أكثر من 27 ألف لاجئ فلسطيني مهجّر من سوريا، يعيشون في لبنان بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وهو ما استقرّت عليه أعدادهم نسبيّاً في العامين الأخيرين، بعد انخفاض تدريجي عمّا كانت عليه خلال أولى سنوات التهجير.

 وشهدت الفترة الممتدة بين 2013 حتّى 2015 ذروة الوجود الفلسطيني السوري في حيث أوردت وكالة "أونروا" في ندائها الطارئ عام 2014 أنّ مابين 80 إلى 100 الف لاجئ فلسطيني مهجّر من سوريا، وجدوا على الأراضي اللبنانية حتّى ذلك العام، قبل أن تتقلّص أعدادهم تدريجياً بسبب كثرة الطلب على الهرب من واقع معيشي وقانوني واجتماعي قاسٍ، يتفرّد عن مثيلاته في كل دول المحيط السوري التي هجّر اليها فلسطينيو سوريا سواء تركيا أو الأردن.

ولمّا كانت وسائل الهرب والتهريب مُتاحة بشكل أو بآخر خلال السنوات التي خلت، وجدت نسبة كبيرة من فلسطينيي سوريا في لبنان ضالتها إلى دول اللجوء الأوروبيّة، عبر ما كان مُتاحاً من منافذ، ولا سيما قبل عام 2015، أي قبل أن توقف السلطات التركية، عن منح تأشيرة الدخول لحملة الوثائق الفلسطينية الصادرة من سوريا، نظراً لكون تركيا كانت قبل ذلك منفذاً نشطاً للعبور نحو دول اللجوء، بينما خرجت أعداد كبيرة وفق "لم الشمل" قبل أن تتشدد العديد من الدول الأوروبيّة إزاء هذا الإجراء، إضافة إلى اتباع آخرين الطرق المكلفة ماديّاً ممن استطاعوا إليها سبيلا.

مع ضيق منافذ الهرب، ولا سيما في ظل التوترات الإقليمية وما يتبعها من تشديد غير مسبوق، عند نقاط التهريب البحرية والبريّة بين تركيا وأوروبا، وارتفاع تكاليف الوصول إلى الجانب التركي، علماً أنّ بعض الطرق المتعددة ماتزال مُتاحة، ولكن كبيرة التكاليف إضافة إلى مخاطرها المركبّة، وازدياد حالات الاحتيال و إلقاء القبض والإعادة، لا تجد الشريحة المتبقيّة من فلسطينيي سوريا في لبنان والتي تصنّفها "أونروا" بـ الأكثر ضعفاً، سوى التراوح بين خيارات مطلبيّة، أبرزها يتعلّق بـ "تعزيز صمودها" إلى حين فرج قريب، أو مطالبتها بحل إنساني يشملها مع رفض تحميله أبعاداً سياسية.

538 عائلة عالقة لا حلّاً منظوراً لها

"عالقون" وهو التعبير الذي يصر كثيرون من فلسطينيي سوريا إطلاقه على أنفسهم، نظراً لانعدام إمكانيّة عودتهم إلى سوريا لأسباب أمنية تشكل خطورة على حياتهم.

وبحسب ما أظهرت أرقام استبيان أجرته "رابطة الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان" وحصل "بوابة اللاجئين الفلسطينين" على نتائجه، فإنّ عدد تلك العائلات يبلغ 538 عائلة موثقة بالأسماء والبيانات، وهو عدد محصور بمن شاركوا بالاستبيان الذي أجري على مدى عشرة أيّام عبر استمارة إلكترونيّة جرى تعميمها عبر مجموعات " واتس أب" و "فيسبوك" الخاصة بفلسطينيي سوريا المهجّرين، بحسب عضو الرابطة ورئيسها السابق أيهم ستيتان.

 العائلات لا تستطيع العودة إلى سوريا بسبب مخاطر خاصّة بها تهدد حياة أبنائها

 

وأوضح ستيتان، أنّ نتائج الاستبيان أظهرت أنّ تلك العائلات لا تستطيع العودة إلى سوريا بسبب مخاطر خاصّة بها، وتهدد حياتها في حال العودة، مشيراً إلى أنّه من بين تلك العائلات 350 أسرة لديها فرد من أفرادها أو أحد أقاربها مغيّب قسرياً في سجون النظام السوري، بينما تتلخص موانع العودة لدى النسبة المتبقية من المستبينين وتبلغ 188 عائلة، بمخاطر السوق للخدمة العسكريّة الإلزاميّة التي يُجبر اللاجئون الفلسطينيون على أدائها ويزجّ بهم في مناطق الصراع.

