هيئة الأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتها تجاه وكالة (الأونروا) والخطر الذي يُهدد ميزانيتها الإعتيادية من خلال تخصيص ميزانية ثابتة لها من الميزانية العامة لهيئة الأمم المتحدة، باعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول المنضوية تحت مظلتها هي التي أنشأت وكالة (الأونروا) بقرارٍ منها، وهي صاحبة الولايةِ عليها، وهي المسؤولة عن توفير الأموال اللازمة لميزانيتها، وضمان إستمرارها بتقديم خدماتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين ودول الطوق (سوريا + لبنان + الأردن).
وكالة الأونروا، يجب أن تبقى، فهي الشاهد الحي، الأممي، والتاريخي، على نكبةِ فلسطين، والحافظةِ لسجلاتِ أبناء ولاجئي فلسطين بعد النكبة، ستبقى موجودة أيضاً بقوةِ الحقِ والعدالةِ، ومن خلالِ إجماعِ الأسرةِ الدوليةِ على ديمومة عملها إلى حين تنفيذ القرار 194 الخاص بتحقيق حق العودة للاجئي فلسطين.
* كاتب فلسطيني/ دمشق