سوريا - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
الوليد يحيى
يحتفي العالم في يوم الثامن من آذار من كل عام، باليوم العالمي للمرأة، في تقليد سنوي مستمر منذ العام 1909، وبات هذا اليوم يشكّل مناسبةً للقوى النسائيّة حول العالم لإقامة الفعّاليات التضامنيّة، للتأكيد على حقوق النساء والتضامن مع المضطهدّات منهنّ من قبل الأنظمة والقوانين والأعراف الاجتماعية، خصوصاً في أكثر مناطق العالم تهميشاً واستلاباً.
وفي بقعة جغرافيّة من بقاع العالم، تقبع شريحة من النساء، تتكثّف حولهنّ وبهنّ عوامل الاضطهاد بكافّة معانيها المركبّة، لاجئات من بلادهنّ المحتلّة، فاقدات للاعتباريّة المواطنيّة في بلد لجوئهنّ، يعشن ظروف حربٍ مستعرة وتشرّد داخلي وخارجي، تحت ربقة أمراء الحرب والاستبداد. جملة من السمات باتت تُعرّف عن اللاجئات الفلسطينيّات في سوريا وحالهّن المتفرّد في انهياره.
471 ضحيّة فلسطينية جرّاء القصف والعمليّات الحربيّة، 67 منهنّ قضين جوعاً او لنقصٍ في الرعاية الصحيّة جرّاء حصار مخيّم اليرموك.وأكثر من 105 معتقلات في سجون النظام السوري، يتعرّضن لشتّى انواع التعذيب والانتهاك. كل ذلك، حصيلة ما تمّ توثيقه من قبل " مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سوريا" لضحايا الحرب من اللاجئات عشيّة اليوم العالمي للمرأة، خلال سبع سنوات من الحرب السوريّة، فضلاً عن مئات الأرامل وآلاف المهجّرات داخل البلاد وخارجها، بالإضافة الى المئاتٍ تقبعنَ تحت سلطة تنظيم " داعش" الظلاميّة في مخيّم اليرموك، وما يتعرضن له هناك من صنوف التضييق والاستلاب المادي والمعنوي.
سبعُ سنوات، لا يرى العالم تلك المعاناة، لكنّه في اليوم العالمي للمرأة، سيُوفّر للمرأة اللاجئة في سوريا فرصةً لتُشمل بالعموميّات، بكافة التهاني وعبارات التضامن مع النساء، وذلك لكونها إمرأة من حيث النوع الفيزيزلوجي، يا لحظّها بذلك !. لكنّ العالم وكما عوّدنا طوال السنين السبع العجاف التي مرّت على سوريا، يغضّ النظر عن المعاناة الخاصّة للنساء في ذلك البلد بمن فيهنّ اللاجئات الفلسطينيّات.
ظروف حياة اللاجئة الفلسطينية في سوريا، لا تشبه سواها لدى الأخريات، فمنذ تهجير الفلسطينيين عن بلادهم على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948، باتت المخيّمات المجال الحيوي الوحيد للاجئين، ففيها تأسست مقوّمات حياتهم الاقتصادية والمعيشيّة وكذلك السياسية، الأمر الذي جعل من كارثة الحرب في سوريا أن تجرَّ عليهم ويلات مضاعفة. دُمّرت بعض المخيّمات وحوصرت، وضاع كلّ ما تأسس، وفقدت المئات من النساء أزواجهنّ وأفراد من أسرهنّ، واضحينَ مجبرات على تأسيس مقومات حياةٍ بالحدّ الأدنى في مناطق جديدة داخل البلاد وخارجها.
جوع وفقر واذلال، قوّام حياة من تهجّرن خارج المخيّمات، سعيٌ وراء السلل الإغاثيّة التي توزّعها " الاونروا" وبعض الهيئات المدنيّة، تحمّلت النسوة الفلسطينيّات معاناة كبرى في هذا الاطار، خصوصاً شريحة الأرامل اللواتي فقدن أزواجهنّ أثناء الحرب او من سيق ابنائهنّ وازواجهن للخدمة الالزاميّة في "جيش التحرير الفلسطيني" وأصبحن بلا مُعيل.
لم توفّر أيّة جهة حقوقية أومدنية، احصاءات لشريحة النساء اللاجئات اللواتي يعشن بلا معيل، لكن لا يحتاج الأمر للكثير من العناء لرصد هذه الظاهرة، التي بات كلّ منّا يسمع عن حالة او حالتين منها، تعيش في إحدى المناطق الآمنة من الموت في سوريا، لكنّها غير آمنة معيشيّاً ولو بالحدّ الأدنى، فلا جهات فلسطينية ولا دوليّة تلقفّت اولئك النسوة، لتوفّر لهنّ عملاً في ظل واقع البطالة الحاد والمزمن الذي تعاني منه سوريا في الوقت الراهن.
كما تعيش اللاجئة الفلسطينية في سوريا، استلاب في اعتباريّتها المواطنية كحال عموم اللاجئين ذكوراً وإناثاً، وإن اعتبر حال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أفضل حالاً من حيث الحقوق، مقارنة بدول لجوء أخرى، الّا أنّه في حال الحرب، تطغى النواقص على الكوامل، وهنا ظهرت عمق لعنة " وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين"، التي لم توفّر للنساء اللاجئات خصوصاً الأرامل منهنّ، فرصةً للهروب من البلاد، فسدّت الدول المحيطة كلبنان والأردن أبوب النزوح في وجوههن، لعدم اعترافهّن بوثيقة السفر للاجئين، وشهدت النقاط الحدوديّة لتلك الدول ومطاراتها حالات عدّة لنساء، رُفضت طلبات دخولهّن وحجزن لأيّام بظروف غير انسانيّة.
ذلك الحال الذي يصعب تلخيصه، دفع بالكثير من اللاجئات الفلسطينيّات، لخوض غمار الهجرة واللجوء عبر البحار، التي ابتلعت العشرات منهنّ لم تستطع جهات حقوقية سوى توثيق (26) ، لاجئة قضين غرقاً في قوارب الهجرة غير الشرعيّة.
وبما أنّ اليوم العالمي للمرأة بات مناسبة عالميّة للاحتفال والشعارات، صار من الواجب الضميريّ على كافة المنظمات الحقوقية والنسوية خاصّة، ومجمل القوى المدافعة عن حقوق الانسان حول العالم، تحويل هذا اليوم للصراخ من أجل اللاجئة الفلسطينية في سوريا، لا سيّما المنظّمات والهيئات الفلسطينية. وقد يقول قائلٌ بأنّ في هذا الكلام عصبوية وتحيّز تجاه معاناةٍ دون سواها، خصوصاً بأنّ هذا الحال المأساوي بات ينسحب على معظم نساء سوريا والمشرق العربي المنكوب وليس حكراً على الفلسطينيات في سوريا. لكنّ عوامل الاضطهاد المركّبة للاجئة الفلسطينية، والتي ساهم العالم بأسره في صنعها منذ العام 1948، تحتّم خصوصيّة في زاوية النظر لهذه الشريحة من النساء.