ويؤكّد ستيتان لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أنّ الاستبيان يستثني أصحاب الموانع "غير الأمنيّة"، كمن تحول الظروف الاقتصاديّة المُنهارة في سوريا والدمار الكبير لمخيماتهم ومنازلهم وممتلكاتهم، دون تفكيرهم بالعودة، حيث اقتصر فقط على من لديهم موانع أمنيّة تهدد حياتهم، "وهذا يعني أنّ هناك عوامل أخرى لم يشملها الاستبيان" حسبما أشار.

ومن تلك الحالات، اللاجئ الفلسطيني المهجّر من سوريا "أبو وسام" البالغ من العمر 32 عاماً ويعيش في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بصيدا جنوب لبنان، بعد أن هُجّر عن مخيّم اليرموك عام 2014، والذي أصرّ قبل حديثه لموقعنا على عدم ذكر تفاصيل تدل على شخصيّته، خوفاً من شبح الإعادة القسريّة إلى سوريا، نظراً لما يُمكن ان يترتب على ذلك من مخاطر تُضاف إلى "تخلّفه عن الخدمة الإلزاميّة".

ينتمي "أبو وسام" إلى الشريحة التي لا تفكّر بالعودة إلى سوريا في ظل وضعها الراهن، وذلك لعدّة أسباب مركّبة، ومنها لكونه مطلوباً للخدمة الإلزاميّة في صفوف "جيش التحرير الفلسطيني" إضافة إلى فقدانه وعائلته كل ما يملكون في سوريا من منزل ومصادر رزق غدت رُكاماً في مخيّم اليرموك، وهو ما سيحول أسرته الصغيرة التي كونّها في لبنان وقوامها زوجته وطفلاه، إلى "متسولين" في حال عاد وجرى سوقه إلى الجيش، إضافة إلى فقدانه المكان في سوريا، بعد أن دُمّر مخيّمه ومنزله ويعبّر قائلاً: "لم يعد لنا مكان في سوريا نعود إليه، فنحن لاجئون هناك ومكان لجوئنا قد دُمّر، فإلى أين نعود والناس في سوريا تسعى إلى الهرب من الظروف الاقتصادية والأمنية؟".

هواجس "أبو وسام" من العودة إلى سوريا، وشطبها من مخطط حياته في ظل الظروف الحاليّة، تدفعه إلى تبنّي المطالب التي تضمن لأسرته مستقبلاً أفضل، ومنها ما يسمّيه حلّاً إنسانياً، نظراً لكونه لا يستطيع تخيّل "حبساً ابدياً في لبنان" حسب تعبيره، بينما يقضم "انتظار الفرج" سني عمره وطفليه وأكبرهم في سنّ السادسة، ولا أمان على مستقبلهم في لبنان حيث يعيش اللاجئ الفلسطيني المهجّر من سوريا على مساعدات "أونروا" الشحيحة، بينما تتربّع مسألة الأمان القانوني والاستقرار المعيشي على رأس مخاوفه الوجودية هو وسواه من فلسطينيي سوريا.

ما يملكونه في لبنان لا يمكن اعتباره إقامة وهشاشة الوضع القانوني للعالقين تفرض اجتراح حلول

 

وبالعودة إلى نتائج الاستبيان، يؤكّد عضو الرابطة أيهم ستيتان لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ الهدف منها عملي بحت، حيث ستتواصل الرابطة مع جهات حقوقية لإيجاد حل لهذا العدد من العائلات بحكم أنها عالقة من لبنان.

وصفة "عالقة" كما أوضح ستيتان، تنفي أي صفة من صفات الاستقرار، فهم لا يستطعون العودة إلى سوريا، ولا يستطيعون البقاء في لبنان، نظراً لكون الوضع القانوني الذي يعيشون تحت خيمته، لا يُمكن اعتباره إقامة، إنمّا هو غض نظر مؤقت من قبل السلطات اللبنانية عليهم، والحديث هُنا عن الداخلين خلسة إلى البلاد، أو من لديهم خلل بأوراقهم الرسميّة، وهي شريحة تتعدّى 55% من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان بحسب أرقام وكالة "أونروا" للعام 2020 الفائت.

