لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
زينب زيّون
رغم معاناة اللجوء والحرمان التي تتربص به، إلا أنّ ذلك لم يمنع شعبنا الفلسطيني في الشتات، من تفجير مواهبه و ترك بصمته، على كافة الصعد العلميّة والفنيّة وسواها، و في كافة الأماكن التي يتواجد فيها.
فلطالما اعتدنا رؤية الفنان الذي يرسم لوحاته بالفرشاة والألوان، لكن محمد ياسين، ابن مخيّم برج الشمالي، أوجد لنفسه طريقةً أخرى، يعتمد على تصميم لوحات مستخدماً المسامير والخيوط.
"فن الفيلوغرافيا أو الرسم بالمسامير والخيوط، فنّ تركي وهو نوع من الفنون البارزة التي تعتمد على الدقة"، بهذه الكلمات بدأ محمد حديثه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، مشيراً إلى أنّ تصميم لوحة بالمسامير والخيطان يمرّ بعدّة مراحل: "بدايةً يتم دقّ المسامير، ذات الرؤوس العريضة، على لوح خشبي، ومن ثمّ تبدأ مرحلة رسم الشكل بشدّ الخيط الملّون، من مسمار إلى آخر، ويفضّل تغليف اللوح الخشبي بقماش غامق لإبراز الألوان والخطوط".
فبخيط واحد مستمر، ملفوف حول مئات المسامير، يُبدع محمد برسم مختلف الصور والرسومات، الأمر الذي دفعه للبحث عن أساليب جديدة ومبتكرة تطوّر آداءه.
فمنذ طفولته، ظهرت موهبة محمد وشغفه بالرسم، حيث تميّزت رسوماته عن باقي طلاب صفّه. ترك محمد المدرسة باكراً، بسبب ظروف عائلية صعبة، ليعمل في "كراج دهان سيارات". وعلى الرغم من عدم دراسته للفنون الجميلة، إلا أنّه استطاع تطوير نفسه، فرسم عدداً من اللوحات، بالإضافة إلى جداريات نفّذها على جدران مخيّمه وبعضاً من مخيّمات لبنان، مستخدماً الألوان النفطية من "بويا السيارات، وبويا دتش بوي"، ومادة تشميع لحفظ اللوحة من الشتاء وأشعة الشمس.
عن الرسم بالمسامير والخيوط، قال محمد: "رسمتُ الجداريات إلى أن تعرّفت على فن الرسم بالمسامير والخيوط، سنة 1994، عندما مررت بمحل تجاري ورأيت بداخله لوحة رُسمت بالمسامير والخيطان، أعجبتني الفكرة، وقررت تعلّم هذا الفن المختلف والمميّز".
جازف ياسين في تعلم فن الرسم بالمسامير والخيطان، بمفرده، من خلال تصفحه مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أبدع في رسم العديد من اللوحات الفنية، استهلّها بلوحة المرساة. أما خريطة فلسطين فلم تغب من أعمال محمد، فجسّدها على لوحة خشبية، كاسرةً نجمة "اسرائيل"، وملفوفة بعلم فلسطين.
صورة إبداعية للطفلة عهد التميمي، رسمها محمد بالخيوط والمسامير ومزجها بالألوان، فخرجت بشكل رائع، يُعلّق محمد على هذه الصورة بقوله: "حاولت الخروج على النمطية عبر استعمال الألوان، وهنا أحاول الإستفادة من الأفكار التي أتلقاها من زملائي، عبر تعليقات تردني منهم عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فأستمع إلى مقترحاتهم، وأتقبّل إنتقاداتهم، وأعمل في كل لوحة على تطوير عملي تفادياً للتكرار".
يعمل محمد على إعداد لوحات، تحضيراً لمعرض سيقيمه في فصل الربيع القادم، متمنياً أن يصير فنّه معروفاً واسمه متداولاً بين الناس. فهو سبق أن شارك في معارض عدّة، لكنّ هذه المعارض كانت بعيدة عن الإعلام، وهذا السبب الرئيسي لتأخّر انتشار هذا الفن بصورة كبيرة، بحسب ما أشار محمد.
وتحدّث عن عمله قائلاً "في البداية، كان يستغرق رسم اللوحة الواحدة، حوالي خمسة أيام، وبعد فترة صرت أنجز اللوحة بوقت أقل، واتجهت لرسم لوحات عملاقة".
يُساعد محمد، في عمله هذا، مجموعة من الشباب الذين درّبهم، وأغلبهم عاطلين عن العمل، فالشباب الفلسطيني محروم من مزاولة معظم المهن في لبنان، ومن يعمل بالكاد يكون قادر على تأمين قوت يومه، فشكّل فريقاً يضمّ عدداً من شباب المخيّمات، وصاروا يرسمون على جدران المخيّمات، محاولين إظهارها بأبهى صورة ممكنة، فشكّل هذا الفريق مصدر رزق للعديد من هؤلاء الشباب.
تختلف أسعار لوحات محمد بحسب أحجامها والجهد المبذول فيها من إضاءة وغيرها، ورغم ذلك، فهو لا يستطيع الاعتماد على هذا النوع من الفن كمصدر رزق وحيد.
"كثيرون يظنون أنّ هذا الفن خاص بالرجال بسبب اعتماده على المطرقة والمسمار"، جملة قالها محمد مشيراً إلى انّ "فن الفيلوغرافيا ليس صعباً، بل على العكس، فهو فن ممتع تسهل مزاولته من قبل النساء".
يُنهي محمد حديثه، بتنهيدة قوية، مطالباً المؤسسات التي تعمل على دعم الشباب، أن تدعم هذا النوع من الفن. قائلاً "المخيّمات الفلسطينية خزانات مليئة بالمواهب التي تنتظر من يكتشفها".