 وأشار ستيتان، إلى أنّ تغير الواقع القانوني لهؤلاء الفلسطينيين مرهون بتغيّر السياسيات في لبنان، واعتبارات العلاقات السوريّة اللبنانية ومسألة إعادة اللاجئين إلى سوريا، حيث من الممكن أن تجد تلك الشريحة نفسها فجأة في طور الإعادة القسريّة كما طُرح في الأروقة الرسمية اللبنانية عام 2019، وبالتالي وجودها في لبنان "هشّ" حسب تعبيره.

تراوده كوابيس الإعادة القسرية.. دخل خلسة إلى لبنان ولا يغادر مخيم البداوي

 

وينقل اللاجئ الفلسطيني المهجّر من سوريا ويسكن مخيّم البداوي شمال لبنان " أبوأمجد" لموقعنا، معاناته ومخاوفه مع هذا الوضع القانوني وهو من الداخلين خلسة أواخر العام 2015، ولم تشمله أيّة تسوية قانونية مع الأمن العام اللبناني، حيث أنّ آخر إعلان عن تسوية قانونية للداخلين خلسة كان قبل العام المذكور، أمّا هذه الشريحة، فليس لها سوى ختم مغادرة وغض نظر.

يقول "أبو أمجد" لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ وضعه ووضع شقيقه متشابهان، فهما دخلا سويّة إلى لبنان في كانون الثاني 2015، وإلى الآن قلّما يخرجان من مخيّم البداوي، وكثيراً ما يتعرّضان للمضايقات على حواجز الجيش وقوى الأمن لعدم امتلاكهما إقامة في البلد.

ويروي "أبو أمجد" أنّه مطلع العام 2021 الجاري، تعرّض للسجن 3 أيام عند الأمن العام اللبناني، فقد جرى توقيفه من قبل عناصر حاجز ليلي واقتياده إلى المخفر، الذي قضى فيه ليلة كاملة نظراً لكون توقيفه كان في يوم سبت، وبقي طيلة يوم الأحد بسبب العطلة الاسبوعية، حتّى جرى عرضه على الأمن العام صبيحة الإثنين، وهناك جرى إخراجه مساءً، بعد التأكيد عليه ضرورة مغادرة البلاد، دون إجباره على ذلك.

ومن هنا يتساءل اللاجئ المهجّر من سوريا ما الحل؟ ويضيف :" نحن هنا غير مقيمين رسمياً وغير مرغوب بنا، ولا نستطيع أن نعود إلى سوريا لعدّة أسباب، أهمّها فقدان مقومات الحياة هناك، عدا عن المخاوف الأمنيّة التي ستحيط بنا، ولا نستطيع أن نذهب إلى أي بلد آخر"، ويصر على اعتبار نفسه "عالقاً" لا حلّ له، ولا حول له ولا قوّة، ترواده دائما كوابيس الإعادة القسريّة.

مطلب "الحل الإنساني" كفلسطيني العراق لا يحتمل أي تأويلات سياسية أو تخلياً عن حق العودة

 

ومن بين هذه الحالات، يبرز مطلب "الحل الانساني" الذي يلخصّه ايهم ستيتان من خلال مقاربة أوضاع هذه الشريحة، مع أوضاع اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من العراق بعد عام 2003، حيث بحثت حينها كافة الأطراف الفلسطينية الرسميّة والدوليّة أوضاعهم، نظراً لرميهم في مخيّمات صحراء التنف حينها على الحدود السوريّة العراقيّة، وجعلهم عالقين بين انعدام ممكنات العودة إلى العراق، ورفض سوريا والأردن ادخالهم إلى أراضيهما، ما تطلب طرح حلّ انساني يقوم على استحصال لجوء إنساني لهم في دولة تقبلهم. 

وحال فلسطينيي سوريا العالقين في لبنان مشابه من حيث الجوهر لحال فلسطينيي العراق،  بحسب ستيتان، الذي أكّد أنّ هذا المطلب دوافعه انسانيّة بحتة، ولا يحتمل أيّة تأويلات سياسية، ولا علاقة له بما يُثار عن تفويضات مشبوهة للتنازل عن حق العودة، مؤكداً على تبرّؤ فلسطينيي سوريا من تلك التفويضات والأطراف التي تروّج لها، حاصراً مطالب اللجوء الانساني بحالات بعينها، وهي العالقة ولا تستطيع العودة إلى سوريا وليس لها إقامة في لبنان.

ومن هنا يشدد ستيتان على أنّ هذا المطلب لتلك الشريحة يمثّل "حلّاً إنسانياً" واستغرب بذات الوقت تضييق الممثليات الفلسطينية في لبنان عليه، وخلطه بدعوات إسقاط حق العودة والتفويضات المشبوهة، علماً أنّ الممثلين السياسيين الفلسطينيين ضمن منظمة التحرير، قد ساهموا بشكل او بآخر بإخراج فلسطينيي العراق من مخيم التنف، في ظل رفض الاحتلال الصهيوني إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم واصطدام القيادة السياسية الفلسطينية مع هذا التعنّت.

لا نستطيع العودة إلى سوريا دون عفو من الخدمة العسكرية عن أبنائنا وإعمار بيوتنا

 

اللاجئة الفلسطينية المهجّرة من مخيّم اليرموك وتسكن في مخيّم شاتيلا بيروت "أم ابراهيم نصار" بدت في حديثها مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مستسلمة لأيّ حلّ يوفّر لها عيشاً بالحدّ الأدنى من المقوّمات، سواء في لبنان أم في سوريا، أم في دولّة لجوء أخرى، ولها في ذلك بعض المحددات لتوفير ذلك الحدّ الذي تبتغيه.

فالعودة إلى سوريا بالنسبة لها حلم كالعودة إلى فلسطين، تنتظر تحقيقه إلى حين تعود إلى بلدها الأمّ، ولكّنها تخشى على ابنها الذي تجاوز الـ 18 من عمره من سوقه إلى الخدمة الالزاميّة، وتلخصّ: "لا نستطيع العودة دون عفو عن أبنائنا ودون إعمار منازلنا في المخيّم."

فالمشكلة تبدو بذات التركيب ازاء العودة إلى سوريا عند غالبية المهجّرين في لبنان، وهو ما يجعل الحلّ الإنساني المتمثّل بتوفير بلد آخر للجوء مُستساغاً لها، رغم قسوة العيش في بلاد الاغتراب، وتفضيلها البقاء في لبنان إلى حين العودة إلى سوريا ومنها إلى فلسطين، حسبما عبّرت.

"أونروا" .. والمطلوب منها

ولكنّ في لبنان، ظروف العيش لا تتوفّر فيها أدنى عوامل الأمان سواء الغذائي أو الإيوائي أو الصحّي، وهو ما يدفعها وسواها، إلى الإصرار على جملة مطالب طالما تقدموا بها لوكالة "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية، تساهم في تعزيز صمودهم بمواجهة الصعاب دون الذهاب إلى حلول مرّة بالنسبة لهم.

فهم لاجئون بلا منازل، يعيشون لقاء دفعهم مقابل سكنهم وفواتير عيشهم الباهظة في لبنان، وهو ما ولّد لديهم مطلب دعمهم ماليّاً وإغاثيّاً، وشملهم بأيّ معونات عينية وماديّة تأتي للاجئين سواء من قبل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل السياسية وسواها، كشريحة شديدة الضعف باعتراف "أونروا" ذاتها التي يُضاف لمهامها استحقاق كبير الأهميّة وهو توفير تغطية استشفائيّة كاملة بنسبة 100% للحالات المرضيّة والتي تتطلّب عمليات جراحيّة نظراً للتكلفة الاستشفاء الباهظة، إضافة إلى توفير الحماية لهم كلاجئين من مغبّة الترحيل القسري، وحل مشكلة الداخلين خلسةً وغير الحاصلين على إقامات قانونية، وتسهيل أمورهم الورقيّة في المدارس وسواها.

الجدير ذكره، أنّ تلك المطالب طالما أكّد عليها فلسطينيو سوريا في لبنان، عبر سلسلة من الحراكات والمذكرّات المطلبيّة، سواء لوكالة "أونروا" أم لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان آخرها بصوت مرتفع يوم 31 آذار/ مارس الفائت، حين اعتصمت مجموعة منهم أمام مبنى السفارة الفلسطينية، عارضين مطالبهم مُطالين من ممثليهم السياسيين بالتدخّل لحلّها، إضافة إلى مطالبات بعدم خلط مطالبهم مع أيّة دعوات مشبوهة تصدر هنا أو هناك.

تجدر الإشارة، إلى أنّ 87% من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان من أصل 27 ألفاً و700 لاجئ يعيشون في فقر، فيما تتواصل حاجتهم إلى المساعدات الماليّة النقديّة الطارئة، حسبما أوردت وكالة "أونروا" في تقرير النداء الطارئ للعام 2021 الجاري.

 

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد